صلاح عبد العزيز - أقواس لا تكتمل.. شعر

* قمر

لأنك جميل تصر على المجئ
بين خضرة وأشعة شمس تحرك الهواء بلطافة
كأنما الصحارى أصبحت هباء
والبحار جنات لبشر
يتنفسون مع الأسماك
يتحدثون عن عجائب ..
وينتهى الحلم
لكنما تظل أسماكا عالقة فى الفضاء
وقاعاً تراه خلف الوجوه الناحلة .

* برق

لست وحيدا تماما
فى عاصفة تسيل
ونهار آيس
تلفع الوجوه كنبى فى الظلمات
تحفر ألواحك عبر فراغ يصعد
يزيح ضوء باهتاً
لقمر موسمى
يبزغ عبر متسعٍ ضيقٍ
مثلك سيفٌ مشرعٌ أيها البرق .

* النسمات

مثل سحابة تأتى بلا ضجة
تطفو بسطح الوقت
تهب من مرقدها
تنأى خلفها المسافات
صوتها موسيقى آتية
على مائدة بلا أطباق وربما
أقواس
تعشق الظل تحت شجرة بالجوار ..
لا تكتمل
تلك النسمات ..
لعلها حين تتذكر
القاع تنخلع من ليمونها رائحة الليمون ..
تلبس بهجتها ..
تدلف فى المنحنيات أرواح ملائكة ..
بين موسمين تضع نارا فوق جبل
وجبلا فوق صخرة
والصخرة حيث أبجدية
تطل كوردةٍ فى حديقةٍ
وشجرةٍ فى ميناء تنتظر مسافراً
وطائرٍ فى الرواق ينقر كفك .

* شهوات مفاجئة

ربما إذا اختل توازنك يقفل الفراغ فجأة
وحين تستعيد وجههاً
يكون القمر
فى مقبرة جماعية يدفن ضوءه
يخرج موتاه دون ارتواء ودون ألفة
سوى صدى القرن 19 :
من تحملوا غربة الأحباب
فى صمت تحت أشجار الزيزفون
أو فى مصانع الفحم ..
يخرج باهتاً وجهك كلما مر حزن
فى عين صبى الحى
إلى نصف ليل
ونصف مسافة إلى القمر .

ولعلك حين تقرئين أوراده القديمة
تتذكرين رجلاً فى آخر الممشى يلعن الحرائق ..
تدورين
دورة كاملة كل 5 دقائق
حول مقعد ، تنعتين نفسك أيتها الفضولية
بأنك حافظة للأسرار
وعن سبب الغياب تنكرين
أنك كنت تتذوقين طعم رجل آخر
تتقيئين بضع كلمات يبقى صداها
فى هواء يتنفسه دونما رغبة حقيقية
مرغماً على البكاء
مع طيف مهرج يندس وسط الجماهير .

* حافة المدينة

إنها امرأة
عمرها عمر زهرة
تسافر فى دم السحب والذكريات
تمر القرون إلى سمائها
تموت فى آخر الربيع
ويموت فى الربيع التالى من يمر من هنا
حتما سنمر من هنا
وبلا موت نموت
نلم
ضحكات سيد وسيدة من الذاكرة الحية
ضحكات امرأةٍ خضراء
من كتابٍ أخضر
فى منتصف زمان العالم
تمر أجساد
لا تستريح
عالقة فى فانوسها
تضئ نبض الجالسين
تبحث فى مدينة العسكر
فى التباس الناس
وحوائج كانت معها
لا تلين
يدها البيضاء
قماش فوق فتارين شمع
فر من مصنع الشمع على قدمين
من فضة الوقت
من أربع شهور كنا خمسة
والآن أصبحنا نصف العالم ،
هى نصف وأنا نصف
كلانا أنصاف فى أنصاف
فى جلوسنا فوق حافتها .

* زيارة للفراغ

الأيام تسير وحدها فى الفراغ
تبحث عن وقت سقط منها بلا تعمد
والزمن فى سيره المتوقف جعل الأشياء لا تشيخ ..
أى عذاب هذا التوقف
بلا احتضار أو مواليد جديدة
أو حركة مفاجئة للخلف أو الأمام
كأن يزورك وجه من الماضى
أو شجراً يكبر أو عصفوراً
يتجول فى حديقة لم تكن هنا ـ أبدا ـ
وبلا تعمد تتجدد الحياة فعلا
وتنمو الأغصان إلى أن ترى سنديانة
وآلاف الطيور تلتقط الأيام بمنقارها
فيلتئم الفراغ .

* أسباب للفرح

الأسباب التى تجعل المحبين فرحين
ليست هى الأسباب التى تجعلك فرحا ..
أيها الطائر الأليف ..
تعبر غير واثق أن المدينة تُغلق أبوابها ؛
أن الموج يمكن أن يكون قاسياً هكذا ،
تتأمل إشراق كائناتٍ ميتة
تبحث عن رحيق ،
ما بين الدور المتراصة والحوانيت
تتذكر ضوء مصباح فى أعماقِ بئرٍ
وملامح قديسين أكلتها الظلال
وصدأَ الذكريات وتآكلَ المعادن .

* تحولات العاصفة

عاصفة فى الشاطئ الآخر
علّها تظلل موجةً تقترب
تحكى عن قمرٍ كان
وهواءٍ لم نمسه
حين يجئ تنحنى المويْجات ..
ـ ذلك الصيف القاسى ـ
يستريح على الرمال
ينظر العاصفة فى كفه لا تريم
وربما
يلتفت لطائر يهم بالطيران عبر صخرة عالية
فليكن العالم نار
والنار فوق جبل
والجبل فوق صخرة ..
والصخرة فوق قلبك ؛
ليس سوى القاع يصعد على سلمه
وأنت الوقت النازف تلوذ بتمائم نفسك .

* يتجول فىّ

شخص بلا وجه
يتيه فى الفراغ
يمسك الهواء
كفراشة فى حديقة
لمرور صوتك أو وجهاً يعبر الأسلاك
فى أول الليل
وجهٌ هوائى ليس له ثبات
لكلٍ :
حين ينهمر الصباح
بغتةً
بلا مقدمات
على الطبيعة أن تهب
تخترق الجدران
يقوم الموتى
حين تلامس أعينهم حد الشعاع .


* من ( ديوان الضحك)
صلاح عبد العزيز - مصر



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى