بندر عبد الحميد - سوزان المجنونة.. شعر

كان الدرب طويلاً كخطوط في فناجين القهوة
مرتفعات وظلال طيور وغبار الشمس
وسوزان المجنونة
موسيقى ودم وتراب
لم نسمع من قبل صدى
لم نلمس أشجارا
لم نتعثر بزجاج.

نكتشف القبلة صمتا
نرسم جرارات وصحوناً طائرة
وخيولا من خشب عند الأبواب
نحصد قمحاً ونغني
نحصد جرحاً ونغني
في أول رحلت حب في أول يوم
في أول شهر في القرن الثامن
كانت سوزان المجنونة
تنثر بعض الأسئلة المرة
تعطي للمرتفعات الأبواب
وتعطي الفلاحين فؤوساً
وعربات نبيذ
تعطي أقلام رصاص للبحر
* * *
- الطلقة والكأس الشاهد
والجوع مغني العصر-
* * *
كان الدرب طويلاً كخطوط في فنجان القهوة
موسيقى والدم تراب
حيوانات تبكي في آخر ليل
أنهار لا أجفان لها
أجراس رماد
في أعياد القتل وفي أعياد الجوع
أجراس رماد
دن دن دن
دن دن
* * *
- كان الربيع المجنون يصعد معنا إلى أرصفة
لا تصل إليها الرصاصة- سوزان النحيفة
المجنونة ليست حزينة وليست فرحة- لكنها لا تستطيع أن
تخفي علامات الذهول- بدأت العاصفة بقبلة
تحت رنين الأجراس- كانت الأجراس القديمة
تتمايل كطيور سجينة في أعشاشها- كنا
نخفي عن أصدقائنا حبنا القديم للرقص
والرسم- نتأمل بصمت عيون الناس
والحيوانات الوسيمة- كما نتأمل الصخور
والأشجار التي لا تشبه غيرها- قالت
أخسرك- لم تكن تمزح- كانت موجة
من الكآبة تعبر وجهها الساحلي-
أذبح قلبي مشتاقاً للعشب
وموسيقى الماء
أحفر بئرا في الصحراء
اسمي عينيك زهور الليل
اسمي وجهك وقوساً وكتاناً واغني
هذي مدن
من أعطاها أرصفة- آلات حاسبة- كبريتا-
برسيما- مصاصات دماء- حصالات نقود-
قطافات زهور-
من دمرها-
موسيقى ودم وتراب
يجتمع الأطفال وينتظرون القمر المجنون
يجتمع القناصون ويقتسمون رصاص الليل
ويقتسمون العشاق وعمال الورديات-
ويحتفلون بعرس النار
الفاشستية
لا تنتظري زهراً أو قبعة
من حاملة الطيارات الأمريكية
* * *
في القرى البعيدة يعتقدون أن عنزة تطوف
على البيوت- توزع الغضب والكآبة على
جماهير الأطفال- أما سوزان فإنها تستقبل
الكآبة في مشاهد الاضطهاد والخوف
والكذب- موجة من الكآبة وموجة من الحب
المجنون- هكذا تتألق حياتها وهي تنمو
كشجرة برية لا تخاف العطش-
* * *
نبدأ- هذا أول حرف
في لغة لا نعرفها
دادا- ماما- دا- دا
مامابا- دا
سوزان المجنونة تهذي وتغني
عن عربات- عن مذبحة- عن
سجن لطيور الحب وسجن للأطفال-
حقول ذئاب وحقول دخان-
عن ثلج وبقايا إنسان- وبقايا مدن
وبقايا مزروعات.
عشنا ورأينا الدنيا في القرن الثامن
عصر خيول الجمهورية-
عصر المارلبورو
أنت أمير هذا الحزن ونحن الأسرى
في مدن السمك الميت
نحصد قمحاً ونغني
نحصد جرحاً ونغني
نكتشف القبلة صمتا
نكتشف الدنيا-
ما حدث فعلاً هو أننا كنا نسافر شرقاً،
نلتقي في الصباح الباكر ونشرب القهوة،
ثم ننظر إلى عيون المسافرين وأصابعهم،
في طريق النظر إلى المرتفعات البنفسجية،
ومرتفعات رمادية طفيفة كأنها مرسومة بقلم
رصاص- ننتظر أن يطلع منها فرسان
الهنود الحمر الرائعين – في الليل الموسيقى
والكتب- في النهار الخبز والشاي والكتب
- نضيع في المدينة تحت مطر الربيع – لا
نعرف مكاناً – ندخل بوابة ملتوية- نكتشف
صحراء صغيرة- نتفق على عظمة رسوم
ماكس أرنست وكاندنسكي وتنفرد سوزان
النحيفة المجنونة بحبها القديم لماتيس.
برقية حب من سوزان
-الخبز غداً
لو نمنا سنموت طويلاً –
سوزان المجنونة
عطر الصيف الراهن
عطر المرتفعات
وعطر جلود الناس
بكاء الحيوانات المنفية
في عصر المارلبورو
لو نمنا سنموت طويلاً
الطلقة والكأس الشاهد
والجوع مغني العصر
* * *
تسمع سوزان رنين الأجراس فتهذي بقوة
عن الجسور المعلقة والحيوانات الجديدة
وحقول الذرة والحبر- تصرخ سوزان
أن الشجر ما تنمو وطفلاً يصرخ وكفا
منسية تخلع باباً موصداً منذ آلاف السنين
- تمد يدها إلى الأجراس وتهذي- أيتها
الأجراس كوني مجنونة إلى الأبد-
* * *
كان الدرب طويلاً كخطوط في فنجان القهوة
موسيقى ودم وتراب
أجراس رماد القرن الثامن
أجراس رماد
دن دن
دن ن ن ن ن ن ن ن ن ن.


نقلا عن:
أعلى