كتاب كامل صلاح عبد العزيز - ديوان: أغنية الغريب.. شعر

* نغم

نصيبى من الدنيا رجام مبعثرُ

وزهر يضوعُ العطر والأفق مغبر

توليت حتى قيل مات حديثه

ولكنْ أرى الدنيا بشعرى تزهر

وفوق الرجام الدمعُ من آهة الندى

وتحتَ جفون الليل دمع مسطر

أنا النغم الصافى الذى لا يشُوبه

هوى بشرٍ رغم الممات يؤَثر

* الصوت والصدى

كانت تغنى كل ما فى الغيب آت

كل ما فى الغيب آت

يأتى الصباح يا حبيبى لو تعود

يا حبيبى لو تعود

تحلوا الحياة فينكسر هذا الجمود

ينكسر هذا الجمود

والصبح يأتى يبعث الماضى الرفات

يبعث الماضى الرفات

أنظر حبيبى هل ترى هذى الغصون

هل ترى هذى الغصون

عيونها قد أظهرت جدب الحياه

أظهرت جدب الحياه

بعد الفراق والوريقات شفاه

والوريقات شفاه

وذكرياتى تتلظى فى الجنون

تتلظى فى الجنون

* المنايا

تظل المنايا عالقات بصدرى

وما كنت غرا فى الهوى صاحباتى

أنا عكس ما تهوى البلاد وتسرى

إلى البلايا مذ خلقتُ حياتى

* نزق

أواه من حب نزق

لو راح .. يعصف بالأجل

كخنجر صب الأرق

ما بين دمعى والمقل

كم من ليال وانحدر

منها الدموع على الذكر

وبكت طيور جوانحى

والعظم فى العمق استعر

فطعامه نبض الفكر

كم ثار من سطو الملل

والشوق منه ينتحر

يا كم ظمئت فاشتعل

وعلى جدار من قلق

نشر الجوى نعى الأمل

فانساب فى لحظ شرق

قد غبت عنى وما رحل

دمع يدمى مقلتى

غرست لهيبا فى الطلل

وعلى السحاب روايتى

وختامها فنيت قبل

نار وشوق يحترق

حب وصب يرتحل

عشق ووجد قد غرق

فى لجة ومن الغزل

* رياح عاصفة

تعالىْ .. يا ابنة البحر العميقِ

تعالىْ .. وانقذينى منْ حريقى

ضللتُ بزوْرقى وغَدَا فؤادى

كما الملاحِ تاهَ عن الشروق

توارَت خلفَ أشباحِ المنايَا

منَى النفسِ الدؤُوبةِ للبريق

دجَا بى مرفأِى فظللتُ أَهْذِى

وفى الظُلُمَاتِ لا أَدْرى طرِيقى

صدَى المجدافِ يضربُ كلَّ وهمٍ

فَيَأْتى الوهْمُ كَالسيْلِ الدَّفُوق

يَرِنُّ صدَاهُ فى قلْبى وأُذْنى

كَمَا رنَّت علَى صَخْر المَضِيقِ

عَوَاصِفُ عَاوِيَاتٍ ضاعَ فِيها

صدَى المشتاقِ بالدمْعِ المَشُوقِ

مَدَدتُ يدَىَّ عَلِّى أَلْمَسُ الشطَّ

فى دنْيا من العطرِ الرقيق

وسابقتُ النجومَ إلى الأَعالِى

فزل القلبُ للوادِى السَّحيق

كَأَنِّى طائِرٌ والأُفْقُ نارٌ

أَمُرُّ خِلالَهُ والعزْمُ ضِيقى

وضوءُ الفجْرِ أَجْفَانٌ ثَكَالَى

أُحِّس لِنَدبِهَا فَقْدُ الصِّدِيق

وحيد هكذا فى البدء حتى

أضأت الدمع واستقبحت ريقى

رنوْتُ إلى الورى فرأيتُ ناباً

وظفْراً مدَّ فى عمقِ العروقِ

كأن الآدميَّةَ فى عَارٌ

وعَارٌ أنْ أعيشَ إلى الشروق

ومد الليل فى عمرى جنَاحاً

من الأوهامِ والحلُم الأنيق

ونادمنى الضياع فصرت أهذِى

وأُوغِلُ فى غروبٍ من شروقى

أكاد أشك أنى لست أحيا

ولستُ أعيشُ فى عهْدى الوَرِيق

شبابىَ ضلَّ منْ غيمِ اللَّيالى

ورُوحِى شفَّها غيْمِى العَتِيقِ

شِرَاعِىَ ضَلَّ فى بَحْرٍ خِضَمٍ

ولوْ نَامَت عيُونُك لَنْ تُطِيقِى

تَعَالىْ .. واسْكُبى أمْناً وصفْواً

ومن قُبُلاتِكِ اللَّهْفى أَرِيقِى

أرى الأيامَ عطراً لوْ تُجِيبى

فأنتِ النَّسْمُ للأمَلِ الطَّلِيقِ

* جراح نازفة

إليها وهى وراء الستار

ما بال قلبك قد غفى عنى وأشهر موقفا

هل مال مجنون الهوى ما كنت يوما منصفا

إن أنت أسدلت الستار فمن بظنك قد جفا

أنا لا أغادر موضعى سطع الهلال أو انطفى

أنا لا أقاوم فى النوى فرقدت نضوا حالفا

أن لا يزور النوم جفنى قبل أن تتعطفا

فالستر يكوى مهجتى والحب يقتل فى الخفا

قلبى وليتك ساحرى تنساب حبا مرهفا

قد شفنى وجدى أنا خجلان من أن تعرفا

سر اغترابى فى الهوى أخشى عليه تحرفا

يا ساحر اللحظ الذى شغف النهى ثم اختفى

كالنجم فى الظلماء سار على هواه وطوفا

ترك المدار وليته وافى حبيبا مدنفا

ما شفنى غير اختفائك عن عيونى مرجفا

كم أنت فى عينى ربيع بالجمال تفلسفا

كم أنت فى عينى محال أن أراك بلا وفا

ويهز أنفاسى عبير من خيالك ما نفى

عنك اختيالا أو جمالا أو دلالا مترفا

أبد وقد نزل الستار على الوجود فما صفا

فوهمت ندا فى الورى أبهى وأحسن مطرفا

ويطل مثلك فى دلال كالمبشر بالشفا

وهم بعينى كالحريق إذا اختفيت تلهفا

يا فرح روحى لو أراك بجانبى متلطفا

لم ينس قلبى من سلى فوقفت أهذى خائفا

ولقد صُفعت بلوعتى وبكفر فكر قد طفا

وأفقت من وهمى الكبير وقال لى وجدى : كفى

ما فى سواك وجدت ندا فى الجمال إذا هفا

كربيع روض زاهر قد جلّ أن يتكلفا

وشبيه نفسك فالجمال على جمالك أسرفا

هدأت بقلبك صبوة ووشت إليك تطرفا

وتقول سله عن الهوى فيبح صوتى هاتفا

سلنى أجل .. أنا ما عرفت ساك وجدا ناسفا

ولقد عشقتك موقفا وأخذت عنك مواقفا

وعشقت فيك تلهفى فبقيت جرحا نازفا

* الهاوية

ويل الزمان إذا الكلاب تحكمت

وعلا صياح الذئب فى غور الصدور

وإذا السباع قد استكانت فى العر

ين وقد غدت تصطاد منحول الطيور

لا تسألينى عن زمانى إنه

زمن القرود وفيه نلهوَ بالصغير

فلقد صحوت على السؤال يهزنى

ويزلزل الأعماق فى عمق الشعور

فالكون عم فساده ما فى الورى

غير الغباء وقد تغافى فى الضمير

وإلا م نسكت والهوى قد قام من

أشلائه فى ظلمة الأفق الغيور

ينصب فى الأفق الرحيب كواكبا

مشدوهة الأضواء من حلك الشرور

قد سرت فى درب الجمال فلم أجد

إلا ضلالا فى الدروب وفى الدهور

وشككت فى فيض الجمال وسحره

قد يسكن الموتُ الجميلَ من الزهور

فإلى متى لا يدرى البستان حـ

لما للحيارى وهو يزهو فى العبير

أشعلته فى يوم نحس فانثنى

فى القلب يحرق ما تبقى فى المصير

وإذا بنا ننساب لحنا داميا

ومعلق بالكون يُقذف بالصخور

جدث رهيب يحتوينا بعدما

تنشق فى الأرض البراعم فى القبور

ورحلة فى المنتهى للحائر

ين وتغرق الأفكار فى اللحد المثير

* إبحار

قضبان الليل تحاصرنى تقتل فى عمرى الأوهام

وضباب خيم فى وترى عربد فى وهج الأيام

من عاش على وهم الماضى عاش جراحا لا تلتام

الحزن مخيف وبقلبى ضحكات الليل المقهور

لو أحسب ميلادى يوما لوجدت الميلاد شهور

والعمر صريع كرياح تجرى بشراع مكسور

قدرى كالطفل يداعبنى يرمينى فى كأس شرابه

يغتال ويقتل فى نفسى حلما لم يدر بشبابه

جفت بدمائى أغنيتى واخضر الدمع على بابه

فلأمض بعيدا يا قدرى لن أبحر ضد التيار

فالناس عيون تجرحنى والشوق بحار ودمار

إنى ما زلت على وترى أرقص مذبوح الأوتار

وأترجم جرحى أشعارا يقرؤها ضحِكٌ بصحيفه

لم يدر بأن الشعر لهيب يغمد فى الصدر حروفه

تنزف فيه الأرواح وتصبح مثل الأشلاء مخيفه

أنا من أشقاه تجلده رحماك فإنى كالطفل

أحتاج إلى حضن الأم يهدهد لى أعماق الليل

رفقا بغريب مشتاق يا ويل جراحى يا ويلى

تشهد أحزانى سنبلة عذبها الشوق على بابى

ويمر نسيم تصحبه أنغام تمضى بشبابى

لحظات مثل نجيمات هى عمرى أجلى وكتابى

أصبحت شريدا يا أملى لا أعرف فى الأرض مكانى

تصفعنى الريح على وجهى وتزلزل عمرى وكيانى

أوصدت الدنيا فى عينى أستارا من قلب قان

هذى الأشجار العريانة كالشبح الجاثم فى الأنواء

تبحث عن جذر يحملها للحلم بخلف الأشلاء

لم تلق سوى ماء الذكرى والليل الكافر والصحراء

تنشب أظفارا فى الماضى والجذر يغادر موضعه

ظمآن ويشرب من وهم والصخر طريق يقطعه

وهنالك روح مجهول والرمل الهامس مضجعه

كأنين الساقية الثكلى يلتهم جديد الأشواق

مات الظل بكفيها وبكاه الزهر بأعماقى

شربت من بئر الحرمان ودارت تحرق أوراقى

الحب بحق أعرفه كم دق على قلبى المجهد

كم جاء إلى يداعبنى ولسانى مع قلبى يشهد

وهويت إلى قاع صلد وبكيت لعلى أتجلد

لا يُتْصف يوما مظلوم جاء إلى الدنيا كالطيف

هى سر حياة نعشقها ونعيش على حد السيف

قد عشنا عمرا مقهورا وورثنا مكروب الخوف

الحب بحق أعرفه لكن مهموس النبرات

فى الزمن الحاضر والماضى والزمن الآت

ما أصعب أن أحيا يوما فى زمن عطرى الكلمات

الليل يغنى على شجنى والصمت حراب للزمن

والعمر الخانق فى بدنى قد مزق أوصال البدن

قد عدت إلى رشدى نضوا لكنى عدت إلى سكنى

وأطل الفجر بأعماقى شبحا مفجوع النظرات

والضوء بعينيه جنون تُحكى قصته برفاتى

قد نبت الزهر على قبرى وأذاب العطر بكلماتى

* الحبيب

إن مر يبدو كالقمر

لا يرتوى منه النظر

شع الضياء بهالة

فكأنه كف القدر

كالصبح إلا أنه

غض الإهاب إذا ظهر

وإذا مضى فى خفة

فى الدرب يخضر الشجر

والليل يا ليل الهوى

يذكى الصميم المستعر

ضم الجوانح لحظة

فأذابها حين انحدر

* قدر

قدر بظلم نالنى فبقيت وحدى أنتظر

بين الضباب وشفنى أنى بذلك كالأثر

سحقته أقدام الهوى لو فى طريق لاندثر

يا ويل قلبى لو هوى فى الدرب إن حان السفر

إن تسألوا عنى غدا فأنا حروف من قدر

ضاقت به نفسى وكاد العمر يفنيه السهر

قد كنت يوما عاشقا والعشق نار تحتضر

واليوم تلقانى هنا متشردا تعب النظر

تصطك فى نفسى المعانى الباكيات من البشر

حتى الأمانى نفسها تقتات من وهم الفكر

وتهيج من ذكرى الليالى واللقاء المنتظر

وإذا الدياجى والملل قد نازعت قلبى الضجر

ويمر فى أفقى شريط من غيم هاتيك الصور

إذ كنت أمشى خائبا قد أدركتنى لأنفجر

وإذا الغيوم السود غلت فى الفضاء يد القمر

وإذا الطلا فى الكاس تبكى من حبيب ما شعر

بالحب يوما لا ولم يأتى له عنى خبر

وتقول لى هل من لقاء فى الظلام المنتشر

فالنهر فاض بمائه من دمع شوق وانتحر
وكأنما مطرا غزيرا ظل يهطل للسحر

والضفتان علاهما وجه الكآبة فى الشجر

وجلست لا أدرى جوابا للفؤاد المستعر

وسكبت شكى فى دموعى : قد نأى عنى القمر

وشربت دمعى والمدى طل تبدد واندثر

وصدحت لحنا داميا أبكَى النسيم مع الوتر

لم يبق حبى غير ذكرى الحائرين ومن غدر

يا لهف قلبى ما اعتبر لكأنه عاص كفر

قد حذرتنى لم أع وكأنما ينجى الحذر

والنفس فى تحذيرها أصدق عبيرا من زهر

والتفس فى عليائها كالأنبياء فى العبر

أنا قد ظُلمت كما تَرى يا طالما ظلم القدر

أرنو وحيدا فى المدى قبل الوقوف على الذكر

قد كنت يوما هاهنا أترشف الجو العطر

قد نلثم الصبح الندى نتدل من كم الزهر

نغفو على العشب الطرى نلهو بما يأتى المطر

كفراشتين على الذرا ملكان فى غرس الشجر

هل كان وهما وانقضى سر بى رويدا يا قدر

إن تسألوا عنى غدا فأنا الرماد المنتشر

* أغنية

سأكتب إسمك طول الشواطئ

بعمق البحار بحجم المرافئ

وأسأل عنكم ْ.. جميع المدائن

أمحو عنكم جميع المساوئ

غفرت ذنوبك أنت الذى

تحاول حرقى بحضن المدافئ

كأنى سفين يجوب البحار

ويشعل قلب الزمان المناوئ

سأدنى العبير لثغر الزهور

وأسكر شطا نديا وظامئ

فتأتى النوارس مشدوهة

وتشدو بلحن كنبع يكافئ

تصب الأغانى بسمع الفضاء

وتقتل عنف الموج المفاجئ

* الجريح

لا شك أنى فى هواك جريحُ

والقلب يخفى مرة ويبوحُ

أنا من غرامى ذقت أنات الردى

وانصب دمع القلب فىّ ينوح

أنا عشت فردا فى هواك مُبَرّحُ

والعاشقون براهمُ التبريح

أو ما ترى زهر الشباب مفارقا

وغدا تفارق مقلتى الروح

فارحم فديتك مهجتى وأنينها

قد شفنى من عازلى التجريحُ

* القصيدة الجهنمية

أأرثى العمرَ أم أرثى الليالى

أأبكى أم بُكائى ليس يجدى

مضى عهْد الأمان وكان مجدى

على عرْش النبوءةِ والخيالِ

فَأين المجدُ فى عهد الظلامِ

وأين الروحُ فى بدن الحطامِ

أكَاد أُجن فى دنيا الضلالِ

صَبَاحُ الموتِ أَهدانى التَّحيهْ

فَقَاربت النهاية والمنيَّهْ

أجد .. فلا أَجدهُ وذاك حالى

أَنا اللآشئ فى اللاشئ إنِّى

أسيرُ نبُوءةٍ ترتدُ منِّى

غداً تمضى لأَنْيابِ الصِّلال

سقت رِيحُ المنَايَا زَهْرَ عُمْرى

عبِيراً مِن جهنمَ لستُ أدرى

فَكُل قصيدةٍ فيها اللآلِى

أشَيْطانٌ يُسبِّح فى شُعُورِى

فَمَا تَنْفَكُ تَقْلَعُنِى جُذُورِى

أأشتعلُ !؟

فيَأكُلُنِى اشْتِعَالى !؟

فَبَيْنَ البَيْنِ مُنْتِظرٌ فَنَائى

ولا يجدى انتِظَارِى واشْتِهَائى

ولا يُجْدى التَّمتُعُ بِالجَمَالِ

وربِّى إنك العَالى الوحِيدُ

ألا تُضِئ الوجودَ فَأسْتَعيدُ

مِنَ الضَّوْءِ انْبِهَارى واختِيِالِى

أيَا ربَّ الوجُودِ إلامَ أمْضِى

ودَرْبِى مُبْهَمٌ والشَّكُّ أرْضِى

أرِحْنِى الآنَ مِنْ هَذا المَلالِ

* أغنية الغريب

أرنو إلى الأفق حائر

مشرد البال ثائر

لا أستطيب مقامى

بين الدجى والدياجر

عشقت فيك اغترابى

أدمنت فيك العذاب

بلوعتى وشرابى

من الأمانى الصعاب

فأنت منى كروحى

كاسى الذى يروينى

أشعلتنى بجروحى

على مساء جنونى

قلبى الذى بالخضوع

أصبح مثل اليباب

ما هدهدته الدموع

يرقص فيه السراب

ما عاد يهوى الرجوع

إلى الهوى والضباب

نجوم ليلى أراها

فى ظلمة الديجور

غامت بنفسى رؤاها

وكُفِّنت بالنور

* أحزان

رأيت الليل أحلاما تفزعنى وتشجينى

رأيت كأن آلاما تئز يقلب مجنون

فتأخذنى إلى منفى بعيدا فى شرايينى

وتجلد فى أعصابى فتخبو بى رياحينى

وتسكب بى أنات ببؤس الناس تشقينى

رأيت كأن بى وترا به الألحان ترجونى

تقول بدمعها الرقراق والأصداء تلهينى

أفق يا شاعرا ذابت مع الأطياف أشعاره

فكأس الليل مكسور وقد جافتك أوتاره

صباحك مات من زمن زقد جافتك أوتاره

سمعت كأن بى حرحا ينز دماءه الثكلى

خليج ينزف الأمواج عمر ينزف الأجلا

على قيعانه أمضى لأنشد غاية مثلى

وأزرع ورد آمالى وأجنى الشوك والأثلا

ومن إعصار أنفاسى توهمت الدجى أملا

فرحت بقلب مأخوذ وعدت أقبل النصلا

وعشت العمر فى وجل يعانقنى المدى وجلا

رأيت دوى أنفاسى براكينى التى ثارت

وخلت حفيف إحساسى دخان والمنى جارت

رأيت دوى أنفاسى براكينى التى ثارت

وخلت حفيف إحساسى دخان والمنى جارت

فعاش الحلم فى عينى بقايا مثلما عاشت

رحيل الأمس أذكره وأذكر ما جرى فيه

هوى الأشباح يأخذنى لأسبر غور ماضيه

فلا مستقبل يرجى وهذا القلب فى التيه

أنا التذكار والذكرى أنا دمع يجاريه

يلذ العيش لو أنى أعانى ما أعانيه

وحزنى الآن يصفعنى بفيض من قوافيه

ولكن الهوى يبدو على أنقاض أشلائه

ستار يفصل الموتى ويعطى فيض آلائه

على الأحياء يسكبه شعورا مغرما تائه

كفى يا ليل إيلاما كفى يا نفس أوهاما

هوى الأشباح عربيد كسيف يقطف الهاما

فأجتر المنى أسفا كنجم فى الدجى غاما

أدور بقلب مذبوح يراه الناس أنساما

وأشقى الناس إنسان تقى النفس أواما

فمن ذاق المنى حلما يعيش العمر أحلاما

ومن خلجاته تهمى دموع القلب أنغاما

ولو أنى ملكت غدى بكفى لست أختار

سوى الأشعار أنات سوى الأنات أشعار

فلستَ بمدرك عمرى ولو جاءتك أعمار

نفث الشعر لا أرجو على الأيام من شهره

فيكفينى ويكفيه بأنى عارف قدره

صديق بات يؤنسنى بليل مد بى أثره

نديمى والطلا فيه بنات الجن والفكره

فيا كم بات يلقانى بضحك الكاس للخمره

فترقص فى أوتارى وتبسم مثلما زهره

سقانى الخلد أحلاما فرمت العيش فى سُكره

بها شيطان إلهامى بها جنات أحلامى

بها ما لست أدركه فأدركه بأوهامى

ولو جُرعت من فيها مرارة حزنى الطامى

ألا يا شعرى المضنى أنا كالتائه العانى

دمى قد صار أغنية يرددها المدى القانى

لعمرى تلك أحزان أقابلها بأحزانى

ولست بمطفأٍ نارا بها تزداد نيرانى

ولكن هل ترى بشرا تعربد فيه روحان

فروح ملء أنفاسى وروح ملء أشجانى

وبينهما فؤاد نازف غر على حان

فغرد إن ما تهوى حواه الموت واختاره

وأسدل فى دياجيه ومد الوهم أستاره

لعلك واهما حقا بأن الليل خماره

* آخر الليل

هذا زمان غرامنا

ينساب فى لحظ غريق

هذا زمان دموعنا

نمشى فيقتلنا الطريق

يا عمر يا صحراء يا حلم الحيارى للشروق

هل ترجع الأحزان أغنية يمزقها حريق

فى آخر الليل الجراح النازفات بلا صديق

حتى الجراح تمزقت لن تلتئم تلك الجراح

وأعيش فى الليل الطويل فلا ضياء للصباح

قد عشت فى الوهم الجميل وكنت نهبا للرياح

يا ليلى المقتول رفقا كل شئ لا يباح

سرى بصمتى ينتشى ولبعض أسرارى نواح

لا شئ بعدك أو أمل إلا أراه كما الطلل

فالعمر غاب ولم يعد وكما ترى ضاع الأجل

هل ينظر النجم البعيد إلى الثرى .. أنا لم أقل

بل كل درب أسود لولاك لالتهم المقل

هذى حياتى كلها أشباح يأس من ملل

فاذهب إلى الروض النضير فكم تمشينا معا

وانظر إلى مهد اللقاء تجده جرحا واسعا

نزف الدماء كأنما أذكى حريقا جائعا

وقد انمحت آثارنا تخفى اللهيب الدامعا

فلق بعثنا فى وجود كى يحطمنا معا

ليل طويل راحل عبر الدماء الثائره

والحلم يسبح فى حطام من أمان غادره

والطير عاد وإلفه بين الفيافى الجائره

وعلى الغصون براعم مذهولة أو حائرة

ظمأى لكأس قد رَوَى ذكرى وعتها الذاكرة

والقلب ينظر من بعيدْ

للحلم يسبح فى الحطامْ

يبكى على الأنفاس تخبو فى ينابيع الغرام

حتى إذا سكت الهوى وأطل فجر فى الزحام

سكن الدما طغيانه وهوى قتيلا فى الختام

* النصيب

صور من ذكريات

خنجر بين الجراح

تبعث الماضى الرفات

بين أصداء النواح

فإذا ما الفجر لاح

لا أرى ضوء الصباح

أدمت القلب الوجيع

سودت وجه الحياه

مثلما شف الرضيع

بعد أم عن مناه

بائس أضناه ويل

لا تسل عمن جناه

فإذا ما الفجر لاح

لا يرى ضوء الصباح


هكذا عشت المنى

لحظة ليست تمر

خلت فيها أننا

مثل نجم عاش دهر

بيد أن العمر يمضى

بل مضت آمال عمر

فإذا ما الفجر لاح

لا أرى ضوء الصباح

وكذا يمضى النصيب

مرخيا سدل الأجل

لا أرى غير اللهيب

كلما الذكر اشتعل

عشت عمرا نازفا

بيت أحضان الوجل

فإذا ما الفجر لاح

لا أرى ضوء الصباح


* عهد الأمان

وجه الكآبة حل فى وادى النغم

فإذا الحقول مع النسائم تختصم

وشدا بأغنية الدمار توعدا

فاستقبلته من المكاتب تبتسم

شراذم فيها النفاق حياتها

وتقدمت بين الجماجم تزدحم

وكأن بالأقدام تركل بعضها

فبكل جمجمة بقايا من قدم

وتقدم الذئب الخسيس يهزه

طرب يقود حثالة وهم الرمم

هذا الدعى قد انبرى متأنقا

متبسم الأنياب ويروم العدم

طعن الشريف وهاته الأنياب تلـ

عق فى دماء للخلائق لم تنم

ولسانه يرتاد كل رذيلة

كالحية الرقطاء قد سكنت بفم

يده الطويلة مدها للناس مر

تشيا بذمة كافر عشق النهم

وئدت جوانب خيره فى مهدها

حتى المروءة فيه أهلكها الصمم

وعلى يديه مصائب أكلت نهو

د عرائس وهوى لها الجبل الأشم

يا وجه يومى والضياء رأيته

بعد انبلاج الصبح ينزف بالندم

يا وجه يومى هل ترى نعم الحياة

وقد خلت من أى ضوء يبتسم

لمن الحياة وفضلها للمرتشى

لمن الحياة وقد هوى منها النغم

صبح الهوى مل الحياة فما بدا

والجرح فوق الجرح نار تضطرم

ممن كسى وجه الصباح سآمة

وطوى علينا مغربا قتل الهمم

ومضى إلى عمق الوريد بمعول

كى يقتل الخطرات فى جذر الكلم

يا وجه يومى ليتنى ضيف الثرى

فالأفق دامٍ صب فى قلبى الحمم

والكافرون بمصرنا سدوا المدى

فبألف ألف من الجوارح نُلْتهم

وعلى شواطئ نيلنا جرثومة

لك تترك الأجساد حتى والوضم

وسقى الضلال غراسها فتبسمت

شر الخلائق واستوت فوق الأمم

هل بعد هذا للأمان مطالب

يا بؤس من ذاق الأمانى بالألم

هذى الدياجر عربدت بزماننا

فكأنما عهد الأمان قد انصرم

* حب

ما الموت ما الميلاد فى هذى الحياه

ما الحب ما الإلهام ما سر الطغاه

ما السر فى خنق الضياء على يديـ

ـه وقد روى منى ضياه

فالنور يهجر خافقى والحب فى

الزمن العنيد يموت فى كل اتجاه

كيف الشقاء يزورنى كيف الظلا

م يهدنى ويمد فى عينى دجاه

أنا لم أعش دنياى بل عشت الحيا

ة مشردا كالورد فى أيدى الجناه

إن تُلقنى صم الصخور إلى الفنا

ء فإننى كالصبح مات على خطاه

ما بعت عمرى للحبيب وإنما

أفنيت ذاتى عندما امتدت يداه

وصباى ذاب بحبه فإذا انطوى

عنى الصبا فلقد تورد فى صباه

وبخمره كنت السماحة والهوى

فانثلت يا لهف الفؤاد على ثراه

من ذا يفيض صبابة إلا الذى

صار الدنو إلى الردى أسمى مناه

من ذا يفيض صبابة ـ من بؤسه ـ

إلا المعنَّى .. والفتى يبكى الفتاه

* الأمل


سماء الحب فى صدر الليالى

نرى الأيام منه فلا نبالى

ونحن إذا خطوب الدهر جارت

نراه النور يخطو فى اختيال

وكالأنغام فى دنيا لعوب

صداه ينام فى عمق اللآلى

ظلام قد يجول بصدر ورد

فيخبو الحب فى حلم الظلال

كسرداب عميق الغور فينا

فنضربه بأجنحة الخيال

ونسأل كم عشقنا فى ظلام

فلا التلميح يخظئ فى السؤال

فلولا نوره الخفاق فينا

لكنا كالمياه على الرمال

وتجمعنا خطوب الدهر حتى

نظن الريح تعصف بالجبال

هو القيثار فى الحلم الجميل

ولكن صار دوما فى اشتعال

وما الأمل المرجى فى عيونى

سواك جميع ما أهوى ببالى

أراك كأنما الأشياء عينى

أيا أملا توهج بالجمال

1985 ـ 1990

فهرست بالقصائد

1) نغم
2) الصوت والصدى
3) المنايا
4) نزق
5) رياح عاصفة
6) جراح نازفة
7) الهاوية
8) إبحار
9) الحبيب
10) قدر
11) أغنية
12) الجريح
13) القصيدة الجهنمية
14) أغنية الغريب
15) أحزان
16) أخر الليل
17) النصيب
18) عهد الأمان
19) حب
20) الأمل


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* من أشعار الصبا

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى