محمد بنصالح - حين يكون الليل ليلا!

كان ليلي حالما ملتاعا، مناي فيه أن لا ينجلي، فأكاد أمسكه بيدي وأستبقيه أكثر، ليطول سمري.. كم كان الليل جميلا رطبا، مضمخا بعطر يسكر أريجه الروح، يبدو لي بأن ينضب عمري فيه ولا أندم عليه، وأعيش كل نسمه بتؤدة، ثم يأتي الفجر، لأكنز ليلي هنا بانتظار مرور النهار، ثم أتولى إلى كنزي، وهكذا كنت وكان، وها نحن ذا أقبلنا إلى (فعل ماض) وكومة ذكريات نابعة من الاطلال.. ثم الليل قد صار نفقا لا ضوء في آخره، موحش هو، أصرف أنظاري حتى لا أراه، إنما لا جدوى في القيام بذلك، فهو يستوطن كل مكان حولي، يمتزج مع العتمة، فيكاد يكون العتمة.. عند احتضار النهار، يترأى الليل من بعيد آت وخلفه رهط من الكلاب المسعورة، وفوقه غيمة متلبدة، يحمل في يده قناديل مكسورة، كانت إلى الأمس مضيئة تبث شعاع نور.. وعلى مرمى مني يأمر جواده بأن يتوقف.. أقول له : "ترجل يا أيها الليل، فإني لا أتحمل أن أنظر إليك من الأسفل". يصهل جواده ويضرب بحوافره الأرض، يرد علي الوافد، ليلي : "إني قد نظرت إليك كثيرا من الأسفل". أقاطعه : "أحجم يا ليل وارحمني، فأنا وكما تعلم لست قادرا على ردعك". يقول الليل ردا وقد ترجل من على صهوة جواده : "ماذا لحقك ليضرك من ورائي يا تعيس؟".

- "وفادتك يا ليل تراود فجائعي.. إليك عن ذاكرتي أترجاك، دعها تنعم في سكونها، فإني أريدها كذلك، أن تكون ساجية، فتورها؛ يعيد لي تلك الغمضة العين التي يليها النوم".

- "كنت ليلا، وما زلت، بقمري المتوهج ونجومي البراقة.. لا ذنب ذنبي؛ إنما قناديلك المكسورة حجبت عن رؤياك بهائي، وأفقدتك ما لم يدر في خلدك البتة، ثم انصرفت تتخذني عدوا ! أليس هذا هزوءا"؟.

ما كنت لأجد ردا، فتجمدت في مكاني كأصنام المعابد، وقد بدا لي الليل صائبا.. وكان علي أن أفتح عيناي على الحقيقة الماثلة أمامي، التي أحاول في كل تارة شجبها، ونكران وجودها : أن الليل ليل لا يتغير.. لكن ترى ماذا أصابه في عيني؟ الأرجح أن الليل قد تم تفريغه من حلمي القديم.. ثم تكسر القنديل ولم يكتف بالانطفاء ! وفي الحالين تلاشى النور؛ لكن لا سيان، شتان بينهما. فكرت : بماذا كان يفكر يوسف في قعر الجب؟ أهو نجاة من العتمة؟ أو غدر أحبته له؟.

- تمت -

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى