عبد الجبار الحمدي - هل لي بكأس من الويسكي.. قصة قصيرة

تأتزر حزنها وهي تدفع باب الحانة التي ما أن دخلتها حتى تسارعت إليها رائحة الدخان والويسكي والجعة... تنشقته لكأنها تريد أن تُشعر براعم أنفها قائلة لها: ها انا أعود بك محاولتي الاقلاع بشتى الوسائل لكن يبدو أني فشلت فعالمي بائس مليء بالترهات، إني بلا عمل وكثرت ديوني، أكاد ألقى الى قارعة الطريق بعد أن تأخرت عن دفع إيجار مسكني التعس والمتعهد عليها الحقير الذي لا ينفك يترصدني يريد ان يمارس الجنس معي على أن يتريث في إلقائي الى الشارع... فصديقي هرب مع عاهرة غيري لم يكتفي بي، هذا ما قاله بعد ان ادمنت الشرب وتعاطيت المخدرات، بت باردة كالثلج حتى أثناء ممارسة الجنس معه، يفتقد هو الى أنوثتي التي شعرت بالحقارة من جسد مهنته ممارسة الرذيلة... الرذيلة!؟ يا لها من كلمة تلذع كالسوط على كل ما ظننته في الحياة وحسبته نقيا، خاصة بعد ان انتقلت للعيش بمفردي... كارثة عالم التسكع في بناء الأحلام، لم اتخيل يوما ان تيار التعاطي سيجذبني حيث أبيع جسدي من أجل غرام من المخدرات... الى أن ألتقيت بمارك الذي شعر بما كان باقيا من أمل في إصلاحي... حاول جاهدا وطويلا ابعادي عن العالم الاسود، تحمل الضرب والشتيمة وحتى التهديد بالقتل.. لكنه كان عنيدا جسورا، أخذ بيدي وساعدني وأجر لي المسكن الذي انا فيه الآن، عاش معي لفترة حتى شعرت بأني استعيد انفاسي... شاركني في كل شيء حتى حضور جلسات التأهيل وإعادة بناء نفسي وجسمي.. شعرت بالتغيير يدخل حياتي فطالما ترددت سؤاله، لم تفعل ذلك معي؟ هل هناك معرفة من قبل؟ ام هل شعور بالعاطفة اتجاهي؟ ام أنك تفعل ذلك معي ومع غيري... ام تراك اعجبت بي؟
كان جوابه مخيب لأمالي لكنه صادق فقد قال: أني اشبه اخته التي توفيت نتيجة تعاطيها جرعة زائدة من المخدرات، محاولته لانقاذي ربما اعتبرها واجب عليه إكراما لذكراها، فهو لم يكن حاضرا لها لمد يده إليها، قد لا يكون يستطيع تقديم الخدمة للعديد ممن هن في حالتي لكن هذه إمكانيته..
شعرت بغصة من رده، فقد كان لي امل بان يكون معجب بي، إنه شاب وسيم وخلوق، حين أراه احس ان الطمأنينة تجذبني إليه وشعوري بالراحة في التحدث إليه فوجوده لا يمل.. كان ذلك منذ شهرين ونيف تقريبا، قال لي وقتها... انه سيسافر الى بلدته، فوالده مريض جدا ويحتضر، يحتاج ان يكون الى جانبه ليرعاه و والدته قد يتأخر في العودة لذا علي أن التزم بجدول الجلسات ومراعاة نفسي، ترك لي مبلغا يسيرا وأشار انه سيرسل لي الايجار في بداية كل شهر... لكنه لم يوفي بما وعد.. أعني بما قال..
الجميع ينظر إليها، فأغلب رواد الحانات يعرفونها مسبقا من عملها، جلست الى البار وقالت للعامل خلفه... هل لي بكأس من الويسكي؟ رمقها عجالة.. سارع بوضع الكأس أمامها معلقا اتراك عدت لمقارعة الخمر كلوديا وقد حرك اصبعه بإشارة لا كالبندول عدة مرات ثم ادار نفسه ليتابع عمله.. أما كلوديا فقد امسكت بالكأس اخذت تحلق بأصبعها على حوافه كأنها تريد ان تهيء نفسها لتلك المحاولة التي لم تقتنع بها، حتمت الحياة عليها ان تعود عنوة هكذا اقنعت نفسها بعد ان تركها مارك، لم يحاول الاتصال بها بعد رحيله، اقترب منها احدهم في محاولة لإستمالتها وقد وضع يده على مؤخرتها هاي.. كلوديا كيف هو حالك؟ ما رأيك تشاركيني الفراش سأدعوك الى ما لم تشاهديه من قبل إنه هذا.. أمسك بقضيبه يهزه دون أن يخرجه إنه يدعوك لملاطفته بشفاهك، هلا قبلت؟ سأدفع ثمن شرابك وازيد عليه حتى تكتفي، ماذا قلتِ؟ لم تتعب نفسها كلوديا نظرت إليه بشزر كان جوابها يدها التي تسارعت الى الزجاجة القريبة منها أسقطتها على رأسه فرمته أرضا وهي تقول: اعطيه لعاهرتك وامك أيها الحقير، أنصتوا جميعا لست كلوديا التي تعرفون وأقسم كل من يحاول ان يقترب مني او يضع يده علي سأقتله اسمعتم يا اولاد العاهرات... كان شرر الغضب بخرج من عينيها، علم من رآها أنها تعني ما تقول اما ذلك المخمور حمله بعض صحبه وأجلسوه مغما عليه بينهم... عادت حيث كانت، لا زال كأس الويسكي أمامها لم تشربه فعاد عامل البار وقال لها: بات الأن عليك حساب الزجاجة التي كسرتِها والكأس الذي لم تشربيه، ترى كيف ستدفعين حسابهما كلوديا؟ قلت لك إن هذا العالم الذي خبرتيه موبوء وفاسد لقد عملت في هذا المجال ردها طويلا حتى عَلّمت نفسي أن ابتعد كل البعد عن مقارعة الخمر إلا في مناسبات خاصة وضيقة جدا.. هيا اتركي شرابك وأذهبي، قومي بالبحث عن عمل ما، ربما ستجدين فرصة لإعادة بناء حياتك ,اظن مارك في مرة قال لي أنك تغيرتي الى الأحسن وطلب مني في حال طلبتي المساعدة أمد يدي إليك وأظنك فعلتي، ها انا امدها دون أن تطلبي خذي هذه القصاصة فيها عنوان شخص يدين لي بصنيع، قولي له إنك من طرف رأس المطرقة، هو سيقوم على ترتيب حاجتك لا تطمحي بالكثير لكنها بداية ورد صنيع لمارك أيضا هيا اذهبي من هنا..
شعرت بشيء من الراحة هاهو مارك يرعاها حتى في غيابه وإن لم يكن كما وعد، لكنه ربما أحس أني ساسقط من جديد في الوحل الذي كنت مقبعة فيه، يا لك من رجل مارك شكرا لك أين ما كنت؟
عملت في مكتبة كبيرة مباشرة بعد ان سلمت تلك القصاصة الى صاحب المكتبة الذي بدوره أجابها حسنا ولكن من أين تعرفين المدعوالمطرقة؟ أعني رأس المطرقة
كلوديا: الواقع صديق لي كان يعرفه وأنا كذلك لكن ليس كمعرفة صديقي له..
بلاك: إني ادعى بلاك واسمي كلوني هذه هو الواقع وارجو ان تكوني عند حسن ظن رأس المطرقة فهو لا يعرف سوى الطيبين من الناس ربما في فترة ما حادوا عن الطريق لكنهم بالتأكيد لن يعودوا إليه أليس كذلك يا..
كلوديا أدعى كلوديا يا سيد بلاك
بلاك: حسنا إن شئت أبدئي العمل الآن مادمنا في وسط النهار او إن رغبت في الغد باكرا.. قد تكون اسبوعيتك ليست عالية لكنها تفي بمقتضيات حاجتك وسأزيدها مع زيادة ساعات العمل او الإضافي إن رغبت ساحسب لك أربع دولارات في الساعة ما رأيك؟
كلوديا: أوه سيد بلاك إني ممتنة لك وقبلها الى السيد المطرقة أعني هانز، إن الذي يحدث غير متوقع أبدا، لقد كنت على حافة الإنهيار لولا هانز وبالطبع انت... شكرا لكما سيدي
دحضت كلوديا تعاستها وقد استأذنت السيد بلاك بأن يعطيها مبلغ إيجار شهر على الاقل على ان يستقطعه منها كما يراه مناسبا له، ستعتبره فضل او صنيعا سترجعه في يوما ما للإيفاء به.. تغيرت حياة كلوديا ولم تنسى يوما موقف المطرقة معها والذي كان بمثابة طود انقذها من الغرق في بحر الضياع.. غالبا ما تمر عليه تسلم وتترك له وردة تعبيرا عن شكرها له، وفي مرة رغبت دعوته بعد أن أعدت العشاء كما دعت السيد بلاك للمشاركة أيضا... استعادت حياتها قليلا.. قليلا... زادت من وعيها من خلال القراءة كما نصحها بلاك خاصة أنها كانت قد انهت دراسة مرحلة الثانوية، شجع هانز وبلاك كلوديا على دخول الكلية التي ترغب و وعدا أنهما سيساعدانها ايضا في تحمل عبىء المصاريف..
كم كانت سعيدة كلوديا وهي تستنشق الحياة دون دخان ملوث او رائحة خمر وجعة مغشوشة.. وفي يوم كانت قد حملت معها بشارة قبلولها في أحد الكليات هرولت مسرعة حيث الحانة لتطلع هانز على الأمر كان الإضاءة خافتة كالعادة لم تستعد رؤيتها إلا بعد لحظات فغرت فاهها، إنه مارك بالتأكيد واقف قرب البار يتحدث مع هانز وضعت يدها تخفي صوت المفاجأة لكنها صاحت مارك... هانز إنه مارك أليس كذلك؟
هانز: هههههههههههه لا بل شبحه هههههههه هيا تعالي لقد جاء يسأل عنك بعد ان ذهب الى مسكنك ولم يجدك فقد اخبره المتعهد بتركك المكان وانتقالك الى مكان لا يعرفه...
قال مارك: كلوديا عزيزتي كيف هو حالك؟ لقد اشتقت إليك..
لم يردعها ردة فعله سارعت الى حضنه وقد ضمته بشدة وهي تقول: يا لك من مارك لا شك انك افتقدتني لذلك عدت أليس كذلك؟
مارك: بالتأكيد كلوديا خاصة بعد ان سمعت عنك كل خير من صديقي العزيز هانز..
كلوديا: لا تعلمان كم انا مسرورة ولا ادري بأيهما أكثر بعودة مارك ام بقبول طلبي في الكلية..
صاح الاثنان يا للبهجة وقد ضمها مارك إليه ، اما هانز فقال: شراب هذه الجولة على حساب الحانة..
هلل جميع رواد الحانة بصخب دون معرفة السبب، فعالمهم مليء بدخان السجائر ورائحة الخمر المغشوش.
القاص والكاتب/ عبد الجبار الحمدي
  • Like
التفاعلات: فاطمة الفلاحي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى