سامح عودة - و َ .. الله ُ يفصل .. بينهم .. !!

المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة
حي على الصلاة حي الفلاح .... الله اكبر الله اكبر لا اله إلا الله
هكذا بدأ صباح مدينة بيت لحم المدينة الفلسطينية الوادعة ... مع أول بزوغ شمس يوم جديد ، تعانق الهلال مع الصليب ، في منظر عجيب يصعب على الذاكرة تخيله ، الجو بارد ، وأشعة الشمس بدأت تلقي خيوطها الخجولة في كل مكان ، وكأن المدينة على موعد ... مع المجهول فلا أحد يعلم ما يخبأ تحت ثنايا القدر .. !!
أي موعد ٍ .. هذا ؟ وأي قدر ينتظر الشجر َ والحجر .. !!
انتفاضة الأقصى بدأت سنتها الثالثة ... والمقاومة الفلسطينية يشتد عودها ، فترسم صورة ً لغدٍ مشرق ٍ ، بمحبرة الدم ِ ، وألوان التضحية التي يصعب على المخيلة تصورها .. !!
بسالة ٌ عالية ٌ .. وزنود حملت الأكفان على الأكف ، استبشرت بغد ٍ جديد ٍ ، يحمل خيط الأمل الذي يرتجيه المقهورون .. والمسحوقون على ثرى هذه الأرض .
لذلك نبت في كل شارع وحارة .. أسود .. وأشبال ٌ باعوا النفس ، لأجل حلم جافى مضاجع .. من يقبعون تحت نير الظلم والظلام ..
ومع انقشاع لسعات الصقيع الباردة التي عانقت حجارة المدينة العتيقة ، هللَ.. اسود المقاومة وكبروا في العرين ، أيقنوا بأن النصر صبر ساعة ، وأن سلاسل الحديد التي تطوق الوطن الأسير ستنكسر بهمة الرجال .. وصمود من شربوا ماء الوطن ، سلسبيلا طاهراً ، لذلك توزعوا في شوارع المدينة وأزقتها الحزينة الباكية فعانقوا جدران المساجد ، وحجارة الكنائس ، ... بدأ المقاومون ينتشرون في كل مكان كخلية نحل كل يعرف مراده .. !!
تنقلوا عبر الدروب ، يستنشقون عبير الصباح ، هواء واحد ، في وطن واحد لا يقبل القسمة ، أو التقسيم أو حتى التجزئة ، جمعهم تحت سماء ٍ واحدة دم ٌ ومصير مشترك .
أطل من بعيد تعتليه غيمات النخوة ، حاملاً بندقيته التي طالما صوبها إلى صدور المغتصبين ، أبو مجاهد ، قائد مجموعات المقاومة رجل تجاوز الخمسين من العمر ، خط َ الدهر على دفتر أيامه ، حكايا الوطن ، حمل في صدره حبا ً لوطن طالما رسمه بالجراح ، المتناثرة على جسده ما بين إصابات بالرصاص ، وآثار عذاب في أروقة السجون ، ابتسم ابتسامته المعهودة عندما نقلته قدميه إلى نقاط تمركز المقاومين ، تفقد مقاتليه ، وبدأ يشد ُ من أزرهم
- صباح الخير يا شباب ..
- صباح النور أخ أبو مجاهد
- كيف المعنويات اليوم ؟
- الحمد لله ، نزداد قوة وصلابة يوما بعد يوم .
- الحمد لله دائما .. المهم أن نكون مع الله لأن النصر من عنده ، فالنصر صبر ساعة ..
- أتحتاجون لشيء ؟
- الحمد لله لا ينقصنا شيء ، عليه اتكلنا
ابتسم ابتسامة عانقت سقف السماء ، وصار يغني لهم مواويل الوطن المتجذر فيهم ، يوزع المهام
- يا شباب أنتم هنا .. وخمسة في الجهة المقابلة والباقون يتوزعون في أزقة المدينة كيفما اتفق صار يبعث في نفوسهم الطمأنينة .. ويبشرهم بالنصر القريب ، والكل ينفذ التعليمات حسبما ما اتفق .
توزع المقاومون كما رسم لهم .. مرفوعي الهامة إرادتهم لا تقهر ... وإيمانهم بالنصر يفوق حدود المستحيل ، تعاهدوا جميعا على تقديم أرواحهم فداءً لمدينتهم .. ووطنهم الغالي .. لقد ألغى هذا الإيمان حدود الطائفية الضيقة ، وأسوار الفرقة المقيتة ، توزعوا مسلمين ومسيحيين ، يسارا ويمينا ، عيونهم مفتوحة نحو الهدف .. !! وقلوبهم تنبض حبا مع أجراس الكنائس وتكبيرات المآذن ، لأرضهم المقدسة .
لم تغفل عيونهم لحظة واحدة ، ولم يفكروا إلا فيما هو قادم ، كيف سيكون الغد .. !! .
فجأة وكأن القدر ساق خيوله إلى مدينتهم ، بدأ سكون المكان يتلاشى شيئا فشيئا ، مع هدير الطائرات العمودية والدبابات الإسرائيلية التي أتت من بعيد .. المقاومون يرددون بدؤوا صيحات الله أكبر ، لينتبه الجميع ... ويأخذ مكانه ... ولتبدأ القذائف تنهمر على المدينة من كل الاتجاهات ... والمقاومون يتلقونها بما توافر لهم من إيمان وعزيمة وصبر وتوحد .
ها هي الحرب قد بدأت ... وها هي الدبابات تقترب من قلب المدينة الصغيرة النابض بالحب لتدنس طهارتها، وتفض بكارتها ..... وتدوس التاريخ تحت جنازيرها ... أزقة المدينة الحزينة عجت بالشهداء والجرحى .... ولكن الإرادة بقيت كما هي لم تكسرها سطوة الجلاد .
وعلى مسافة قريبة من كنيسة المهد الشامخة تجمع عشرات ُ المقاومين الذين بدأت الدبابات الإسرائيلية تقترب منهم كما هي الأفعى السامة ... وعلى مقربة منها حاول المقاومان محمد وجريس صدها كي يتمكن باقي إخوانهم من الاختباء في مكان آمن ...
- محمد هل أنت جاهز ؟
- نعم يا أخي جاهز ..وإيماني بالله أسمى الأشياء ..
لكن العتاد الشحيح والذخيرة القليلة حالت دون توقف تلك الدبابات ... وفكرا سريعا في استخدام الأحزمة الناسفة التي تلتف حول أجسادهم الطاهرة
- جريس حضر حزامك الناسف
- حزامي جاهز .. !! لنتوكل على الله
.... وبلمح البصر صاح الاثنان معا :
- بسم الله والله اكبر ... عاشت فلسطين
وبعد دوي انفجار كبير تناثرت الأجساد إلى أشلاء ودمائهم الطاهرة لونت جدران الأزقة ... وما أن أعطبت الدبابة الأولى .. !! حتى تمكن بقية المقاومين من الهرب إلى كنيسة المهد ، ليبدأ فصل جديد من المعركة ... قبة المهد ضمت تحتها عشرات المقاومين يأكلون في صحن واحد ويشربون في كاس واحد ... ويستنشقون هواء واحد ، وعدوهم واحدا ً يقف خلف الأبواب الموصدة بالمرصاد .
ومرت تلك الأيام العصيبة من بطش الاحتلال ، وجبروته لكنها جوبهت بعناد شرس ، تجسد في ملحمة رائعة ، تحكي روعة وحدة شعب يعاني ويلات القهر والاحتلال . وعندما بدأنا في جمع الأشلاء ذهبت يمنى محمد الى جسد جريس ويمين جريس في تابوت محمد " وتركنا لله " أن يفصل بينهما يوم القيامة ؟؟؟



سامح عودة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى