كتاب كامل صلاح عبد العزيز - ديوان: ( بعلامات كثيرة فرحة)

( لكأننى أرثى نفسى )

● لم يكن للشيطان أى دخل

الشيطان فى إجازة
ربما يقضى شتاءه فى بحيرة دافئة
هناك فى البعيد يرى
تفتت العلاقات فى الحيز المكانى
أخذوا أكثر من نصيبهم
ولا يكتفون
الشيطان لم يكن معهم
ولم يكن معنا

ما قيل منهم
سمعناه كثيرا
بعضنا كان يسكت
كى لا يسقط عقله فى الفراغ
وكنا فى حوار
دائما ما ينتهى بشجار
لا مساحة بيننا وبينهم
هم هناك
ما بيننا ليس وقتا فقط
بل قرونا
إذ لا علاقة سوى الحيز
ومفترض بعلاقات محددة
تتيح الحرية والتجول
والمعيشة المشتركة
لهم ما لهم
وعلينا ما علينا

على اعتبار
أن الله يحب الظلام
حيث لا شمس ولا حطب
خلقوا ليلا طويلا
منعوا النيران فى الأقبية والأسواق
غلفوا أعمدة النور بظلام وطلاء
وفوق هذا وضعوا ملصقا على الفم
فى تماثيل الميادين
ستروها بملابس متسخةٍ
عريها كان يؤذى الله
وهم حزبه ونحن حزب الشيطان

برئ
كلما تبرأ منهم عادوا إليه
فى آذاننا
وخطبنا
أفعالهم عكس ما يقولون

برئ تبرأ منهم
ولم يشرك أبدا
وهم بسيوفهم اللامعة وخناجرهم
ينتظرون خارج البيت
أطفالنا فى الخوف بالوا على أنفسهم
كدنا نلعق التراب فى الهواء
وبريق جاف فررنا من المدينة

لأربعين عاما كلما حطت رحالنا
يزدادون قسوة
منعوا الدلاء لنا على حافة البئر
أمسكنا نساءنا فى الخيام
والهواء يلعق دمانا
وكنا بخبزنا الردئ
نقتات العشب وهم
على الثريد والنيران يلعقون أصابعهم
نرى بكاء يسقط من السحاب
ونسمع الأحجار فى قلوبهم
فننهض
لا نوم ولا طعام ولا شربة ماء

يفصلنا السور عن بيضتهم
ويفصلوننا عن نصنا المهزوم
كمامات وجوهنا مستفزة
وفى عيوننا غد يحلم
وهو ليس لهم وليس لنا
ينظر أينا ينتصر
أينا سوف يخطو على السور
يلحق بالصدى
أينا سوف تكون له الفاتحة

● بأعضاء لينة يدخل الحلم

إن سقطت أوراق الخريف لهى سعيدة فلا موتها هباء ولا وقوعها كارثة بل حياة ستأتى عبر فصل آخر وعندما ينزل غابةٌ فى انتظاره وزهرٌ فى يده يتجول وتلقاء البيت تضم الريحُ ركبتها إنه قابض على العمر شغوف بحياة سعيدة . على قدر المسافة القصيرة سنوات ليست بفروع جديدة فقط كلما أقبل الربيع تزداد ولا بأوراق بل بثقل جدران مبنى يأكله الصدأ شئ مشترك أن ينظر السماء والشجرةَ الوحيدة التى تطل على بناء مهدم غير أن الجزع يربطها بذلك المبنى .
ليمامة فرخان فى الأعالى يرقى إليهما وكلما ارتقى تقل المسافة حتى تدخل الأعضاءُ لينة فى الحلم وتخرج مثقلة بالثمر تصبح تعريشة فى الحلم تظل طالما فى الأعالى فرحٌ باليمامات وبالهواء والظلُّ فى الأسفل بستان ورد .
يزهو القمر فى النهر الشئ الذى كان. فى منتصف الرحلة البحر الهائج من عطش الرمال. بائع الفيشار فى تحديد الثمن يوم رمادى. يلعب الأطفال العصافير فى الأفق لليوم الخامس. مراحل الطفولة الهواء يلعب بالدمى بجانبىْ شجرة خروع .
يمضى للخلف لمراحله رائحة الخبز ليست منه إنما من الشاعر تخرج مذ غادر احتفظت به الرائحة أغوته فى الإقامة بين زمنين تتسرب للخبيز مشاهد الأمهات تظل على صورتها القديمة على الفرن الطينى .
رجل فى الخمسين بستان المزرعة يكتب على الهواء . أيها العائدون سيروا على الطريق إدارة المجاعة . لرجل نحيف فى ظلمة الافق كتاب الوقت . المطر قادم شجر يتقطع ربما فى الشارع . بيد مقطوعة لصباح باكر أحلام حجرية .
الحب الذى يكنه للقرية والرغيف والقنوات وأشجار التوت ونباح الكلاب فى الفجر وقبل ذلك دعاء الكروان فى الليل لك الملك يا بيتى الطينى ولى غربة المدينة وغربة الملابس الضيقة فى شوارع مزدحمة بالملل .
يموت الشاعر إن لم يجد من يحبه يبحث الشاعر عمن يحبه يسير الشاعر فى الشارع الذى يحبه يحب الشاعر الشخص الذى يحبه والأشجارَ والطيورَ والحجارةَ يلعب فى جوانب البيت الطينى يسترد ما انتزعه الزمن ويمضى لطفولته البيتُ الطينى .

● سأنزعك من رحم الليل

بخيالات منحطة حين أفاجئك عاريا من ذاتى أنا الذى تَفِلْت فى الطعام وأعطبت الساقية وضربت طفلة الجيران يومها نهرتنى أمى بقنو النخلة فأصررت عن المغيب عن البيت. وعلى افتراض أننى سأدلف إليك من شباك المسقط الواطئ فانتظرينى برائحة الشبق الممض أيا نخلة الجيران سوف أعاود الحدف بالطوب على شباكك ليس أنا الليل وليس أنا النهار ولست المغيب. أنا الهؤلاء الضحايا مسكنى الطين و الموقد وخرافات الفلاحين وحكايات اللصوص فى الجرن وقصة الشبح للعذارى فى الحقول وشيخ الطريقة أنا الماشى بلا ظل ولا صوت ولا جسد فى الظهيرة القاسية. أيا شجرتى ضعينى نصب ثمرك المتدلى من ذاكرة الطفل الكبير إن غاب عاد وإن رحل أقام تحملت هجران طفولتى بين الرحيل والمغيب تحملت اتساخ ملابسى عندما وقعت من أعالى عمرى الممتد.
وجهك فى الخرائط كلما داسته دودة ورق ينهض من رئتى تأكلنى عين الحشرة إذا تذكرت أننى كبرت وهرمت ذكريات تعبث بها الريح ومهما كان وجهك الجميل يتلقفنى فأسقط على حنائك وكفك المدود.
نخلة الجيران تشبه وجه الحبيبة أخطو إليها وتخطو إلى أنا خيال المآتة صديق العصافير ومربط الغربان ومقصد الثيران وقبلتى المدافن فى (أم زيدان) ولى بيت أجمله بعمر جديد ككل يوم .

● ثرثرة فى قبر مفتوح

تلك التى دخلت قبرها وأقامت
علمتنى أن الحياة حلم وينتهى
عليك أن تبنى بيتا ثم مقبرة
هنا نعيش وهنا نعيش
وبيننا هواء يمر
إذا انقطع انتقلنا
علمتنى حياتين بينهما مأكل ومشرب وزوجات وأولاد وقالت بلا صوت : ليس لك فى الأمر شئ وأنا اسمع أغنية الليل فاض بى الحنين أنا مزرعة البكاء وخلطة الصلصال وآدم فى التيه.
كل خيالاتى لاترقى لهذا الضوء المتسرب فى غالب الأحيان يقينى أن تلك القباب كانت أشخاصا تحولوا إما معزين أو متوفين أو سارقى قبور.
بفعل الريح أم بفعل البشر التعرجات فى طرق السير وأشجار الجازورينا على حافتها حرس ملكى والصبار دمع فى مداخلها وفتحاتها.
ولو تثنى زيارة بقعة للجنة أهرب من ملل الحياة حيث يستريح الناس أكنس مرقدى الطينى كأمنية رازحة على القلب وأنام فيه.
الخروج من الدنيا يتطلب وقتا إذا طلبته ابتعد وإذا ابتعدت يقترب عليك فى الحالتين انجاز مهمة واحدة ألا تعجل بالولوج.
ساعتك لاتعرف الوقت ولا أنا والخروج من الدنيا ليس بخروج إنما لدخول العالم الأوسع.
قالت دنياك لا دنيا هنا الدنيا كبشت حفنة من رمل نثرتها وأعدت مرقدها ونامت .

● لمن يقدمون أنفسهم

تطبق السماء عينيها لمن يقدمون أنفسهم للموت إما أن يكونوا عرايا أو مجرد خيال تتغير صورهم وهيئاتهم التى تعلق فى الذاكرة كأنهم لا يستسيغون محبة وإذا كانوا حالمين يقتلون أنفسهم ويقتلوننا والموت لا أين ولا كيف ربما بعد أن يهمس الموت يتركنا للكراهية وهى موت مؤجل وصامت مثلما ينعكس النهار من وجهها وعينيها اللتين أنارتا قلبى.
عند انتحار شخص كيف لا يرى كل ذلك الجمال كم لامست يدها يدى حتى أن أسماءنا تتبدل كشئ منعكس على وجه ماء هكذا عليك وحدك أن ترى الليلة هذه الظلال وهى تغيب فى ظلام يرعى أيامنا ومهما أشرقت يكون الليل سيدا طالما الأرض تحضن قاتلين وخونة
كم يأكل قلوبنا ذلك الانحطاط
وكم يجعلنا لا شئ حتى وإن كاد يظهر الأمل فى خيالاتنا أو نصنعه.
ادخل لمشرحة الجثث فى عقلى المهترئ ستخرج تقريبا بلا عقل كيف لى كل تلك الدعة فى العالم الشرس.
الحروب والمجاعات والأوبئة. لا إنسانية.
بداخل كل منا غابات محترقة ومع ذلك قريبا ستومض أنت مثلا تتذكر لونها المفضل هو الأخضر وأن ملبسها الشفاف كان أحمر كدم البرقوق وأن شعرها حرير كسواد هذا الليل فاحم بلا نجمة واحدة تتهدل على جبينها أمسكتُه مرة أعنى هذا الليل المنسدل بالكاد استعدت يدى لكننى ضعت فى متاهاتها لم أعد مطلقا وها أنا أبحث عنى .
شعرها الليل أم الليل شعرها .
أينا يغتسل فى مياهها أيها الموت أينا يدرك أن ماءها من مائى وأننى التراب الذى يغسل قدميها كل صبح.

● الزهرات التى نمت على ملابسها

لابد من مطر يزورها
فى غابة الزهر هذه كانت يدى
بعيدة بعيدة حتى جذورها
تسلقت أشجارا فى الداخل
ووجدت سحابات
أوقفتها
وعلى نهر ممتد صارت قبرا

القباب العالية تنحنى لمولود جديد أعنى لميت كمولود جديد لا أعنى شيئا على الإطلاق لا معنى سوى أن الكلام يخرج بلا معنى لا نعرف كيف نحزن أو كيف ينطلق الحزن بيننا نحن أحبابه الماشين معه فى غبشة الفجر.
لم يكن سوى غراب واحد ينتظرنا كنا على موعد بالأمس علمنى كيف ندفن موتانا كان غرابا وحيدا عندما طار كنا قد انتهينا.
فى سيل الدم تكونين أكثر بركة أيتها الأرض حولك المزارع والحقول والمرابطون والسماء كعادتها لا شئ سوى أن سحابات مرت من داخلنا ولآخر أيام العمر فى منتصف الطريق غابت الشمس الزانية والقمر الزانى.

● دخول إلى قبر

يمكنك أن تختفى داخل وردة
دون أن تجرح الوردة
بل يمكنك أن تقتل عصفورا
دون أن تجرحه
فقط عليك أن تدخل ذلك القبر
تتمدد فيه
ستدهش الوردة ويموت العصفور
ومع ذلك هذه المقابر مشحونة
بأموات ليسوا بأموات
وكلما زرتها تنهض وتجلس وتتكلم

أى يأس فى داخلنا يهرب
يظل يهرب
والأسى تلك المائدة التى أكلنا عليها سابقا
تحطمت
تظل اسراب النمل عالقة
والحلفاء فى الجوانب غافية
وأظل هكذا أنظر لوجهها
أقبل الهواء الذى يقبلها
سنوات وأنا على هذه الحال

أنظر المقرنصات والشواهد
ورودا حمراء
أرتاح بعض الوقت وأعود
يتمدد الوقت على سريرى
وأقرأ يا أيتها النفس
أكون راضيا عن نفسى
وهى أمامى تعد لى الشاى
تمتلئ الحجرة بعصافيرها الخضراء
أفتح مشاهدى القديمة
تحدثنى أشجارها وتقول لى
يا عبد هناك مثل هنا أنظر
أجد السماء مفتوحة
والوقت كما هو
وأنام

● سأرثيك الآن

لأنك الوحيد
الذى اختار قبره
وربما يختار الوقت أيضا
ألست ذلك الطيف
مر على الجسد النائم
وأعطاه البشارة
سأرثى نفسى إذن
لأتذكر أن هناك موتا تهيأتُ له
ومن ثم تلك المياه دافئة
وكفن أبيض بيدك
أنت طيفى حين مررت
بقطع ذهبية
كنتُ مستعدا
سأركب القارب ولن أعود
*
لك فى المدينة صوت صارخ
وكأس ينتظر
وبضع حبيبات أيقظن الزهر
لكأن نسغه فى يدى
لكأن حبيباتك حبيباتى
أراهنّ وردا ما إن شربتُ
حتى سرنى النوم
فغبت فيه ولم استيقظ
*
لا بأس أن يزورنا
من هام فى المحبة
أيها التائهون هنا الغاية
هنا من تطاولت الأشجار من أجله
ومن أجلها تنبت زهرات ملابسنا
لا بأس من بعض الراحة
وقراءة الفاتحة
*
على قبر فارغ من ساكنيه
وقفنا
فى أى اتجاه كان رأسى
*
وعلى جنبها اضجعت
كانت ترى شرفات وغلالات بيضاء
ومن أجلها نبتت زهرة


● الدائم والأبدى

حين تكون فى حديقة وتلك السحابات تمر النفس مشغولة بك ومع ذلك لابد أن تأخذ بالك مما حولك غالبا ما تخرج البهجة حينما تأتلف بك وتتعانق روحها لستَ ناقما لأنه لا وداع ولا فرقة معك هى كل تلك المظاهر هى الأشجار والمطر أنت شمسها وهى قمرك.
الدائم والأبدى الشعور بالرضا ليس هناك ولا هنا وليس أنا وأنت يتعطل نوع تلك العلاقات يختفى المجاز وتصبح الحقيقة الواضحة دنيا غير الدنيا حدائق كثيرة فى حديقة واحدة هى ما لا يشغل الناس لكأننى فى نهاية العمر أبدأ.
الدائم والأبدى أن يتجمع العالم فى كفك وما تريده يكون رغم أنك لا تشتهى شيئا أنت تتصور بفرشاة أو بكلمات لا بل بمجرد نظرة إليها وإحساس بأنك لا تكتب شعرا إنما تكتب سيرة حياة خطت خطواتها الأولى على هذا الكوكب.

● بعلامات كثيرة فرحة

يقودنى الطريق أنا لا أعرف قبرها بعد كل تلك السنوات زيارة قبر فى قلبك لا تعنى أن قبرا به بل جنان كثيرة وحدائق غناء الطريق كشخص له معزين يقف ويتقبل ما نقول.
كأى علاقة تفشل علاقتنا بالحياة وتفشل دائما لأن نهايتها الموت ولكن تظل الذكريات صامدة لأبعد مدى لآخر هواء يدخل أو آخر هواء يخرج.
تأخرت عن حزنى والآن أخاف أن يتأخر الحزن عنى ما الذى أقوله عندما تقابلنى عندما تبتسم لى ثانية وتأخذ بيدى مشيت عمرى حافيا من عمرى والآن بعلامات كثيرة فرحة كتلك التى انتقلت من يدها ليدى ومن عينيها إلى عينى كانت تسكننى وكنت أمشى بها فرحا أنا قبرها المتحرك.
وليست بحياة تلك التى لا تستطيع بها أن تذكر الموتى على الرغم من أنهم معك طوال الوقت أذكُرهم لمن لا موتى لهم لمن قلوبهم خاوية ليست ماء وليست حجرا إنهم من يتذوقون بألسنتنا ويتكلمون على الرغم منا معكم.
هل تعدوننى بأننى إذا ذهبت أن تتذكروننى بضع لحظات أنا الرجل الصامت كقبر والذى عاش بينكم دون أن تشعروا أنه ميت أو حى فى الذهاب إليها لا بكاء بل الرضا كل الرضا.
*
السماء سوف تمطر
سوف تلعق الغبار
تبقى دواماتٌ صغيراتٌ
تفككها الريح
وتندى
لا صباح غير وجهك

للنور إذ يتطلع من عين ماء
بهجة للروح وحطبا فى الموقد
كلما طلع تبقى الحياة
معلقة تنظر
هل يبقى
أم يرحل

وللكائنات نظرة
تعنى حياة بكاملها
الشجر إذ يخضر
كافور وجازورينا تتعانق
والخلاء بضجيجه الصامت
وشجيرات التوت
الكل متلامس متعانق
والضوء يشهد

كلنا ظل للشمس
للنور
حجر
يبتسم لجالس
عشب
يرف فى هواء منعم
وقنوات تهمس يا ألله
أمنا الطبيعة حانية

دوران الأفق وتقوسه
حصننا
يمر السحاب ويسقط بضع قطرات
من عطرك
من نزوح الأشعة وانثيالاتها

*

لم أكن كلى
آذانا صاغية كل الوقت
كنت مشغولا
لذا لا أسمع جيدا
النصائحَ
دربتُ نفسى على تدميرها
وسأفعل ما أريد

كلما مرت نصحتنى
أن لا أحب
حمامة تبحث عن أليف
تشْرد فى الصباح
وتعود فى المساء
منهكة
تحط على كفى باكية
صنعت لها عشا
لم تألفه
ماتت على كفى
فبكيت

أغوتنى ثم رحلتْ
لم تعد ولم أرها
فى موت الحمامة عرفتُ
كيف يقتل الحبُّ
الأليفَ
كيف الأليفُ يقتله الحبُّ
فى ( طوق الحمامة )
كانت إجابة :
لا تحب
فتنجو

فى خلاء العش
رأيت حمامتين
رأيت بيضتين
ثم
فرخين
الفرخان طيفان ينقران
بكفى
هل هذا هو الألم
هل القلب فى الكف
أم الكف فى القلب

*

صفعة الحب
فى الفراق
لا يقتلها الوقت

الوقت يقتلنا
ويبقى أثرها
ما بعد الرحيل

أسمع الآن صفعة
من ألف عام
أجد على خدى تلا
ينهمرُ

قالت : لستَ لى
قلت : أنا لكِ
تحققت المقولات فصرت وحدى
أحضن الغيم
يحضننى الغيم
ونبكى

ذلك المطر دمعى
تلك العاصفة أنفاسى
ذلك النهر يتحول
فى اتجاهها
حيث لا اتجاه
حيث الحلم الذى لا يأتى

يختصنى الألم
من شروق الشمس لغروبها
من غروب الشمس لشروقها
روحه فى روحى
ويده على قلبى

● فى المقبرة الريفية

كل تلك الورود
نمت من تلقاء نفسها
الطيور
وأبناء آوى
على وليمة المحبة
للمقيمين الجنائز
ولها الضحكات الباذخة
على قبرها تركت أعضائى

عشرون عاما فى الذهول
لم أعرفنى
عندما أعطتنى عضوا
بدأت فى الإفاقة
بدأت اسمع الحروف
ب ب ب ب ب ب
ا
ا
ا
ا
ا
بدأت أعى
بنات آوى
عرّفننى النطق والكلام
يا للحلم الجميل
ب ب ب ب ب ب
ا
ا
ا
ا
ا
جميل هو الموت فى الحلم
*
جميل هو الموت فى الحلم
معها
لا موت
معها غابات الكون
وأشجار النجوم
معها لا أحد غيرى

تمتمات لأسرار الحروف
استقامة الألف
وطبق الباء
والنقطة السائبة
كمربع العمل السحرى
طقوس الأمنيات تحمل الأحياء
لا أحد غيرى فى مربعها
و حروفها تحملنى لأعلى

فى المقبرة الريفية
ثلاثة أشجار
نمتُ فصحا الموتى
صحوتُ فناموا
ثلاثة أشجار بيديها
أعطتنى ثلاثة أعضاء
جالست الموتى
عهد تحت الشجرات = قلب
الألف الساكن = عين
الباء = رمز فى التربيع
ثلاثة أشجار = ثلاثة أعضاء
إسمى الكامل

*

يا أيتها النفس
روحى بيديك فلا ترجعينى
ولا تتركينى
الناس عن شمالى تائهون
والناس عن يمينى
لاحزن عندك
بل الأشجار والمراعى والخبز
فى فرن الشمس
و البهائم على أوتادها
وخلايا نحل فى حقول القطن
واتساع المقابر
مدى موائد محبتك
لى
اشملينى بعطفك
تنبت الغابات فى كفى
يستقيم العالم
لى
وانثرينى فيض نور
فى محبتك

● لك إطلالة البكاء

أنا الكلس بين أحجارك
أنا الماء فى وجودك
يتشعب فى القنوات
ويعطى اليتامى
وبقدر ما تزاور الشمس عنكِ
أدخل المدينة حافيا يتبعنى
أبتاع لى نعلا وأملأ سلتى

ولك فم الصباح فى حنجرته
أهو ما تركتِه أمام بيتك
كلما أمسكت يدك شدنى
والآن أنا وهو يتيمان فى البكاء
أنا وهو ننتظر صحوك
ننتظر الشمس الحانية
سنجلس سويا تحت شجرة الغياب
وهو ثالثنا

الآن يفرد ذراعيه
ما لم يكن تلك النهاية
وأنتِ فى الغياب تقيمين
وهو الصامت على بابك
لا يكبر ولا يشيخ
الآن كيف للمطر أن يعرف
والسحب أن تسير
والهواء إذ يدلف بينى وبينه

على بابى
زرعت شجرة
واكتفيت بحزنين عن يمينى وشمالى
وكلما وضعت يدى فى السلة
أجد أحزانا كثيرة تغمرنى

● بعد شارعين أو ثلاث شوارع

أجد نفسى تائها
كلما مررت فى شارعها
لا أعرف البيت
ذلك البيت يمد يده فأعرفه
الآن لا يد له

الشوارع الثلاث لا تعى
كما أننى لا أعى
كيف فى الذهول لا نود التعارف
من جديد

تهت فى الشوارع التى رسمتها
على ورقة
تحدرت غيمة الاسى
مرارة فى النهر مرت على مهل
وعندما نزلت توضأت بالهجران

التائهون فى محبتهم تائهون فى الشوارع
أيضا لا يرون غير أنفسهم
مجاذيب لما لا نراه
ليس حبا فقط وضعوا عقولهم بعيدا
وأيضا عيونهم

والشوارع كما هى
لا ترشدنا ولا تستجيب
أين بيتها
أين أيتها الشوارع

*

ترجع للخلف كسيارة
تلتقط أنفاسك
كل ذلك يجعلك مستعدا
لأن تقتل ذكرياتك
أن تدوسها بعجلاتك البطيئة
لا تنظر جثتها
على أرضك الرخوة
وتنزلق منها الى
بحر الحضور
كى تكون بهيا
هذه الذكريات بشر يسيرون
أنت تدوسهم
وتقتلهم
كل يوم
وهم يقتلونك بتكرار
لأنهم عادة ينجحون فى النجاة
كل مرة

*

تحضر من بداية الصحو
تظل تشغلك
بآلية تتحرك
كمن تمسك بيدك للمهوى
أنت العالق
فى المسافة القصيرة بين نهديها
وهى تضع ( بكها )
كأمانة لديك
وعند النوم تظل حارسا
على كل شئ
*
وعلى ذلك
يوجد فى الغياب شئ
تفتقده كلما حضر
صراخ زهرة لا تحب القطع
حنين ظبى فى غابة بعيدة
على جبل الوحدة تتسلق
نوارس من الشوق
بمخلب الهجر كان قلبى
مساحة واسعة من الحزن
لا يتسع العالم له
ذلك هو الغياب
بلا مبرر ولا مطر

● فى أحيان أخرى

يفجؤك الليل وأنت تعبث بأعضائها
تستنزفك كحلم أو رواية ك ( عالم صوفى )
من الكهف إلى القمر
وتظل بين يديها طفلا
تتأرجح
بالقطع لن تعى أنك فى آخر الرواية
مجرد كلمة على الغلاف
إذن
ستعيد القراءة مرات ومرات
وبينما كنتُ منهكا
كانت صوفى تغيب فى البحيرة
*
أنت كقارة منفصلة
تعلم أن المحيط عميق كعينيها
ومع ذلك لاترى
أنها ليست زرقاء
*
لست بحجم تاريخ
ولا جغرافيا
بل أكبر من نجم
تلعب به سنوات ضوئية
هى سنتيمترات فى الحلم
تبلع ضجيج مدينة
وضوضاء غابة
وقلب عصفور
تحمل لها شنطة الخضار
تصعد سلمها فى الليل
تحظى بقبلة وحيدة على يدها
وتصحو
*
أعمال عادية
كوب شاى
سيجارة
تحايا مباركات فى الشارع
تسير مع أصحابها
يوم عادى وأناس عاديون
يلزمك فقط
أن يزورك النوم

● المشكلة ذاتها فى كل مرة

يطلع نخلة الجيران يعود مبطوحا
ومع ذلك يصر
بعد أسبوع واحد فقط يعاود المحاولة
والمشكلة ذاتها فى كل مرة تتكرر.

بدلا من رأسه عصب قدمه
بقطعة من ملابس أمه
ولأجل ذلك سالت دماء كثيرة
من البيت حتى جذر النخلة
إلى منتصفها تقريبا فنبتت ورود كثيرة
قطفت أمه الورود ووضعتها على المائدة
كانت تعرف دماء ابنها
وتظل الزهور ممتنة
لأنها فى أخر اليوم ستنام فى كيس الوسادة.

تسلق أخيرا للسطح وقطف نجمة
جاءت ورود الوسادة على سجادة الدماء
أصبحت نقشا فى السماء
حتى أن
ورودا من ألحفة الجيران صارت نخلا
مثل واحة على خريطة.

فى اليوم التالى
السؤال المنطقى فى حصة الجغرافيا
أين ينبت النخيل؟
عند بيت الجيران .
أين تظهر النجوم ؟
فوق بيت الجيران .
لماذا ؟
لأن زهورا كثيرة تنبت هناك.

● قبلة العصفور

تخرج على هيئة قلب
تلك الإشارة لمحبة بيننا
وأظن أن سلكا لا مرئيا يربطنى
فأغادر جسدى
أمد يدى تصافحها وتعود

أرسلت لها كلمة (يا حبى)
غضبت
مسحتُها وأرسلت لها عدة ورود حمراء
فرحتْ
وأرسلتْ قلوبا كثيرة حمراء

غضبتْ عندما قلتُ لها ( أحبك )
تريد ورودا وقلوبا وعلامات
تعجبها الصور ولا تعجبها الكلمات
كثيرا ما يعتريها الخجل
لأن
الكلمات صوت
والصورة خيال
الكلمات فضائح
والصورة موسيقى

يااااااااااه انقطع التيار

● الشاعر

ماذا يفعل الشاعر فى هذا العالم
يجلس بعيدا ويحلم
لماذا يحلم الشاعر فى هذا العالم
لكى يصبح تاجرا فى عدن
ماذا يبيع الشاعر فى عدن
السلاح للقبائل

ماذا تفعل القبيلة
تقتل القبائل الأخرى
ماذا يفعل شعراؤها
يحلمون بتاجر السلاح
الذى كان شاعرا

الفوسبكيون ماذا يعملون
يهنؤون بالجمعة المباركة
ويحلمون
بجمهورية اللايكات

ماذا تريد أيها الطفل
أريد باربى
ماذا تريدين يا سيدتى
أريد أحمر شفاه
ماذا تريد يا أخى
لا أريدك


========

هوامش
* كان لى خالة ابتنت قبرا عندما فرشته رملا دخلت فيه وتمددت وقالت لأمى يانور أليست الإقامة فيه راحة بعد أسبوع توفيت ودفنت فى ذلك القبر رحمة الله عليها .
* (أم زيدان) مقابر بقرية بنى عامر - الزقازيق



======

المحتوى

(1) لم يكن للشيطان أى دخل
(2) سأنزعك من رحم الليل
(3) ثرثرة فى قبر مفتوح
(4) لمن يقدمون أنفسهم
(5) الزهرات التى نمت على ملابسها
(6) دخول إلى قبر
(7) سأرثيك الآن
(8) الدائم والأبدى
(9) بعلامات كثيرة فرحة
(10) فى المقبرة الريفية
(11) لك إطلالة البكاء
(12) بعد شارعين أو ثلاث شوارع
(13) فى أحيان أخرى
(14) المشكلة ذاتها فى كل مرة
(15) قبلة العصفور
(16) الشاعر

صلاح عبد العزيز
الزقازيق
يناير - فبراير ٢٠٢٠
14

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى