عباس علي العكري - انتفاضة.. تتجدّد أشكالها!

عباس العكري.jpg

تنتفضُ بشدة ممّا سيحلُّ بك غدا، لا رفيق لك سوى الغربة والليل الطويل، تحاول النّوم و الجاثوم يهاجمك مرة أخرى، ها أنت تخرج من الفندق المطلّ على السّاحل لا تدري إلى أين تسعى بك رجلاك النحيفتان، تحمل حقيبة سوداء فيها أثمن ما احتفظت به لأيامك العصيبة. تستنشق أنفاساك وتزفرها مثل قطار ينفث دخانه، وترقص انتفاضة البرد، تواصل السّير في بلاد الهجرة حيث وفدت عليها ضيفا منذ أيام؛ يهطل المطر بغزارة في الطّريق المتعرّج الذي تمشي فيه ببطيء، وتخاف الانزلاق الذي أصبح عادتك.

تقف برهة تلتقط أنفاسك عند منعطف بجانب عمود الإنارة الخافت نوره.. تنظر يمينا لمستنقع الوحل الذي هو أشبه بالمستنقع الموحل الذي لعبت فيه أيام طفولتك، لطالما رميته بالحجارة؛ فتتشكل فيه ذبذبات دائرية راسمة البسمة على شفتيك. لقد فارقتك الابتسامة منذ زمن طويل، مشاعرك تتذبذب اضطرابا وتناجيك سراً: ألم تكتف من هذا الوحل! تركض بلا مبالاة تريد أن تنتفض على ما أنت فيه، بمغامرة جديدة من مغامراتك المتهورة إلى أن وقعت على وجهك البائس، تغضب وتقذف ببعض الحجارة نحو حاويات القمامة هناك، ومن بعيد تلمح ظلالا تتحرك.

تصغي لنبرات غريبة، وتمعن النظر لأيادي مرفوعة تشير لك بالتّوقف، يستقرّ شعاع الليزر على حقيبتك وحيثما وضعتها تحرّك الشّعاع معها، يرتجف قلبك خوفا، والعرق يفيض من جبينك. تبدأ تلعن حظك: أهل أصاب أحدهم الحجر؟ لعلّ لحيتي الكثّة أصابتهم بالخوف، ربما ملابسي العربية هي السبب! وكلابهم تنبح عليك بجنون، تزداد يقينا بأنّ المشهد قد بدأ للتّو، وأنّ أي حركة منك ستحوّل الوضع إلى مشهد مطاردة أنت الأرنب فيه بلا ريب. يشير لك قائدهم المقنّع بترك الحقيبة، ونفسك تهمس لك: حقيبتك أشبه بالمتفجرات.. يا لتعاستي.

تمسك حقيبتك بقوة ويراودك شعور بأنّك لن تراها أبدا، احتفظت بها طوال الخمسة والأربعين عاما التي عشتها في بلادك، وبركان الكلاب يستعر.. فجأة تعدو الكلاب ولعابها يسيل، وتعضّ يد النّدم على الخروج في هذا الوقت النحس، وتنظر للجند حيناً و للكلاب تارة أخرى، ويفزعك الكلب المقطوع ذيله ذو الفرو الكاكي الذي سبقهم جميعا، ثمّ تسمع صوتا من خلفك أصابك منه الرعب أكثر ممّا أنت فيه، فبدأت تصرخ بأعلى صوتك رافعا حقيبتك للسّماء، فأدبر عنك مولّيا ذلك الكلب اللّعين، وتنظر للخلف لتجد قطا ينتفض عند حاويات القمامة والحصار يشتد عليه، الآن تدرك أنّ الوقت حان لتنتفض نحو المجهول مع حقيبتك دون أن تكمل المشهد الذي لازلت تحاول معرفة خاتمته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى