ابن رازكه - غرام سقى قلبي مدامته صرفا

غَرامٌ سَقى قَلبي مُدامَتَهُ صِرفا
وَلمّا يُقم لِلعَذلِ عَدلاً وَلا صَرفا
قَضى فيهِ قاضي الحُبِّ بِالهَجرِ مُذ غَدا
مَريضاً بِداءٍ لا يُطَبُّ وَلا يُشفى
نَهارِيَّ نَهرٌ بَينَ جَفنَيَّ وَالكَرى
وَلَيلِيَّ بَحرٌ مُرسَلٌ دونَهُ سَجفا
جَريحُ سِهامِ الحُبِّ عاثَ بِهِ الهَوى
فَأَبدى الَّذي أَبدى وَأَخفى الَّذي أَخفى
تَوَطَّنَتِ الأَشواقُ سَوداءَ قَلبِهِ
فَتَرفَعُهُ ظَرفاً وَتَحفِضُهُ ظَرفا
يُحاوِلُ سُلواني الأَحِبَّةَ عُذَّلي
وَهَل يَجِدُ السُلوانَ مَن يَفقِدُ الإِلفا
سَهِرنا فَناموا ثُمَّ عابوا جُفونَنا
لَقَد صَدَقونا المُرهُ لا تُشبِهُ الوُطفا
فَحَسبُ المُحِبِّ الصادِقِ الوِدِّ قَلبُهُ
جَفاءً بِشَكواهُ مَرارَةَ ما يُجفى
وَما ضَرَّ أَوصالَ المُحِبِّ مُقَوَّتاً
رَجاءَ وِصالِ الحِبِّ اِسناتُها عَجفا
لَئِن فاتَنا عَينُ الحَبيبِ فَإِنَّما
بِآثارِهِ الحُسنى اِكتِفاءُ مَنِ اِستَكفى
فَإِن لَم تَرَ النَّعلَ الشَريفَةَ فَاِنخَفِض
لِتِمثالِها وَاِعكُف عَلى لَثمِها عَكفا
وَقِف رائِماً إِشمامَ رَيّا عَبيرِها
حُشاشَةَ نَفسٍ وَدَّعَت جِسمَها وَقفا
وَلا تَرضَ في تَقبيلِ إِلفٍ تُحِبُّهُ
إِذا أَمكَنَ التَقبيلُ أَلفاً وَلا ضِعفا
بَدَت رَوضَةً مِسكِيَّةَ النَّشرِ أَوشَكَت
لِطيبِ شَذاها العَينُ أَن تَحسُدَ الأَنفا
أَيُمكِنُ رَأسٌ ضَمُّهُ الفَمَ دونَها
أَيَملِكُ جَفنٌ غَضَّهُ دونَها الطَرفا
تَرُدُّ الرَدى المَحشِيَّ وَشكُ بَلائِهِ
وَلَولا قَضاءٌ سابِقٌ رَدَّتِ الحَتفا
وَتَجلِبُ في سوقِ التَكَسُّبِ طُرفَةً
وَتَجنُبُ في مِضمارِ نَيلِ العُلى طِرفا
وَرُمحاً رُدَينِيّاً وَسَهماً مُفَوَّقا
وَسَيفاً سُريجِيّاً وَسابِغَةً زَغفا
فَشَمِّر وَأَظهِر كُلَّ سِرٍّ تَضُمُّهُ
وَإِيّاكَ وَالإِضمارَ في الشَرحِ وَالحَذفا
وَحَكِّم لَها مَن هُنَّ بِالفَضلِ حُكَّمٌ
ثَلاثَتَهُنَّ الشَرعَ وَالعَقلَ وَالعُرفا
مَضى سَلَف في خِدمَةِ النَعلِ صالِحٌ
فَكُن خَلَفاً فيما تَعاطَوهُ لا خَلفا
رَأَوا تِلكَ في الدُنيا الدَنِيَّةِ قُربَةً
إِلى اللَهِ في الأُخرى مُقَرَّبَةً زُلفى
أَرى الشُّعَراءَ الهائِمينَ تَشَبَّبوا
بِذِكرِ المُحاكي مَن يُحِبّونَهُ وَصفا
يُذيعونَ ذِكرَ البانِ وَالحِقفَ ذي النَّقى
وَيُطرونَ ذاتَ الخِشفِ بِالقَولِ وَالخِشفا
فَها أَنا في تِمثالِ نَعلِكَ سَيِّدي
مَضَيتُ عَلى التَّحقيقِ في الوَصفِ كَالإِشفا
وَإِنّي وَتوصافي بَديعَ حُلاهُما
كَمَن هَمَّ بِالبَحرَينِ يُفنيهِما غَرفا
مُوازي تُرابِ النَعلِ بِالتَبرِ سائِمٌ
جِبالَ شَرَورى الشُمَّ أَن تَزِنَ الزِّفا
أَيا مَن سَقَت أَلفاً ظِماءً بَنانُهُ
كَما وَهَبَت أَلفاً كَما هَزَمَت أَلفا
يَدٌ سُمِّيَت في فادِحِ الفَقرِ راحَة
كَما سُمِّيَت في كَفِّها لِلعِدى كَفّا
وَمَن قامَ في الإِسراءِ وَالحَشرِ خَلفَهُ
نَبيّو إِلَهِ الحَقِّ كُلُّهُمُ صَفّا
نَبِيٌّ وَقانا صَرفَ الدَهرِ يُمنُهُ
فَها نَحنُ لا أَزلا نَخافُ وَلا عُنفا
لَهُ مِكنَةٌ في عِلمِ كُلِّ خَبيئَةٍ
يَقيناً وَلَم يَحطُط عَلى مُهرَقٍ حَرفا
تَناهى إِلَيهِ عِلمُ ما كانَ أَودَعَت
بَناتُ لَبيدٍ بِئرَ ذَروانَ وَالجَفا
وَما في ذِراعِ الشاةِ مِمّا تَعَمَّدَت
يَهودُ وَلَكِن ما أَعَفَّ وَما أَعفا
وَما مَلكوتُ العَرشِ عَنهُ مُغَيَّباً
يُعايِنُهُ وَالعَينُ نائِمَةٌ كَشفا
يَجوزُ عَلَيهِ النَومُ شَرعاً وَما سَها
لَهُ قَلبُهُ اليَقظانُ قَطُّ وَما أَغفى
وَما أَرضَة البَيتِ الحَرامِ تَعَقَّبَت
كِتابَ قُرَيشٍ إِذ نَفَت كُلَّ ما يُنفى
لِمَولِدِكَ المَيمونِ آيٌ شَهيرَةٌ
شَفَت غُلَّةَ الراوينَ مِن قَولِها الشَّفّا
وَفيما رَأَت عَينا حَليمَةَ مُذ رَأَت
تَبَنّيكَ هُوَ الأَحظى شِفاءَ مَنِ اِستَشفى
وَلَو لَم يُجِبكَ البَدرُ لَمّا دَعَوتَهُ
لِما شِئتَ لَم يَنفَكَّ نِصفَينِ أَو نِصفا
وَلَم تَكُ أُمُّ المُؤمِنينَ وَإِن سَخَت
لِتُفنِيَ لَولا كَيلُها ما عَلا الرَفّا
إِلى مُعجِزاتٍ أَنجُمُ الجَوِّ دونَها
نُمُوّاً وَحُسناً وَاِرتِفاعاً وَمُصطَفّى
فَلا الدَهرُ يُحصيهِنَّ عَدّاً وَلَو غَدَت
مِداداً لَياليهِ وَأَيّامُهُ صُحفا
بِكَ اللَهُ نادى عالَمَ العَقلِ بالِياً
فَأَغواهُمُ عَدلاً وَوَفَّقَهُم لُطفا
تَأَثَّلَ مِنكَ النَجمُ كَيفِيَّةَ الهُدى
وَشَمسُ الضُحى الإِشراقَ وَالعَنبَرُ العَرفا
وَرُشدُكَ ما أَبداهُ فَاِنكَشَفَ العَمى
وَوَجهُكَ ما أَبهى وَقَلبُكَ ما أَصفى
وَنَوَّرتَ أَضغانَ العَدُوِّ مُوالِياً
عَلَيهِم هُدى الأَياتِ يُشرِقنَ وَالزَحفا
وَلي فيكَ عَينٌ ما إِنِ العَينُ ثَرَّةً
حَكَتها وَلا هامي الحَيا مِثلُها وَكفا
وَخَدٌّ كَما تَحتَ المُحيطِ مِنَ الثَرى
فَآلَيتُهُ لا جَفَّ إِلّا إِذا جَفّا
وَفِكرَةُ حَيرانِ الحِجا قَذَفَت بِهِ
نَوىً شُطُرٌ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِب قَذفا
وَقَلبٌ تَوَلّى الحُبُّ تَصويرَ شَكلِهِ
صَنَوبَرَةٌ ثُمَّ اِستَبَدَّ بِهِ حِلفا
فَكانَ سَواءً عَذبُهُ وَعَذابُهُ
عَلَيهِ فَما اِستَعفاهُ قَطُّ وَلا أَعفا
وَشِعرٌ بَديعٌ لَو حَوى الفَتحَ شينُهُ
تَمَنَّت عَذارى الحَيِّ وارِدَهُ الوَحفا
فَإِن لَم يَكُن حَقُّ النَبِيِّ فَزُخرُفٌ
إِذا زُلزِلَت لِلحَشرِ أَلفَيتَهُ كَهفا
قَفَوتُ بِها الشامِيَّ في الفاءِ موقِناً
بِأَنّي وانٍ دونَ إِدراكِهِ ضُعفا
أَنا التابِعُ النَعّاتُ فيكَ مُؤَكِّداً
بَيانَهُمُ أَرجو بِهِ عِندَكَ العَطفا
تَخِذتُكَ كَهفاً دونَ ما أَنا خائِفٌ
فَلَم أَخشَ في أَعقابِ حادِثَةٍ لَهفا
فَرِشني وَمَن راشَت يَداكَ جَناحَهُ
يَكُن آمِناً ما عاشَ في دَهرِهِ النَتفا
وَأَطلِق سَراحي مِن ذُنوبٍ عَظيمَةٍ
تَعاظَمَني إيثاقُها لَيتَني أُكفى
عَلَيكَ صَلاةُ اللَهِ جَمعاء كُلُّها
وَتَسليمُهُ ما طاشَ عَقلٌ وَما أَلفى
وَآلِكَ وَالصَحبِ الَّذينَ عُلاهُمُ
أَقَلَّنهُمُ أَرضاً أَظَلَّتهُمُ سَقفا
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى