عبدالسلام بن خدة - البحث عن جذور المحكي البوليسي في تراثنا الديني (قصة يوسف(ع) نموذجا)

ذكرت هذه القصة في" القرآن الكريم "(1) ضمن سورة كاملة تحمل اسم "يوسف". ولما في هذه السورة من عبر و دروس ومواعظ فقد سميت بـ "أحسن القصص".

وفيما يلي ملخص عن ما تخبرنا به هذه القصة الدينية المشهورة:
  • تبني "عزيز مصر" لـ "يوسف" (ع
" وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته ، أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا"

  • تدرج "يوسف" (ع) في المعرفة و الخلق حتى بلغ الأوج "وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تاويل الأحاديث(...)ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما"
  • هيام زوجة "العزيز" بربيبها الذي اشتهر بجماله الأخاد ومحاولتها إرغامه على اقتراف الحرام معها (؛زنا المحارم )
"وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن متواي إنه لا يفلح الظالمون وقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء و الفحشاء إنه من عبادنا المخلصين"



  • إسراع "يوسف" (ع) إلى الباب فارا ودخول " العزيز" ( مع شخص آخر) ليواكب المشهد في آخر فصوله ولجوء زوجة " العزيز" إلى الحيلة واتهام "يوسف" بمحاولة الاعتداء عليها.
"و استبقا الباب وقدت قميصه من دبر و ألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم"



  • دفاع "يوسف" (ع) عن نفس "قال هي راودتني عن نفسي"
  • تدخل مرافق "العزيز" [كشاهد] للفصل في الأمر، وتبرئة "يوسف"(ع) وتوبيخ الزوجة بعد إقامة الدليل ضدها.
"وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين و إن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" و "فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا و استغفر لذنبك إنك كنت من الخاطئين"



  • حدوث تطور جديد في الحكاية: ألسنة النسوة بدأت تتناول امرأة "العزيز" وساءها ما تقوله النسوة عنها.
"فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن و اعتدت لهن متكأ و أتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه قطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمر ليسجن و ليكون من الصاغرين"



  • عدم رضوخ "يوسف"(ع) لتهديد زوجة "العزيز و اتهامه من جديد بعدم كتمان السر كما طلب منه "العزيز" و إشاعة الخبر بين الناس وخاصتهم ثم دخوله السجن.
"قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه و إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن و أكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم"



تحليل:

ما نخرج به من تحليل هذه القصة القرآنية البليغة ذات الأصل الفرعوني (رغم ورودها في "التوراة" و الأصل العبراني لـ "يوسف" (ع) ، فإن أحداثها وباقي شخصياتها هي مصرية) ، هو أن عناصر الموضوعاتية الجرمية البوليسية حاضرة فيها بوضوح لا لبس فيه:

  • جريمة = انبهار وشغف زوجة "العزيز" بغلامها ومحاولتها اقتراف المحرم (؛زنا المحارم).
  • ضحية = اتهام "يوسف" بمحاولة اغتصاب زوجة "العزيز"
  • تحقيق وإقامة الدليل = اكتشاف دليل براءة "يوسف" (ع) ( ؛القميص المقدود من دبر)
  • انكشاف الجاني الحقيقي= فضح الشاهد لتصرف الزوجة وتوبيخ "العزيز" لزوجته

تعليق :

  • إن عناصر الموضوعاتية الجرمية البوليسية التي تهيكل هذه القصة الدينية البليغة تحوي في عمقها "النموذج الأصلي" البوليسي ( prototype policier) الذي ستقوم عليه مستقبلا معمارية مقولة "محكي اللغز" (récit à énigme)
  • إن العناصر الجرمية ( جريمة وتحقيق و إقامة الدليل وانكشاف الجاني...) لا تعفينا من إبداء مجموعة من الملاحظات؛ منها:
+ قرب "العزيز" في هذه القصة الدينية إلى شخصية "محصل الحقوق المهضومة " (redresseur des torts) (2) منه إلى شخصية المحقق (كما نجد في أدب التحقيق بحصر المعنى)؛ فهو محرك أساسا بواسطة الانتقام و الكفارة ؛ فالإساءة تهمه شخصيا لأنه منشغل بأقربائه (؛ "ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذاب أليم")


+ هيمنة الخارق على بعض شخصياتها (؛ "وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاشة لله ما هذا بشر إن هذا ملك كريم")

+ تدخل المشيئة الإلهية بذاتها لتحول بين "يوسف" (ع) وزوجة "العزيز" حتى لا يرتكب المحرم (؛فعل الزنا) ("ولقد همت به، وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا المخلصين")

الهوامش:

  • سورة يوسف، القرآن الكريم.
  • Jean-Claude Vareille, Naissance du roman policier,2- Chap.II, in L’Homme masqué, le Justicier, et le Détective, P.U.L, 1989, p47

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى