آصف فيصل - جَرِضَ عَلَيْهِ رِيقُهُ

بَغْتَةً آضَت عِيْشَتي غَيْهَبَانً ، تَحَوَّلتُ مِن سَلِسٍ يَحْيَا مَنِيَّته في كُلَّ حِينٍ إلى مُطَبِّب يُجْهِز على أَدْنَاف العُشَّاق خَيْبَتهم ، فيمَّحِي ما إِسْتَبْقَى من صَبَابَةٍ ما انْفَكَّت تَرَّفْسِ مُحتَضِرةً .
انْتَبَرَ السَّماءَ عُصْفُورٌ ضَالّ ، اِنْمَرَطَ رِّيشَه جَرَّاءِ مُعَانَدَة الرِّيَاح ، أَحَبّبته لأنه أَعْرَضَ عَنْ حَبْسِ نَفْسِه في عِشَاش يَنْتَظِرُ مَصِيره إمَّا بين مُخالَب قِطٍّ أو أَحْجار صِبْيَةٍ ، و إِذَا تَمَكَّنَ مِن إِبْصاَري لَلَقِيَني مِثْله ، أُصَارِع في سَبِيلِ اِنْعِتَاقي ، لستُ مُكْتَرِثاً بخَصْم هذة المُصَارَعَة علي مَظْهَري و ريَّشَي .
عَمَليّة الاِرْتِحَال البَشَريّة بِطَبِيعَةِ الْحَالِ مُسْتَحْدَثة ، مَيْمُونةٌ بالعُنْصُر المُوَرِّث للهَيْئَة ، مُيَسَّرةً بالبِيئة المُؤَسِّسَة للتَّقَالِيد ، إنَّ الموْلُودُ هُنا لا يَشْرَعَ حَيَاتَه من اللَّاشَيْء ، بل سَيَجِدُ مُسَلِّماتٍ مُهَيْمَنَة عَلَيْهِ! إنّ مِن قِلَّةُ العَقْل بِمَكَانٍ اِسْتِنْساخُ أَجْيالٍ مُشبَّعةٌ بالتَّكرَارِ .
فإِصْغِي إلى مَوْعِظَتي أيها التَائِه في دَيْجُور اللَيْل تُريد من يشُدَّ عَضَدُك ، و قد ضَؤُل إِنْدِفَاعُك و أَثْقَلَك اِضْطَراد الأَحْدَاث . يَجِبُ عليك الوُلوجَ إلى أَقْصَى مَرْحَلة ، عِندئذٍ سَتكْتَشِف أنّ الخَيِطَ القَاطِعَ بين الإتِّزان و التَجَنُّن ما هُو إلا خَيِطَ مُزَيَّف ، آمِنْ أنّ الذي تَبْتَغَيه صَائِب و كُل ما يَجُول في بَاطِنك عَقْلانِيَّ و و كُل ما تسَدَّه سَيَسِدُّ عَيْنَيْكَ إلى أنْ تُخَلَّصَه ، و اِنَّ الإِكْصَاصَ إلى الذَّات هو مَنَاص الاِرْتِيَاح ، فإِسْتَجْلِب نَفْسك قبل أن تَرْتَدَّ اليك دُمْيَةً بَيْنَ أَيْدٍ النَّاسِ تُمْزّق و تُرْمَى .
عَقِبَ كُل مَوْقِعَة يُنَادَى بِأسْامٍ المُحَارِبين رُبَّمَا لمْ يهَلَكَوا جَمِيعُهُمْ ، مع انّ المَيْدَان مُغَطَّى بالأَجْثاثِ إلا أنهم ما بَرحَوا يُنَادُون! مِثل نَحِيب الجَرِيح لتَخْفِيف التَوَجُّع و لَيْسَ مِن وَصَبِ الجُرْحَ . ثَمّة مُقاتَلٌ وَحِيد مُمَدَّد لا يُنَادَى باِسْمِه لم يظَلُّ مِنه الا رِّيقٌ ضَئِيل ، في جَوْفِه كَافَّة الأَسْمَاءَ المَنْدوهةِ ، إنه جَمِيع القَتْلَى ، شَاهَدَهم يتَسَنَّمَون السَّماءَ بعد أنْ عَلَّقوا مِيثَاقَاً عَلَى عُنْقِه ، في تِلْكَ الأَثْنَاءِ ظَلَّ مُحَافِظاً عَلَى هَذاكَ العَهْد و ما طَفِق النَّاسُ بالتَنْقِيب .
إنَّني لا أغْتَرُّ على الكِتَابَة و لا أقْتَدِرُ عَلَى تَغَاضَي سَطْوَتِها عَلَيَّ ، و اِرْتِدَادُها عَلَى كَيْنُونَتي و اِفْتِضَاحُ تَفْكِيري و تَطْبِيعِ تَّصَرُّفُاتي . أنِّني اَسْتَميتُ في خَلقِ وَضْعٍ يَسْتَوِي فِيه الحُزْن بالسَّعَادَةِ إِحْتِداماً و حُمَيَّاً و عُمْقَاً و رِفْعَةً .
لا أتَأَمَّلَ إلا الخَواتِيم ، و أنّ الحَيَاةَ كُلَّها مَكائِد عَلَيَّ الإِحْتاطَ مِنها ، و لو كان للإِحْتِياط شَفْرَات حَادّةٌ لنَعُمَت من كَثْرَةُ إِحْتِكَاكي
عَلَى هذة المِنْضَدَةُ اِنْتَفَخَتْ رِقَابَ الأَحْرُفٍ لتَنَوِّرَ أُمْسِيَة المُتَدَثِّر بحِكْمَةِ و خُلْوَة الأَنْبِيَاءَ! إِبْتَعَدَ عن ضُعْف الحَيَاة المُبْتَذَل ، لمُجَابَهَة عَصْف الاخْتِيَارِ ، اِسْتَجْمَعَ قُوَّتَه المُدَّخَرةِ فقط من أجْل الكِتَابَة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى