ثناء درويش - و تذكّرْ.. ثمّ انس ما ذكرت

وتذكَّرْ
أن ماءً سلسبيلاً
في فمِ المحرورِ مُرْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
وابق ماءً لا يبالي
أيَّ فمٍّ اختبرْ
*
وتذكَّرْ
أنك لما انحنيتَ
زادوا شوقًا للركوبْ
ثم انسَ ما ذكرت
وامضِ قامتك نخيلْ
ليس يعنيك رضاهم
أنت في عيني الجميلْ
*
وتذكَّرْ
مرَّة إن سُمِّم بئرْ
ههنا ماءٌ جديدٌ
طهره نارٌ ونورْ
ثم انس ما ذكرتَ
ربما السمُّ يغدو
لنا ترياقَ الصدورْ
*
وتذكَّرْ
أن قلبي من حجرْ
قسوتي نهيٌ وأمرْ
ثم انسَ ما ذكرت
هاهو الماء حبيبي
رحمةً منها تفجَّرْ
*
وتذكَّرْ
أن هذا العمر نهرْ
نحن فيه مثل ماءٍ
ليس مثل الماءِ سرْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
كن بهذا الكون "أنت"
قطرةً تشتاقُ غمرْ
*
وتذكَّرْ
أن هذا الحرف خنجرْ
لو أردتَ
أو هو في الحب دُرْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
غارقًا في قلب صمتٍ
يحتويك مثل سرْ
*
وتذكَّرْ
روعة الطينِ البهيّْ
نافخًا الروح فيه
نورَ معناك الجليّْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
حسبنا ضمةُ وجدٍ
تجعلُ القلبَ خليّْ
*
وتذكَّرْ
أن نورًا للقمرْ
فيه كم يُكتبُ شعرْ
ثم انسَ ما كتبتَ
وجهه المظلمُ يهدمُ
ما هويتَ من صورْ
*
وتذكَّرْ
أن ربًا في السماء
منذ دهرٍ ينتظرْ
فاصلاً خيرًا وشرْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
نِعمَ ربٍّ قد تربَّى
ههنا في القلبِ منك
برعمًا منذ الصغرْ
*
وتذكَّرْ
عمرك دومًا تسطِّر
بجميلاتِ القصصْ
صفحةٌ سوداءُ فيه
لا تمزِّقها بنقصْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
مرةً تحتاجُ حقًا
فعلَ بترٍ أو مقصْ
*
وتذكَّرْ
عقلة الإصبعِ لمَّا
في أقاصيص الدُمى
صار بطلاً
وانتصرْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
لا تفكِّرْ
هل أنا في الكونِ غايةْ
هل سأُروى كحكايةْ
كن فقط حرًا وحرْ
*
وتذكَّرْ
إنما الشعر مخدِّرْ
وخيالٌ من جمالٍ
ليس يشفي من ضررْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
لولا هذا الشعر كنا
ما تحمَّلنا الدُنى
كنا متنا.. لا مفرْ
وغرقنا
في متاهاتِ الفكرْ
*
وتذكَّرْ
صفوَ كاساتِ الشرابْ
قابَ قوسين و أدنى
من شغافِ الاقترابْ
وحضورٌ في الغيابْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
كم مدار فيه درتَ
مثلما رحتَ رجعتَ
وكأن القربَ كان
مثل طيفٍ أو سرابْ
*
وتذكَّرْ
يوم كان
لك قلبٌ من ذهبْ
لم يروهُ
وشروهُ
ثمنًا بخسًا.. وكمْ
ضجُّوا من نبضٍ لحبْ
ثم انسَ ما ذكرتَ
كن بباسك كالحديدْ
قوةً.. تدري تمامًا
ما تريدْ
غايةٌ أنت ودربْ
*
وتذَّكرْ
يا حبيبي أمسنا
"كم عدَونا
كم سبقنا ظلَّنا
كم لهونا
مثل طفلين معًا"
والليالي نيِّراتٌ بالمنى
كم بنينا
من صروحٍ لا تُطالْ
والخيال ربُّ حال ضمَّنا
وحسبنا الدهرَ يومًا
وملوكُ الوقتِ نحن ههنا
ثم انسَ ما ذكرتَ
وامحُ بالحاضر أمسًا
قوَّضت ريحُ الخريفِ
باصفرارٍ صيفنا
كي نكون الكونَ كلًا
ليس فيه أيُّ فرقٍ
أو ضميرٍ
بين أنت وأنا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى