طلعت رضوان - دور الفن التشكيلى فى النهضة الفكرية

دور الفن التشكيلى فى النهضة الفكرية
طلعت رضوان
هل كان الفنانون الذين أبدعوا فى مجالىْ الرسم والنحت، بمعزل عن مجمل الحركة الثقافية والفكرية فى مصر قبل يوليو1952؟ هذا السؤال أجابتْ عنه الكتب التى أرّختْ لحركة الفن التشكيلى فى مصر. ولعله من الأمور الملفتة للنظر أنّ النهضة التى شهدتها مصر منذ نهاية القرن التاسع عشر ، كانت نهضة شملت كافة مناحى الحياة السياسية والفكرية والأدبية ، ولذلك لم تكن مصادفة أنْ يتواكب مع تلك النهضة بزوغ حركة الفن التشكيلى .
من الكتب المهمة التى أرّخت لحركة الفن التشكيلى فى مصر، كتاب (فجر التصوير المصرى الحديث) تأليف الفنان والناقد الكبيرعزالدين نجيب الصادرعن دار المستقبل العربى – عام 1985. ولكى يتناول بدايات الفن التشكيلى فى مصر، فى العصر الحديث، وهو ما أطلق عليه (فجر التصوير المصرى الحديث) فإنّ المؤلف كان موفقــًا عندما بدأ كتابه ب (مدخل) ركــّـز فيه على (صورة مصر الحضارية) فى تلك الفترة الزمنية التى بدأتْ فيها مصر تــُـزيل عن عقلها غبار الإحتلال الاستيطانى من قِبل شعوب مختلفة الجنسيات، وتوقف بشكل خاص عند الغزو العثمانى على مصر، فكتب ((رحتُ أبحث عن الوعى المفقود لأمة نسيها الزمن أربعة قرون حالكة. فقدتْ فيها هويتها أو كادت. وانقطع فيها إتصالها بحضارتها العريــقة. وليس مصادفة أنْ يظهر أول جيل من الفنانين فى مصر الحديثة مع بزوغ جيـــــل التنوير. وتصاعد المد الوطنى والإبداعى، فقد كان كل ذلك متوقفــًا على اكتشاف أمة لذاتها وإمكاناتها )) (دار المستقبل العربى- عام 1985- ص 7)
فى الفصل الأول (ومضات فى الظلام) وتحت عنوان جانبى ( أهل الكهف ) كتب (( لم تشهد روح مصر الخلاقة فى تاريخها الوسيط تعقيمًا داميًا كالذى شهدته عام 1517 على يد الغازى العثمانى ، حين اقتلع صفوة فنانيها وعلمائها وصناعها المهرة من جذورهم الضاربة فى الإبداع . وشحنهم إلى إسطنبول كغنائم حرب ، ليصنعوا لها وجهًا جميلا مستعارًا . ويروى لنا ابن إياس أنّ عددهم بلغ ألفــًـا وثمانمائة. وأنّ مصر بسبب ذ لك بطــَـل منها خمسون صنعة)) وقد ترتّب على الإحتلال العثمانى ، وفق شهادة الناقد الكبير بدرالدين أبو غازى (( تدهور فنون النسيج والتطريز ونقوش النحاس . كما اختفى فن التصوير الجدارى الذى عُرف فى العصر المملوكى )) (ص 12 ، 13)
وعن تأثير الحملة الفرنسية على مصر كتب الفنان عزالدين نجيب أنّ نابليون جاء معـــــه ((بعض أفذاذ الثقافة الفرنسية ، أمثال ( مونج ) مساعد العالم العظيم ( لافوازيه ) فضلا عن الشعراء والموسيقيين والأثريين وفنانين أمثال ( دنيوى ) مدير متحف اللوفر ( ص 15 ) وركــّـز المؤلف بعد ذلك على دور محمد على والخديوى إسماعيل فى تحديث الدولة المصرية. وهو الدور الذى أحدث أثره فى (( استقطاب الفنانين الأجانب ومنهم مشاهير الفن الفرنسى ، حيث أصبح لهم حى خاص انتشرتْ فيه مراسمهم هو حى ( الخرنفش ) بالجمالية ، أما اللوحات التى رسمها الفرنسيون فهى ((وثائق تاريخية ومرجع للكتاب الذين اهتموا بوصف الحياة فى مصر فى تلك الحقبة )) (ص 19)
وعن هذه الفترة التى شهدتْ انعتاق مصر من عصور الظلمات ، نقل المؤلف كلمات الشيخ محمد عبده (الكلمات التى لايعترف بها شيوخ الحاضر) حيث قال (( إنّ الراسم قد رسم . والفائدة محققة لا نزاع فيها . ومعنى العبادة وتعظيم التمثال أو الصورة قد مُحى من الأذهان )) (ص23) ويتوقف المؤلف عند عام 1891 بصفة خاصة (( فقد شهد هذا العام حدثيْن بارزيْن : أولهما ميلاد رائديْن من رواد الفن فى مصر الحديثة هما : محمود مختار ، ويوسف كامل . والحدث الثانى هو إقامة أول معرض فى مصر أو أول صالون للفن ، افتتحه فى دار الأوبرا الخديوى بنفسه ))
أما عام 1908 فهو عام البداية الحقيقية لولادة الجيل الأول من رواد الفن التشكيلى المصرى ، حيث تم افتتاح مدرسة الفنون التى أنشأها الأمير يوسف كمال ، بعد أنْ استجاب لنصيحة صديقه المثّال الفرنسى ( جيوم لابلان ) وعن قصة إنشاء هذه المدرسة ذكر المؤلف أنّ عددًا كبيرًا من المثقفين المصريين رفضوا فكرة إنشاء مدرسة للفنون ، بينما تحمّس لها الأمير يوسف كمال ((ومن المؤكد أنها كانت مفاجأة مذهلة للذين رفضوا الفكرة – بزعم عدم وجود مواهب فنية موروثة فى الشعب المصرى – عندما تقـدّم للامتحان بالمدرسة بعد افتتاحها فــــــى 12/ 5 / 1908 بدرب الجماميز ، مائة وسبعون طالبـًا فى شهر واحد . وكان الطالب رقم واحد هو محمود مختار، إذْ التحق بها فى اليوم التالى لافتتاحها . وكان بينهم معظم الكبار الذين شكــّـلوا فيما بعد أعمدة الحركة الفنية ))
ووصل إيمان الأمير يوسف كمال برسالة الفنون الجميلة إلى درجة تحمل نفقات المدرســـــة ((حتى تحوّلتْ إلى مدرسة عليا . ولننظر إلى المبالغ والعقارات التى أوقفها عليها : ففى عـــــام 1909 أوقف عشرة آلاف جنيه ذهبًا لبناء المدرسة. وفى عام 1911 أوقف عمارة كبيرة بشارع توفيق بالإسكندرية ، وأراضى زراعية بسمالوط قيمتها ستين ألف جنيه ( وقت أنْ كان الجنيه المصرى أغلى من الإسترلينى ) للصرف منها على المدرسة ، على ألاّ يزيد عدد الطلبة عن 150 طالـبًا ( وهذا يعنى أنّ الإقبال عليها كان شديدًا ) وفى عام 1927 تغيّرت الوقفية واستبدلت للصرف على إيفاد الأول والثانى من خريجى كل قسم إلى فرنسا أو إيطاليا لمدة ثلاث سنوات أو حسب ما تراه الوزارة فى مصلحة الطالب ، على أنْ يكون مصريًا . وفى الوقت نفسه أُستبدل الوقف الخاص ببناء المدرسة بعد وفاته إلى 24 ألف جنيه ذهبًا فى أرضه الخاصة بدرب الجماميز)) (من ص 24 – 26)
فى عام 1911 يتم تخريج الدفعة الأولى من رواد الفن التشكيلى . وفى العام التالى يسافر محمود مختار إلى باريس فى بعثة على نفقة الأمير يوسف كمال . وبعد سنوات قليلة من إقامته فى باريس ، فإنّ محمود مختار يشد انتباه الفنانين فى أوروبا . وعن هذا الفنان الكبير الذى أعاد أمجاد أجدادنا المصريين القدماء ، كتب المؤلف (( أصبح البريق الخاطف لنجاح مختار فى أوروبا نداءً مستمرًا لا يقاوم لبقية زملائه بما حملته إليهم الأنباء من حصوله على الميدالية الذهبية فى صالونها الكبير عن مشروع تمثاله نهضة مصر)) وفى عام 1925 يوافق البرلمان المصرى على اعتماد ميزانية سنوية قيمتها 12 ألف جنيه لإرسال بعثات إلى الخارج ، مما أتاح لوزارة المعارف إيفاد بعثة للفنون الجميلة إلى روما ، أُختير لها يوسف كامل وراغب عيّاد ومحمد حسن وأُرسل أحمد صبرى إلى فرنسا (ص 32 ، 33)
من بين الروّاد الذين لم يدخلوا مدرسة الفنون ، يبرز الفنان محمد ناجى الذى أرسلته أسرته الموسرة إلى فرنسا لدراسة القانون . وبعد أنْ حصل على ليسانس القانون عام 1910 رفرفتْ فى وجدانه أجنحة الفن ((وكانت قضيته أنْ يجعل من استيعابه للفن الأوروبى فى نهاية القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، مدخلا لفهم فن بلاده القومى وقوانينه الجمالية، وصولا إلى تحقيق أسلوب متميز يجمع بين الأصالة والعصرية، ويخترق به العزلة المضروبة على الفنان عن مجتمعه، ليـُـعيد إليه مكانته كما كان فى مصرالفرعونية. وظلّ يحلم بأنْ يُحقق فنــًـا عصريًا صرحيًا خالدًا ذا شخصية مصرية صميمة)) وقد ترجم ناجى تأثره بالفن المصرى القديم فى عدد من الأعمال الفنية، مثل لوحته الشهيرة ( النهضة المصرية ) ومجموعة لوحاته عن (إيزيس وأوزيريس) التى عرضها فى معرض باريس الدولى عام 1937 (ص33 ،67)
وعن تأثر هذا الجيل بالفن المصرى القديم فإنّ الفنان حامد ندا (( اختار البحث فى لغة الرموز الجنسية المجردة . وفى جماليات لغة تشكيلية جديدة مستلهمًا أشكال الفن المصرى القديم تارة والفنون الزنجية والبدائية تارة أخرى)) (ص 88)
وعن الفنان محمود سعيد كتب المؤلف ((... إنّ هذا الهيكل المعبدى المكين الذى صنعه محمود سعيد ، كان مدخلا إلى عالم يزخر بالسحر ويموج بالرؤى الأسطورية. ويحمل نكهة غريبة متميزة لا تشبه غيرها من رؤى الأقدمين أو المحدثين . وقد ساعد فى هذه الخصوصية تلك الروح المصرية الصميمة التى استقى منها عناصره التى تُذكّرنا بها فنون النحت والتصوير والعمارة المصرية القديمة )) (ص 59)
والفنان عزالدين نجيب لم يكتف فى كتابه عن فجر التصوير المصرى الحديث ، بتحليل أعمال الفنانين الذين تناولهم ، أمثال أحمد صبرى ، يوسف كامل ، راغب عيّاد ، سيف وأدهم وانلى ، حامد عبدالله ، صلاح طاهر، حسين بيكار، حامد عويس ، عبدالهادى الجزار، إنجى أفلاطون إلخ ، وإنما تعرّض للظروف الاجتماعية والسياسية التى أبدعوا أعمالهم فى مناخها . وأيضًا لظروفهم الشخصية. وألحق بكتابه عدد 78 صورة (معظمها بالألوان الطبيعية) للوحات عدد من الفنانين . وكذلك ألحق فى نهاية الكتاب بابـًـا تحت عنوان ( التواريخ ) وبه تواريخ ميلاد الفنانين وتواريخ بعض الأحداث المهمة المرتبطة بالفن التشكيلى المصرى .
وعن هذا الكتاب المهم كتب الناقد الكبير بدرالدين أبو غازى فى تقديمه (( لقد وُفق الأستاذ عزالدين نجيب فى تناول موضوعه. واستطاع بامتلاكه لغة التعبير ورؤية الفنان ، أنْ يقدم بحثــًـا ممتازًا فى بنائه العام . وإذا كان الكاتب قد مرّ بالمرحلة الوسطى من ( الفجر ) مرورًا سريعًا واكتفى بالإشارة العاجلة إلى بعض أعلام تلك المرحلة ، فذلك لأنه أراد التركيز على ملامح أساسية فى تلك الحقبة. وأدار بحثه حول استقصاء ظاهرة ( الشخصية المصرية ) عند جيل الرواد . ثم التيارات الجديدة التى يُمثلها جيل التمرد ))
*****
ومن الكتب المهمة أيضًا التى تناولتْ حركة الفن التشكيلى فى مصر قبل يوليو 1952 كتاب الناقد الأستاذ سمير غريب ( صفحات من تاريخ الفن التشكيلى ) الصادر عن هيئة الكتاب المصرية – مكتبة الأسرة عام 1997. ورغم أنّ مادة هذا الكتاب عن الفن التشكيلى المصرى ، فإنه بمثابة ترجمة حقيقية لأحد المحاور التى شكــّـلتْ أعمدة النهضة المصرية.
فى الصفحات الأولى يفاجىء المؤلف القارىء بمعلومة غاية فى الأهمية عن القدرات العقلية للشخصية المصرية ، إذْ أنه فى عام 1922 نشر ( أحمد يوسف أحمد ) كتابه ( الفنون الجميلة قديمًا وحديثــًـا ) والمفاجأة أنّ أحمد يوسف هذا كان عمره ثمانية عشر عامًا عندما نشر كتابه. وبهذا يعتبر أصغر مؤرخ فنى، ربما فى تاريخ العالم. بل إنه رغم صغر سنه، وضع على غلاف الكتاب العبارة التالية : (( الفنون الجميلة عنوان مجد الأمة )) (ص 20) وتناول ( أحمد يوسف ) فى كتابه الفنانين والنقاد : محمد ناجى ، محمد حسن ، على الأهوانى ، يوسف كامل ، راغب عياد ، على حسن وأحمد صبرى وآخرين . ويرى أ. سمير غريب أنّ كتاب أحمد يوسف أميل إلى كتاب توثيقى عن الفنون الجميلة، وليس كتابـًـا يؤرخ لها (ص 27) كذلك يتبين أنّ هذا المؤلف الصغير كان على دراية بحركة الفن العالمى ، يتضح ذلك من كتابته عن الفنانين : روفائيل ودافينشى . وما أورده عن المصور ( جاك ديفيد ) الذى رسم صورة لحصان يخرج الزبد من فمه. فمرّ به سائس خيل وانتقد الصورة قائلا : (( أنّ الحصان لا يزبد إلاّ إذا كان ملجمًا ولم يكن الحصان فى الصورة كذلك ))
بل إنّ هذا المؤلف الصغير ( 18 سنة ) كتب عن التصوير عند أجدادنا المصريين القدماء . وأشار إلى أدوات التصوير عندهم . ونشر فى كتابه صورًا لبعض اللوحات من الفن المصرى القديم . وكتب أنّ المصريين القدماء (( استنبطوا التصوير قبل أنْ يبتدعوا الخط الهيروغليفى )) وأنّ الكتابة المصرية هى أقدم كتابة فى العالم ، ليستنتج من ذلك أنّ المصريين القدماء هم أول من ابتدعوا فن التصوير. وكتب أ. سمير غريب عن هذا المؤلف الصغيـــــر : ((وتتعجب من وصفه لسقف معبد فى مدينة أخميم )) (ص33) كما أنه ( أحمد يوسف ) خصّص فصلا بعنوان ( التصوير عند قدماء المصريين ) تحدّث فيه عن الألوان التى استعملها المصريون ثم تحدّث عن الفن عند اليونان والرومان . والفن فى عصر النهضة الأوروبية. وهذا المؤلف الشاب أثار بعض الموضوعات الحساسة ، مثل صور الأنبياء : (( فهو يقر بأنّ من أندر الصور العربية ، صورة النبى محمد (ص) وإنْ كان فى التصوير الإسلامى موضع للشك ، فإنّ هذه الصور التى صوّرها العرب فوق جدران مساجدهم وفى صفحات كتبهم (قطعٌ لهذا الشك) وقد كانت صورة النبى محمد منقوشة فوق باب جامع عبدالملك بالقدس . كما ذكر العلامة ( مراد جاد صون ) أما فى الكتب فقد صُوّرتْ صورة النبى محمد وهو يحاصر حصن بنى النضير، وقد ظهر له الملاك جبريل مجنحًا ، فى كتاب عربى قديم مخطوط فى القرن الثامن الهجرى . وهذا الكتاب محفوظ فى المتحف البريطانى (ص 41) وعن علاقة العرب بالفن التشكيلى كتب أحمد يوسف (( إنْ كان التصوير عند العرب موضع شك بعد الإسلام فإنّ النحت عندهم غير متصور)) (ص43) وبعد كتابه الأول نشر أحمد يوسف سبعة كتب فى الفن منها كتاب ( الزخرفة المصرية القديمة ) وهذا الكتاب فى رأى أ. سمير غريب أنه أول كتاب – وربما من الكتب النادرة حتى اليوم – التى تخصّصت فى دراسة وتحليل الوحدات الزخرفية التى أبدعها الفنانون فى مصر القديمة على جدران وأسقف المعابد والمقابر (من ص 45 – 46)
بعد هذا الفصل قـدّم أ. سمير غريب للقارىء بعض نقاد الفن التشكيلى الذين قلــّـما تذكرهم الثقافة السائدة فى مصر بعد يوليو 1952 أمثال : أحمد موسى ، محمد عبدالعزيز، محمد مصطفى وآخرين . ونقل عن محمود خيرت أنّ الأمم الراقية اهتمت بالفنون الجميلة (( لأنها تولــّـد الشعور بسلامة الذوق . وتــُـلطّف من شعور الإنسان . وتوسّع من دائرة وجدانه. وتفتح صدره إلى ما يرفع إحساسه. ويُحبّبه فى المروءة والشفقة والهمة. فالفنون الجميلة إذن من أكبر أساتذة الأخلاق)) (ص48 ، 49) ويرى محمود خيرت أيضًا أنّ (( فن النحت هو أكبر مهذب للجنس البشرى )) (ص 54)
وعن علاقة الفن بالثقافة القومية لكل شعب، كتب المؤلف عن المؤرخ زكى محمد حسن الذى دخل باب التأريخ للفنون من بوابة الآثار. وله دراسة مهمة عن ((بعض التأثيرات القبطية (قبطى لغويًا = مصرى) فى الفنون الإسلامية ((وأنّ الفن الإيرانى الذى أبدعه فنانون مسلمون هو فن (إيرانى إسلامى) وهذا الفن يختلف فى بعض سماته عن الفن الذى أبدعه فنانون مسلمون هنود أو أتراك إلخ)) (ص62) وأنّ الإيرانيين – كما يقول د. زكى محمد حسن – كانوا أشد المسلمين جرأة فى الخروج على المعروف فى الدين الإسلامى من كراهية تصوير الكائنات الحية، مع أنّ كراهية التصوير كانت عامة بين رجال الدين من سنيين وشيعة. لأنّ كتب الحديث عند الشيعة فيها ما فى كتب الحديث عند أهل السنة بشأن تحريم التصوير)) (ص79)
ويكتب د. زكى عن الفن المصرى القديم . فتحدث عن النحت من خلال عرضه لتمثـــــال (الكاتب المصرى) ورأس نفرتيتى المعروضة فى متحف برلين (ص 100) ويكتب الناقد د. أحمد موسى عن الفن المصرى القديم ، من عمارة ونحت وتصوير، كما كتب عن الفن اليونانى والبابلى الأشورى (ص145) ويرى د. أحمد موسى أنّ الفن المصرى ( القديم ) بسيط سهل . والسبب : (( تفكير الناس وتكوين إحساسهم وليد البيئة التى يعيشون فيها . ولما كان الفن وليد دقة الإحساس وسمو التفكير، وجب أنْ يكون الفن المصرى بسيطــًـا سهلا ، نظرًا لبساطة الخيال المصرى وليد شاعريته ، عكس الخيال الإغريقى مثلا . فضلا عن أنه لم يكن أساس اتّخذه الإغريق لحضارتهم الفنية. وكتب أيضًا أنّ الفن البابلى والأشورى لم يبلغ مستوى عظمة الحضارة المصرية نسبيًا )) (157)
وفى عام 1929 تطبع دار الكتب المصرية كتاب ( الفنون الجميلة فى القرون الوسطى ) تأليف عبدالحميد العجاتى ورياض جندى ملطى . وهو الكتاب الذى تقرّر تدريسه على طلبة السنة الثانية من المرحلة الثانوية. ولم يقتصر هذا الكتاب على تاريخ الفنون الجميلة فى القرون الوسطى فى أوروبا ، وإنما تناول أيضًا الفن القبطى باعتباره سليل الفن المصرى القديم ( ص 202 ، 206 )
وفى عام 1930 ينشر محمود مرابط كتاب ( الفنون الجميلة وتاريخ الأمم ) على نفقته الخاصة. تناول فيه الفن عند المصريين القدماء والكلدانيين والأشوريين واليونان . وعن الفن المصرى القديم بدأ حديثه عن العمارة ، فوصف كيفية بناء المعابد وتكوينها وأهم هذه المعابد وتحدث عن اللغة المصرية القديمة والأثاث والحلى (من ص 235 – 238)
وفى عام 1938 أصدر ثلاثة نقاد هم : أحمد شفيق زاهر، حبيب جورجى ومحمد عبدالهادى كتابًا مشتركــًـا عن الفن المصرى القديم ((مُـقسمين تاريخه طبقــًـا لعصوره التاريخية. ويُخصّصون فصولا عن أهم مظاهر هذا الفن فى العمارة والنحت والنقوش الجدارية البارزة والتصوير)) (ص 199)
وفى عدد يناير 1941 يكتب الناقد محمود درويش فى مجلة الإتحاد الدولى للرسم والتربية الفنية عن النحت المصرى القديم، وطبيعة المكان، والغاية من النحت. وكان يرى أنّ نحت الخشب أسهل وأكثر حرية من نحت الحجر، إلاّ أنّ المصرى القديم كان يُفضّل نحت الحجر لخلوده، رغم أنه ( المصرى القديم ) استفاد من نحت التماثيل الخشبية فى إبداعه للتماثيل الحجرية والتماثيل المصنوعة من النحاس الأحمر، بواسطة طرقه على قالب خشبى، كما هى الحال فى تمثالىْ (ببى) و ابنه (مرن / رع ) المحفوظيْن بالمتحف المصرى (ص 294، 295 )
وأشار أ. سمير غريب إلى معلومة مهمة عن (( أول مجلة فنية متخصصة فى الفن التشكيلى صدرت فى مصر عام 1920 باسم ( الفنون والصنائع ) وكانت تُركــّـز على الفنون التطبيقية والموضوعات الصناعية المتخصصة التى يدرسها طلاب هذه المدارس، مثل لحام قضبان الحديد ودروس فى فن الزخرفة (ص 250) وأشار إلى الصحافة المتخصصة فى الفن التشكيلى وأنّ مصر(( لا تصدر فيها أية صحيفة أو مجلة متخصصة فى هذا المجال (بعد يوليو 1952 ) أما عن الفترة السابقة على هذا التاريخ ، فقد صدرت مجلة (الإتحاد الدولى للرسم والتربية الفنية) فى الثلاثينات والأربعينات ومجلة ( صوت الفنان ) فى الخمسينات (ص249)
ويرصد المؤلف أ. سمير غريب ظاهرة مهمة خاصة بالفن التشكيلى والأطفال ، إذْ أنه فى عام 1938 اهتمتْ مجلة الإتحاد الدولى للرسم والتربية الفنية برسوم الأطفال . ونشرتْ عنها بعض الموضوعات والبحوث المتنوعة ، مثل البحث الذى قدّمه حبيب جورجى ونشرته المجلة فى عدد يناير 1938. وفى عدد 1940 نشرتْ المجلة حديثًــًـا للأستاذ أبو صالح الألفى أبدى فيه ملاحظاته النقدية عن معرض رسوم الأطفال والتلميذات ( 265 ، 271 )
وفى مجلة الرسالة 9 / 9 / 1940 يكتب عزيز أحمد فهمى عن أهمية تدريس الرسم فى المدارس . ويناقش الفرق بين المدرس الذى يُـلقــّـن التلاميذ والمدرس الذى يفتح لهم أبواب الخيال الواسع . ويؤكد على أنّ تدريس الفن التشكيلى للأطفال له أهمية بالغة فى تنمية مواهبهم. كما ينقل عن الفنان محمد حسن ، أنّ بعض الدول الأوروبية تُـلزم أصحاب المبانى بتخصيص 2% من تكاليف مبانيهم لزخرفتها وتزيينها بالرسوم والتماثيل والصور. ويدعو إلى تنفيذ هذه الفكرة فى مصر ( ص 344 ، 345 ) كان هذا فى عام 1940 ، بينما نحن الآن (وقت كتابة هذه السطور) نواجه ونتعرّض لهجوم خفافيش الظلام من الأصوليين الإسلاميين الذين يحرّمون الفن ، ليؤكّدوا للمتحضرين ، أنّ الإحساس بالجمال ضد الدين .
000
وذكر الفنان والناقد عزالدين نجيب أنّ جماعة ( الفن والحرية ) ظهرت عام 1939((وكان واضحًا من بياناتها ومقالاتها ومنشوراتها المتعاقبة ، أنّ قضية التمرد والثورة التى تكمن فى نفوس أعضائها كانت أكبر بكثير من قضية الفن والثقافة. كانت ثورتهم تمتد على مساحة عريضة من الفن إلى الأخلاق . ومن الفلسفة إلى السياسة. ومن التصدى للأكاديمية إلى التصدى للدكتاتورية ))
كما أنّ مجلة ( الفن الحر ) التى كان يُـشرف عليها جورج حنين نشرت بيانــًـا وقــّـع عليه جورج حنين ورمسيس يونان وكامل التلمسانى وفؤاد كامل ومجموعة أخرى من الفنانين بلغوا 37 فنانــًـا ، ونُشر هذا البيان فى 22 ديسمبر 1938 وجاء فيه ((نحن نعرف بأية عداوة ينظر المجتمع الحالى إلى أى ابتكار أدبى أو فنى يهدد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة القيم الفكرية والأخلاقية التى تضمن الاستمرار والبقاء لهذا المجتمع. العدوان المريع والوضيع ضد فن يصفه بعض البهائم من ذوى الرتب العسكرية، الذين وصلوا إلى مصاف الحكم ، والذين يعتقدون أنهم عليمون بكل شىء ، بأنه فن منحط . يا أيها المفكرون والكتاب والفنانون .. فلنقبل هذا التحدى . فنحن متضامنون مع هذا الفن المنحط بصورة مطلقة. وفيه تكمن جميع فرص المستقبل . فلنعمل على نصرته على القرون الوسطى الجديدة التى تهب فى قلب الغرب ))
وعن جماعة ( الفن والحرية ) نقل الفنان عزالدين نجيب ما كتبه د. لويس عوض عنهم فى مقدمته لكتاب رمسيس يونان ( دراسات فى الفن ) كتب لويس عوض الذى كان شاهدًا عليهم وكانت له صداقات حميمة بمعظمهم : ((كانوا فى الأكثر يتحدثون بالفرنسية. لا الفرنسيـة (البزرميط) التى ألفها المصريون يومئذ من شوام مصر. ولكن فرنسية المثقفين فى باريس . فرنسية الكتب. وكانوا يجيدون الإنجليزية المثقفة. وكانوا يتقنون العربية ولهم فيها أساليب. ولم أكن أرى شيئــًـا على المصاطب أو على الأرض أو فى الأركان إلاّ ديوانــًـا ل (رامبو) أو أندريه بريتون أو أراجون. أو رواية ل ( كيسلر ) أو سيلون أو لورانس أو بحثــًـا عن حضارة الأنكا والأرتيك والزنوج ))
وعن رؤيتهم الخاصة للفن كتب الفنان عزالدين نجيب أنّ ((منطلقهم التعبيرى والإبداعى ليس هو العالم الخارجى بصراعاته ومشكلاته، بل العكس هو الصحيح . فإنّ عالمهم هو النفس الإنسانية وما يدور فى العقل الباطن . والأساس النظرى لرؤيتهم هو مذهب فرويد فى العقل الباطن وتحليلاته للأحلام والأساطير وخيالات الأطفال وتقاليد المتوحشين . فقد كشف فرويد بهذا عن مستودع زاخر يجد فيه الفنان السريالى مادة غزيرة لوحيه ))
وعن أول معرض فنى لجماعة ( الفن والحرية ) كتب الفنان عزالدين نجيب ((يمكننا القول أنّ موضوع الحرب كان المنطلق العام لمعظم العارضين (كان المعرض فى عام 1940 أى فى العام التالى لبدء للحرب العالمية الثانية) ليس من زاوية الحدث الخارجى ، ولكن من زاوية انعكاسه على نفس الإنسان . ومن هذا المنطلق العريض نصل إلى مضمون الرؤية الفنية والتعبيرية، التى تكاد تجمع فرسانها الثلاثة من المصريين العارضين وهم : رمسيس يونان، فؤاد كامل وكامل التلمسانى . بجوار فنانين أجانب مثل أنجلو بولو وموسكاتيلى وأنجلو دى ريز. أما عن مضمون المعرض فإننا ((نصل إلى أعماق الغابة التى تكمن فى أحراش النفس البشرية والتى فجّرها حدث الحرب. غابة يحكمها قانون البقاء للأقوى. تحكمها النوازع الغريزية البدائية المدمرة. وتلعب فيها الشهوات الحسية المستبدة دورًا بارزًا. إنها نوع من الإحتجاج على العصر والصفع العنيف للضمير الرأسمالى – إذا كان له ضمير – لدفعه إلى الإفاقة على التدنى الهمجى الذى بلغته الإنسانية. أو مرآة تسلط إلى داخل الإنسان وليس إلى خارجه ، لتكشف له سوءاته التى تخفيها مظاهر التحضر الزائفة . ألم يُعلن يونان فى ( غاية الرسام العصرى ) أنّ السريالية دعوة إلى ثورة اجتماعية وأخلاقية ؟ ))
ونقل الفنان عزالدين نجيب بعض الأبيات من قصيدة شاعر السريالية ( إيلوار) بعنــوان (انتصار جيرنيكا) (( أيتها الوجوه الصالحة للنار / أيتها الوجوه الصالحة للبرد / للحرمان والليل .. للسب والضرب / أيتها الوجوه الصالحة لكل شىء / ها هو ذا الخوف يُحدّق فيك / ولسوف يصير مماتك عبرة )) بعد هذه الأبيات كتب الفنان عزالدين نجيب ((وها هم فرسان الفن والحرية يصورون الضحايا ، كما صوّر بيكاسو أهل قرية جرنيكا. لكن بقسوة لا تدانيها إلاّ قسوة بتر الأعضاء إبتزازًا للمشاعر. ويصورون هياكل كائنات غريبة كأنها بقايا حياة منقرضة، ويصورون المرأة العارية وقد إمتدت إليها أياد حديدية تعتصر ثديها وتلتف حول خصرها وفخذها كالحية تمتص منها الحياة. وعبثــُـا تستغيث. ويصورون النسوة عاريات وقد أصبن بلوثة الشبق الحيوانى. ويصورون النسوة يائسات تبتلعهنّ الرمال. ويصورون الأشجار فى الصحراء القاحلة وقد نبتت لها أثداء. ويصورون هياكل عظمية تغرق فى أعماق سحيقة. هكذا رأينا فى لوحات مثل ( العشق المفترس ) و ( على سطح الرمال ) و ( شكل سلبى ) لرمسيس يونان. ولوحات مثل ( عروس النيل ) لكامل التلمسانى ولوحات أخرى كبيرة لاتحمل أسماء ، ((لأنّ مالا اسم له هو وحده الذى يوجد حقــًـا )) كما كتب يونان يومًا لصديقه جورج حنين.
وقد أكــّـد أعضاء جماعة الفن والحرية فى معرضهم الثانى عام 1941 هذه الرؤية الفنية والتعبيرية قائلين – فى نشرة المعرض – أنّ هدفهم هو إثارة التعجب فى أذهان الجماهير. لأنّ التعجب يُقلقل المسلمات . ولأنّ المفاجأة تهز استمرار العادة وكل عرف سائد . ولأنّ الصدمة توقظ صفات الفرد الايجابية. ولأنه – أى التعجب – كثيرًا ما يكون مقدمة لإثارة الوعى النفسى ولبعض الانقلابات الفردية والاجتماعية. لقد كانوا يريدون تحقيق الشىء عن طريق تحقيق نقيضه. ألم يقل إيلوار (( ابتداءً من حلول المجاعة لا يعود الإنسان يريد الجوع . ابتداءً من قيام الحرب نستنكر قتل الإنسان . فالظلم يُـلهب فينا العدل ))
ويكتب فؤاد كامل ((إنّ صورى مهما كبر أو ضؤل حجمها : عشق وعجب ومغامرة . أتخطى بها عالم المرئيات . وأفضل مادة الفن عن صورته. كيما أقيم فوقها الشكل المطلق . أستكشف به عالم المجهول . يتراءى لى وأنا أول من أدهش له عندما أخلع نقاب الزركشة والوعى وأحطم اليقين الرياضى والبناء الهندسى. أجد نفسى واجمًا أمام قدر متربص وكون صامت. لكى أقترب من سراديب مطمورة كائنة فى الأغوار البعيدة. من قرى طاردة عاملة على التشعب والتناثر. ذلك الصراع بين الذات الحرة والعالم الخارجى يتولد من نسيج لوحاتى ، نسيج النفس واشتهاءاتها . نسيج المجرات والفضاء المزدهر بالنجوم ))
ورغم ما أثارته حركة الفن والحرية من تحريك للمياه الراكدة وخلخلة الثوابت ، فإنّ الفنان عزالدين نجيب يرى أنّ فرسانها كانوا "((يحاربون طواحين الهواء مثل (دون كيشوت) وأسبابه هى أنّ ((حركة الفن والحرية كانت حركة فوقية منعزلة عن الواقع . وشعاراتها لا تنبع من حركة المجتمع وصراع المتناقضات فيه. بل تنبع من آخر صيحات المدارس الغربية. ومن الكتب التى يقرأونها بالفرنسية. ومن مناقشات الصالونات التى تديرها فلول الثوريين الأوروبيين، وصفوة المجتمع الراقى. وكانوا يقضون النهار يرسمون لوحات سريالية ويدبجون بيانات ثورية كلها هجاءً للبرجوازية. وفى الليل يعرضون لوحاتهم فى صالوناتها وقاعاتها الفخمة التى لا يعرف الشعب طريقها )) وأنّ السريالية التى اختارتها الجماعة مذهبًا فنيًا كانت رداءً أوروبيًا خالصًا ألبسته عنوة للواقع المصرى دون بحث امكانية تعايشه معه. وصحيح أنّ السريالية كانت لا تزال فى شبابها حين التزمتْ بها الجماعة ، إلاّ أنها نقلتها نقلا شبه ميكانيكى دون تضفيرها بالبيئة المحلية ))
بعد ذلك ينتقل المؤلف إلى جماعات فنية أخرى فكتب ((وبالرغم من أنّ مصر عرفت الجماعات الفنية منذ وقت مبكر، ابتداءً من ( جماعة الخيال ) التى أسسها محمود مختار عام 1927 وجماعة ( الدعاية الفنية ) عام 1928 وجماعة الأسايست ( المجاهدون ) عام 1934 ، و (جماعة الشرقيين الجدد ) عام 1937 ، بالرغم من ذلك فقد عرفتْ الأربعينات بأنها عهد الجماعات الفنية التى تبلورت لها رؤى فكرية وجمالية. وكان بعض هذه الجماعات منطلقــًـا من الفن والحرية – مع تصحيح مسارها – وكان بعضها الآخر رد فعلى عكسى لها ))
كانت أول هذه الجماعات جماعة ( الفن المصرى المعاصر ) التى تشكــّـلتْ عام 1946 حول رائدها الفنان حسين يوسف أمين ( مدرس التربية الفنية بمدرسة فاروق الثانوية ) أما عناصرها الأولى فكانت مجموعة من الشبان الموهوبين ، كانوا من قبل أعضاء جمعية الرسم تحت إشراف أستاذهم حسين أمين . وكان القدر يعدهم ليكونوا فيما بعد رواد التجديد النابع من أصالة مصرية، مثل : عبدالهادى الجزار، حامد ندا ، سمير رافع ، إبراهيم مسعودة ، ماهر رائف ، محمود خليل ، سالم الحبشى وكمال يوسف . أقاموا معرضهم الأول فى مايو 1946 بمدرسة الليسيه. وأخذوا من الفن والحرية تمردها على الأكاديمية. وميلها إلى المدارس الفنية الحديثة فى الغرب خاصة السريالية. لكن منطلقهم إليها كان هو ( الموضوع الشعبى ) حيث استطاعوا أنْ ينفذوا إلى ما وراء الظواهر الخارجية فى الحياة اليومية وأنماط السلوك . وأنْ يرجعوها إلى مخزون العقل الباطن الجمعى وليس الفردى كما فعل فنانو الفن والحرية. لذا اقتربوا من عالم المعتقدات والأساطير الشعبية والرؤى الغيبية المتأصلة فيها. كل ذلك الذى يُشكّل– من زاوية اجتماعية– وجهًا للتخلف والبؤس فى حياة الطبقات الفقيرة. لذا يمكن القول أنّ فنانى (الفن المصرى المعاصر) بدأوا من حيث انتهى فنانو(الفن والحرية) لامن حيث بدأوا))
وذكر الفنان عزالدين نجيب أيضًا أنه فى عام 1946 تكوّنتْ جماعة ( الفن الحديث ) وأنّ بدايتها كانت فى عام 1945 حيث نظم حوالى 75 من خريجى معهد التربية الفنية وكلية الفنون الجميلة معرضًا لأعمالهم تحت اسم جماعة (صوت الفن) وذكر أنه ((فى الوقت الذى كانت كلية الفنون الجميلة تخرج أفواجًا متعاقبة من الدارسين الأكادميين، كان القسم الحر الذى أنشىء بها عام 1942 يتيح الفرصة لمواهب أخرى لتشق طريقها. بينما مرسم الأقصر الذى أفتتح عام 1942 أيضًا كان إمتدادًا لكل ذلك. حيث كان يـُـتيح للخريجين أنْ ينفضوا على أعتاب مقابر الأشراف بالبر الغربى قيود الأكاديمية لينفتحوا على عالم جديد مجهول. أو يقفوا تحت أعمدة الكرنك الهائلة مبهورين، كما وقف قبلهم بثلاثين عامًا الكشاف الدؤوب محمد ناجى))

(عزالدين نجيب – فجر التصوير المصرى الحديث – مصدر سابق – من ص 86 – 93)



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى