صلاح عبد العزيز - ديوان: وقال الدهر.. شعر

* فناء

صاحَ الرَّدَى فَتَبَدَّدَت أَحْلامِى

وارْتَدَّ فِى طَرْفِى رَمِيمُ عِظَامِى

وتَصَيَّدَت قَلْبِى دَبِيبَ هَوَاجِسٍ

لَيْسَت تَحِنُّ عَلَى مَدَى الأَيَّامِ

وأَشَدُّ ما أَلْقَاه فِى لَيْلِ الهَوَى

مِنْ مُشْجِيَاتِ الرُّوحِ والأسقامِ

أنِّى أُفَارِقُ لَذَّتِى وسَلامِى

وأُفَارِقُ الأشْعَارَ فِى الأنْسَامِ

هذا التُّرابُ أَرَاهُ نَبْضَ شَبَابِنا

هَدَأَت لَيَالِى أنْسِهِ بِغَرَامِى

لا دَمْعَ إلا وارْتَوَى مِنْ خَاطِرِى

لا مَوْتَ إلا وانْتَشَت أوْهَامِى

وإذَا الزُّهُورُ الثَّاكِلاتُ لِرَوْضِهَا

ينعين حبا خافت الأنغام

وإذا الحريق بمهجتى يطوى المدى

وتسابق الأنات لحنى النامى

أيكون وهما ما أراه بناظرى

وأنا الذى متشبث برغامى

ألفيت قبرا ضاحكا لأليفه

يدنى المخالب للذى قدامى

فظللت أحسو كاسه ونيوبه

كالمعول المتحفز الهدام

فدنا الفؤاد إليه قلبا نابضا

حضن التراب وقر تحت رجام

ترك المُعنى فى غلالة بؤسه

يطوى الجراح بخمرة الخيَّام

هذا السحاب أراه طلا خانقا

وإذا دنى خلْت الدموع هوامى

شاهت وجوه عوالمى ونجومها

أفلت ، كما يمضى الردى بزمامى

قد سطر الحب المدمى أننى

ند الخلود بشعرى المترامى

فإذا الدجون تجمعت فى مهجتى

وطوت يد الأقدار قوس الرامى

قد لا تجد إلا هيولا جاثيا

شفق المغيب على ثراه الدامى

*

نار وانتظار

إذا أسدل الليل ستر الظلام

ونام الضياء بكهف القتام

وراح المساء على بابها

يغنى الحياة ويلقى السلام

وطل النخيل لأعلى الغيوم

لينظر بين الدجى والغمام

ومرت علىّ طيور الأمانى

لتنشد وكرا بعيد المرام

ترانى هنا مستباح الجنان

لفكر شريد يذيب الغرام

أمد عيونى فى سرمد

وبان علىّ الضنى والهيام

فلم أر غير السكون المميت

وصوتا يقول الختام الختام

كصوت احتضار النجوم التى

ترف على لحنىَ المستهام

ومال على أذنىّ بهمس

وردد هذا النداء الحرام

فلى مهجة شاقها موعد

فمدت إليه دموعا ضرام

وكان النسيم يرد الصدى

ليهدأ فكرى الشديد الزحام

تكلم عشب لئيم الطباع

وقال بصوت كرجع الحِمام

: جلست طويلا بهذا السكون

وأضناك وهم انتظار اللئام

وأنت انتظار ونار وروح

تفور بعمق العروق الضخام

ألا فانظر دبيب الملال

يعربد فى جونا والسقام

فقم بين هذى المروج وسر

وخلِّ الوراء لتدنى الأَمام

وكدت لوجدى ألقى العنان

وأدنى إلى راحتيه الزمام

ولكن طيفا سرى كالعبير

ورد على مهجتى بالسلام

فقمت أقبِّل كفت قضت

على سافيات الظنون الجهام

أرد تحايا الحبيب الكريم

وكانت تحايا كرام كرام

*

كما مر

أسدل الليل طريقا لعناقيد النجوم

ثم غابت عن عيونى فتولانى الوجوم

وذوى القلب وحيدا بين أطياف الغيوم

لا يرى إلى ظلاما يختق الدمع السقيم

باحثا ليس يهدا عن عذابات تدوم

فى رغاب صاعدات هابطات لا تريم

المنى دنياه حتى لم ير النسم الحليم

إن فى النفس حطام كالسواد فى الأديم

كم بدنيانا نفوس هى وكر للجحيم

وتمر فيها رياح تذبح القلب اليتيم

ألق يخنقه دوما شبح الماضى العتيم

صورة الحب الذى فاق ما فوق السديم

فإذا شئت حياة لا تسل أين النعيم

هو فى مغناك صرفاً وانثيالات النجوم

غير أنا لا نرى إلا تباريح الهموم

إنما الحب مدامُ ونديم للنديم

فإذا نحن ارتحلنا حيثما عشنا يقيم

فكما مر نسيمٌ سوف يتلوه نسيم

*

سر احتراقى

سر احتراقى فى الهوى وشقائى

أنى أحب فلا أطول سمائى

ولقد لهوت مع العذارى والنسا

ء فما سلوت وما أرحت دمائى

قدر الهوى يبقى علىّ موحدا

ووحيد حب فى دجى وشقاء

مترديا فى صخرة الأحلام حطَّـ

ـــمنى الهوى فى لجة سوداء

كزورق عبثت به الأنواء فى

الأسحار ثم اغتيل فى الأضواء

وهى الحقيقة يا فؤادى غيرَ أنَّـ

ـك ساهم كالليلة الظلماء

ترى بنيران الجوى أشلاء حـ

ـب إنها من صرخة الأشلاء

آفاق موت فى ذرا صمت ومعـ

ـول هادمٍ فى صخرة جوفاء

*

آلام جرح

يد الأقدار لا تنسى ولا الأيام تنسينى

عن الأحباب تبعدنى كتنين فتسبينى

يساكن قلبى الطفلىّ يأوى فى براكينى

شربت سلافها مرا وغامت فى شرايينى

كؤوس من ثرى لحد تنادم دمع مجنون

رأيت النفس لا تسلو وقبر الوهم يأوينى

به الأشباح تقتلنى وتمحونى وتحيينى

كأنى ساكب لحنا علاه حبابه الطينى

بليل ما به نجم فلا نور يلاقينى

ولا بشر بدنياى على دربى على دينى

غرقت ببحره اللجى لا شيئا ليهدينى

وعشت العمر لا أحياه غير شبابِ مدفون

شريدا بين خمرته فيبعدنى ويدنينى

جبان أنت يا قلبى تلاقى الإثم باللين

حسبت النار إن شبت ستحرقنى وتطوينى

فقمت أصب نيرانى بدمع رام تكفينى

وذكراها تعذبنى وفى وجهى تعزينى

لوجهك أنت يا قمرا ويا فجرا يسلينى

أبوح لكأس أشعارى فما ذنبى بتكوينى

أقام الله لى جسدا وروحا ليس يكفينى

فيا بؤسى على فكرى إذا ضاعت رياحينى

أينعى الورد ما يبغى وعطر الورد يسقينى

نهود البؤس من أمسٍ ومن حين إلى حين

إلى ليل نهايته بلا شط يلاقينى

وفجر سال فى دمعى وضوء لا ح يطوينى

بصدر شفه الحزن على أنغام محزون

وطير هاج فى وكر على موت البساتين

فلا قرّت صبابته ولا هدأت شرايينى

ولا نامت فواجعه ولا هجعت أفانينى

ولا هدأت بأشجانى ولا راحت تُباكينى

سأجرع كأس أحزانى

لعلَّ الحزن يُفنينى

أشارك ذل جثمانى

على أعتابها الجُون

لعل إلاهة العشَّاق تُبرئ جرحَ مسكين

*
نزارية

يغرينى حسنك يغرينى

بالحب ومنك براكينى

بركانى لن يهدأ حتى تخضر عيونى وجفونى

فالحب بعينك أرقنى فكأنى حجرا بسكونى

يا امرأة مازالت تعشق صورا من ماض مجنون

لم تدر بأنى فى الماضى مازلت أعيش ليمحونى

وأجرح عمق الأزهار بشكى وبكفرى ويقينى

وتمرد فى عينى الحلم فأحلامى ليست تكفينى

وكأنك دربا للحزن يعانق دربا بجبينى

يا أحلى عطر فى الدنيا يا أحلى من عطر الليمون

صبى الأنغام على جسدى فشفاهى ليست تروينى

صبى نيرانك فى جسدى كى تشعل عمرى وسنينى

إنى يا قدرى لم أعلم أن النيران ستحيينى

فالحب بعينيك جنون يتجمع فى كاس جنونى

*
تائه أبدا

إنى عشقتك عشق الروح للخلد

إن غبت لا أرتوى إلا من السهد

كيف انشطارى وأنت الروح فى جسدى

ما عشت إلا رجاء منك بالعود

يا من وعدت وكان الوعد أمنية

أجرت دموعى فكيف المطل بالوعد

لو تعرف الشوق كم بات يدفعنى

إلى الجنون لكنت النازح المفدى

الحب يا مدنفى إن كنت تعرفه

لما استطعت مضيا فى النوى المردى

هذى الحياة جحيم بعد فرقتنا

ليس الربيع ربيعا من لظى البعد

رفقا بقلبى إنى عشت منطرحا

بالبيد أُصلى بحر القلب والوقد

ظمآن أرسل طرفى فى الفضاء سدى

( للمنهل العذب والإيمان والرشد )

فما ملكت دموعى أن تسيل دما

يا بؤس ما عانت الأفكار من وجدى

*

أنا وأنت

ربيع تولى فروضى عليل

وجاءت ورودى بعطر قليل

أحس بجنبى وقع خطاه

كأن خطاه خريف طويل

فشف جراحى جرح جديد

وأشجى حريقا بجفنى الكليل

وجاء فؤادى بقايا فؤاد

تحطم فى صخرة المستحيل

وجاءت دمائى بقايا دماء

تجمد فيها الغرام القتيل

وجاءت عينى بقايا عيون

تغلغل فيها السراب الوبيل

تولى بصدرى حريق البقايا

ومات الجمال بصدر الأصيل

وهذا الزمان زمان البقايا

يعانق خط الحياة الملول

ومهما يجافى الربيع المدار

وشط المزار إليه أميل

فمهما أساء الزمان القبيح

ففى عمق قلبى نور جميل

تألق حتى استدار اخضرارا

ونام اغترارا ليسبى العقول

أنا أنتَ .. نهر بوادى الشقاء

تعربد فيه الليالى الطويلة

تجورُ عليه رياح الظنونِ

إذا الليل جنَّ وأرخى سدوله

نعيشُ بذكرى طواها الغمامُ

ونشقى بوهم نراه البطوله

نروح ونغدو بدرب النجوم

ونروى الكواكب دمع الطفوله

كبرنا أجل !! قد كبرنا لعمر

يناهز عمر الورى بالفضيله

غدا سوف نحيا بفكر الأنام

أساطير عشق طواها الزحام

على قمم نسمع الطير يشدو

وننسى الحياة كأنا نيام

ننام كأنا ملكنا الوجود

ويلهو على وجنتينا السلام

ونغفو على عطر أحلامنا

وننأى بعيدا بسطح الغمام

فيا فرح قلبى إذا غدونا

ـ وبعد البقايا ـ نشيد ابتسام

غدا بهوانا تسير النجوم

ويخفق نايى برغم الظلام

كمثل الضياء يرف علينا

نسيم الخلود بأشهى كلام

وتأتى إلينا طيور الجنان

لتسكن فى غابة من غرام

*

اللحن الخالد

أهجرنى إن شئت فإنى أحببت ومشتاق ظامى

فلعل بعيدا قد تلقى أحلامك للحب السامى

يا حبى إن تكن الأوحد فى حبى السامى وغرامى

فالحب سيخبو يا عمرى إن بعد المرمى والرامى

إنى أهواك ولكنى ضاعت من زمن أحلامى

قد كنت وحيدا لا ألقى من يفهم لحنى وكلامى

إن يزهر غصن فى الدنيا قد يزهر جدبى .. آلامى

يا وترى الأوحد إن تهجر تتركنى بين الأوهام

فالهجر ـ وعيشك ـ يجعلنى منطرحا تحت الأقدام

والهجر بعيدا يسقطنى فى زمن أظلم قدامى

يا لحنى الخالد عد إنى أصبحت شريد الأنغام

فالعطر الغامض منك حياة تتدفق عبر الأنسام

فاعزف من وصلك دوما

مقطوعة حب مترامى

مسموع فيها قصة حب

قد عاش برغم الأيام

إنى فى حبك كفصول

لن تخرج يوما من عام

*
يا من


يامن له لا أهتدى

أسرع بعهدك جدد

أنا تائه دمعى على

خدى وقد شلت يدى

إنى سحرت فلا أرى

إلاك فجرى أو غدى

إنى عشقتك قاتلى

والقلب مجنون صدى

يا أكرم الناس ارونى

لا تحرمنى موردى

يا حب قلى هلى ترى

فى ذا الوجود الأسود

شمسا تضئ لنا الدجى

تهفو لقلب مسهد

إن الظلام يضمنى

يقتات من فجرى الندى

فإذا هجرت مودتى

من للشقى الأوحد

إن الخيانة فى الذئا

ب طبيعة لم تحمد

*

لا أبالى

أدرك الأحلام فى غور الفؤاد

يا بذور الحب يا روضا شقيا

أنت سهم جاء من عند الأعادى

لازم القلب الذى قد كان حيا

مزق الأضواء فى صدر الليالى

واشتهى أن يرتوى من مقلتيا

كلما شقت طيوف الوهم عينى

ظللتنى منك أنفاس الثريا

تنسج الأحلام فى وهم اللقاء

إن تهادى كالنسيم الحلو ليا

تسكن الأوهام فى غور المحال

عاكسا حبا طهورا نقيا

إن فى الروض جمال ملء عينى

أنت فى قلبى وأحلى ما لديا

أى سكر فيك يا خمر التمنى

كدت أنسى العمر يبكى فى يديا

أنا يا حلو التجنى لا أبالى

حاسدا ، لو شئت أن نفنى سويا

عندما تشتاق يوما أن ترانى

فاسأل الأحزان تخبرك بيا

إنما الأيام فى عمر الزمان

كالثوانى إن تكن دهرا عليا

لا أشم العطر حتى إن بدا لى

كيف يحيا العطر يا روضا شقيا

*
صريع الخال

ماذا فعلت وكيف سُدت خيالى

فمشت إليك كتائبى ورجالى

وبقيت وحدى مثخنا بين العدا

أحصى على الأيام فضل فعالى

فلقد حرمت من الدروع بحومة

هى فخر كل مقاتل مفضال

وأسرتنى وملكت كل جوانحى

منذ اشتباك الطرف بالخلخال

طرفى الذى أرسلته فى ألف غا

نية يصيد مطارفا ولآلى

اليوم عاد موسدا غلت يديه لـ

ـحاظ جفن قاتل لغزال

واليوم رُدت طعنة من جانب

ما كان فى الحسبان أو فى البال

ما كنت أحلم أننى بك أكتوى

ويصاب عمرى كله بضلالى

من قوس عينيك رِشت سهما صائبا

فملأت بالأشجان قلبى الخالى

حتى المصائب فى هواك تجمعت

وهوت على رذائل العذال

وبدت بعينك قسوة الأغلال

كم بت أبكى من طوال ليالى

قضَّيتها والوهم يسرى فى دمى

طيف المنايا يشرئب حيالى

فبرئت من ماضى الهوى ودنوت مكـ

ـتئب الخطا لا أهل لى أو آل

والوجد كالأشباح قد راودته

فكسرت طوعا خنجرى ونصالى

فأنا اليتيم بلوعتى وأنا اليتيـ

ـم بأنتى وأنا اليتيم بما لى

حدثت نفسى فى الدجى وصبابتى

سر يمزق فى دجى أحوالى

إن الذى أخشاه أنك قاتلى

فى ساحة الهيجاء دون قتال

فذرفت دمع العين ما جادت به

أم على ولد ذبيح .. غال

مُنَون الخد الصبيح بنقطة

كالنجم تسبح فى الضياء الحالى

ما السحر ما الإلهام ما هذا الذى

بزَّ الخلائق حسنه المتعالى

أهو اخضرار الحلم فى القلب الذى

بكت السماء عليه حين بدا لى

سكب الإله الحسن فى وجه علا

فوق اشتباه الوهم واسترسالى

قد كان خدك كالصباح أُلاقة

عرش تبدى فى سماء الشال

يسبى الفؤاد فيهتدى بضيائه

ويد الظلام تمنه بنوال

جُن الفؤاد وما ارتوى من عطره

فالزهر لا يهوى الرميم البالى

من ذا يضللنى بأنك ثاكلى

يوم اللقاء ومستبيح نزالى

قد قال لى يوما بأنك آسرى

برفيف خد آسر وجمال

لكننى والله حين رأيته

أيقنت أنك مُردى الآجال

قد ذقت فيك الذل إلا أننى

بالكبرياء طويت عنك سؤالى

فاطعن ـ فديتك ـ مهجتى فى عزة

فلقد عرفت الحب دون نوال

من رام وصلك سوف يبقى دائما

بين الفيافى ميت الآمال

صرعى المعارك كلهم بأسنة

وأنا الوحيد وقد صُرعت بخال

*

وقال الدهر

وقال الدهر للأيام كونى

على هذا الفتى السم المذابا

وشدى من صخور الهم صخرا

يدك الحلم يفقده الصوابا

فلم تزل الحياة تزيد همى

ويردى الحلم فى عينى الشبابا

ولو أنى مشيت على طريق

لمد الظل فى جنبىّ نابا

تجاذبنى الهموم وفى فؤادى

بقايا من رحيق الحب غابا

وإن صدَّقت فى الأقدار ظنى

وقلت غدا تساقينى الشرابا

فيأتى الصبح لا ألقى الأمانى

ولا أجد الهوى إلا حبابا

فأشرب من كفوف الوهم مجدى

كأن الله أنشأنى يبابا

أظن الناس فى عينى سراب

فأدخل مهجتى فأرى سرابا

يزلزل فى الضلوع دفيف نبض

كميت لا يرى إلا الحسابا

ولو أخفيت من ألم عذابى

لقال الناس ماذقت العذابا

فإنك فى نعيم العيش تغفو

ولم تلق بدنياك الصعابا

ففى الليلات كم أجثو وحيدا

ودمع القلب تنصب انصبابا

وإن أغفو فتنتفض الخلايا

وتفتح فى دياجى السهد بابا

لهيب يوقظ النجوى بنفسى

وجفنى من لهيب الشوق ذابا

فقمت أسير فى غبش رهيب

يد الإظلام فى جنبى حرابا

وقد أطلقت فى درب رهيب

منى تنثال من عينى اكتئابا

وإنى يا حبيب الروح نضوا

أسير فلا أرى الدرب الخرابا

ويدفعنى الطريق إلى طريق

وأطوى الليل فكرا وارتقابا

وكلت خطوتى حتى استكانت

بقرب البحر تجفوه اقترابا

وتحسو من دجاه النسم بؤسا

كما وهمت من الشط ارتيابا

ويأتى الموج كرا واندفاعا

أخال العمق يضطرب اضطرابا

فقلت لمهجتى هيا استديرى

فإن الدهر قد سدل النقابا

وصب الظلمة القصوى أمامى

وإن لف المدى أعطى وحابى

*
ساكن الروح

يا ساكن الروح هل فى الراح نسيانُ

وهل سيدنى المنى كأس وعصيان

ما بال كأسى لا تنسى الهوى أبدا

مهما تجرعت منها وهى ألوان

أين الندامى لقلبى .. لفّهم وسنٌ ؟!

إلا أنا أرق والكأس يقظان

كأسا أريق وكأس بعدما ضجرت

منى المدام بكت والليل سكران

يا صا حب الحان ما للخمر قد فسدت

هل ملت الهم أم ملتنى الحانُ

كسرت عودى والألحان فى لهف

مذ بان حبى .. فهل تدنيه ألحان

أبغى السلو ولكن لا يطاوعنى

قلب شقى وما لى فى الهوى شان

تعلق الغر بدرا لا يطاوله

فى الخلق إنس ولا فى سحره جان

أجريت حزنى فلان الصخر وانفجرت

عين البكاء وأهل العزل ما لانوا

ضلوا بقولهموا وصل ومنفعة

فالحب فى معظم الأحوال هجرانُ

لا تعذلوا القلب إن القلب يأسره

حب الجمال وإن أضناه حرمانُ

لا أكذب الله أنِّى عشتُ فى ولهٍ

إنَّ الصبابةَ للمفئودِ عنوانُ

*

مداولات فى الهجاء

بينى وبين الشاعر بليغ حمدى .. محبة وفكاهة لا أكثر لبعد الغياب وترويض الشعر .. ونعوذ بالله من جناية الكلم ..

صلاح

رأيتك ها هنا تعوى ككلب

فهل أخشى على عض ردائى

ومثلى لن يبالى منك يوما

فيا فدم كلامك فى حذائى

بليغ

أتنهيق الحمار يضير حلمى

وصدرى واحة والصبر دائى

خريت وما شعرت فليس ذنبى

روائحك الكريهة فى غنائى

وتجرع بول نفسك لا تقل لى

حذائى .. أنت أحقر من حذائى

صلاح

تقول المرأة الحمقاء إنى

خريت وما دريت فمن ورائى

ورائى من أراه صديق نعلى

فكان النعل أصدق فى الوفاء

بليغ

أكلب القوم ينبحنى مساء

خسئت فليس ذلك من مسائى

أراك حثالة تهجو الثريا

فواعجبا لذياك العواء

تلاقينى تهزهز لى بذيل

كأنك عازف لحن الوفاء

فأنأى عنك لا تنفك تعوى

وصوتك آتيا وقحا إذائى

رويدك إن لى باعا طويلا

فلا يغريك صمتى بافتراء

صلاح

عجيب أن تباهى بازدرائى

ولو يا كلب لن تبلغ سمائى

تهددنى بباعك يا سقيم

وأفق الشعر مبسوط إزائى

فقل لى يا ربيب الحمق من فى الـ

ـد نى مثلى ربيب للعلاء

فخذ منى البليغ من المعانى

كحد السيف من ألف لياء

ولن تنأى القوافى عن يمينى

فإنى البحر يعصف كالشتاء

لأنت مع الكلاب أشر كلب

أناديه فلا يسمع ندائى

فبالأشعار أقذفك انحدارا

لبيئتك التى ذات انحناء

ستأكلك القوافى إن رنوتَ

فقد مُلّكتُ علوى اللواء

بليغ

سماؤك ما سماؤك يا بهيم

وقد أدمنت تقبيل الحذاء

تقول وتبتغى شتمى وإنى

لعمر الله لا يبلى بلائى

فلا والله لن ترقى مقامى

ولن يسمو ضياؤك لانطفائى

لواؤك ..؟ ما لمثلك من لواء

سوى أن كنت منهتك اللواء

رأيك إذ تفوه تخر عجزا

وتسكب باكيا دمع النساء

فما لك والقوافى دعك منها

وظل كما عهدتك فى الخراء

لتسبح كيف شئت ففيه تلقى

سماؤك إذ طمحت إلى السماء

وإن تأبى سوى الهذيان قولا

فلن أضغى لخصيان الرعاء

سأصمت ما لمثلك من جواب

لدينا غير رمىٍ بالعراء

صلاح

أبا الأهوال خفت من الهجاء

فكان الصمت داء كالدواء

أتستكفى عييت فأنت تهذى

وفى الهذيان لا تخشى لقائى

مداعبك الذى هضم القوافى

يعيش فدا لمن يرقى ارتقائى

إن اصطدمت نجوم الليل يوما

يعيش الكون فى العصر البدائى

أخى وربيب روحى أنت منى

كهارون وموسى فى الوفاء

*
هجاء

قنعت من الحياة بظرف طول

وطول المرء يكسبه الهبالا

ولو نظر الأنام إليك ذابت

خُطاك على الطريق وحرت بالا

ويا عجبى إذا ما سرت ليلا

وضوء الفجر أجفان كسالى

لظن الناس سارية بليل

بلا نور وقد أخفت خيالا

كأنك فى ظلام الليل قردا

وقد مُدَّت سواعده الطوالا

وسوء الطول فيك بلا علاج

فصعب أن نعالج ما استطالا

ألم تعلم
-طويل الودن - إنى

سُقيت عزيمة ويدا وحالا

*
أنت

أنت المنى والروح أنت صلاتى

أنت المعانى فى الحنين العاتى

أنت المضئ النار طى جوانحى

ولقد سقيت النار من كلماتى

أنت الذى فجرت فى ينابعى

وغدوت نهرا فى خضم حياتى

كالشمس تعطى ثديها لأزاهر

مجهولة الأقدار فى الأيكات

كاللحن فى الأنغام حتى أنها

سكنت وقرت فى مداخل ذاتى

كالنسم هدهد ليلة محرومة

من حسنك المختال كالنفحات

بل أنت روح فى الزمان معطر

كالعطر عطر مهجة الظلمات

كالحلم يخفق فى الدجى ثم انثنى

عنى فعشت مسوَّد الصفحات

*
انتماء

نادمت جرحى فى الزمان فحطمى

صرح الظلام وقد تغلغل فى دمى

صبى الضياء أمام قلب فى الهوى

ما زال يمشى فى الطريق المبهم

ما الحب إلا واحة فى نفسه

وياك إن مُدَّت لخير متمم

ولقد تردد شعره بين الورى

فلمن يغنى اليوم ما لم تنعمى

أملى عظيم فى الحياة وربما

أصبحت نجما فى الزمان المظلم

لا تجعلى أملى كحلم كاذب

فلسوف أدنو من شعاع الأنجم

تلك الأمانى الشم يحدوها الفنا

ء إذا نأيت الحب عن قلبى الظمى

فلو التفتِّ وجدت قلبى لم يزل

جرحا بعين الأفق ينضح بالدم

إن الفؤاد إذا احتواك فإنما

هذا الفؤاد إلى فؤادك ينتمى

*
طويت ملا حنى

طويت ملاحنى ورجعت أبكى

على الإنسان فى غاب الحياة

أيوم أراه يرقى فى سماء

وينأى الجدب عن ورد الشفاة

وتخضر الأنامل من رحيق

ويضحك قلبه بعبير آت

وتقبل فى المدى شم الأمانى

ويبدو طيفهل حلو السمات

يصارع فى رياح من شرور

وفى الزيف النقنع بالصفات

ويأتى الليل من كهف كئيب

ليطوى ذكره وإلى الممات

ففى التقنع مات حلمى

وضل الخطو فى درب الحواة

*
قصتى

ألم ألم بمهجتى وسقانى

حس الكئيب وقسوة الحرمان

هتكت يداه الجرح فى صدرى الذى

ذاق الأمان وقر بعد هوان

فى ليلة ليلاء نادمنى الهوى

وأتمها بمروع الأحزان

ليعيد ذكرى من قديم مودة

يا ليته مازارنى وجفانى

مازال يسكب فى الدموع صبابتى

ويريق ذكراها على أجفانى

فيمور من ألم النوى فى مهجتى

سر يزلزل فى صميم كيانى

بالغت فى كتمانه حتى انطوى

قلبى صريعا فى دجى الكتمان

أنا ما نسيت بأننى ذقت الهوى

فأذلنى كالطائر الصديان

شف الغرام فؤاده فأذابه

وإذا به قد لج فى الدوران

وأنا إذا ذُكِرَ الهوى ألفَيْتُنى

فى العاشقين ممزقاً بطعان

من زفرة الآلام أروى قصتى

إن الكلام يحد من أشجانى

فلقد طويت على الجوانح ذكرها

وارفض نهر الدمع فى وجدانى

وحسبت أنى فى ذراه محلق

كالحلم يسرى فى ذرا الأجفان

حتى استبان الوهم حين وجدته

كاس الحمام يطل فى الأبدان

أهدت لى الأيام من زهراتها

حورية كالصبح كالبستان

فكأنها الأقدار تضحك للربا

أو زهرة قدسية الألوان

مصبوغة برحيق مسك طاهر

صيغت من المرجان والريحان

كالنرجس المزدان إلا أنها

مدفوعة من جنة الرضوان

مثل الملائك فى الضياء تثيره

حتى يدانى قوة الفيضان

كالسحر يخطر فى العيون بهاؤها

فإذا تجلت كلت العينان

فهى الجمال مجسدا بين الورى

والوصف فيها ليس بالهذيان

قيثارة الأنغام حين تحدثت

فكأنها نغم بكل لسان

أحببتها فتحكمت فى خاطرى

بل ذبت فيها كالندى الوسنان

فإذا تلاقينا وجدت عبيرها

ملأ السحاب ونام فى شريانى

وأرى الزمان وقد خلا من ناسه

والحب يملأ ساحتى ومكانى

أأحسهم وهى الحياة بذاتها

ورحيقها المنساب قد أعمانى

أأحسهم وبنانها يلتف بيـ

ـن أصابعى فكأن منه بنانى

ويداى تنهل فى الخلود براحة

هى مثل شئ تاه فيه بيانى

هدأ الوجود ورق فى أفق السما

همس النسيم فرفرف القلبان

فكأنما عنَّ الوجود وقد هوى

منه الورى فصفا ورق معان

تنساب فى لحظين لم يتكلما

إلا كلام العشق والهيمان

نشوان حتى أننى أأحست أ

نى واحد ما لى نظير ثان

أنا مثل طير شارد لا يرعوى

كالظل أو كالعطر للأفنان

غنيت للأزهار حتى شفها

لحنى فمال عبيرها وروانى

وسكبت فى سمع الطيور ملاحنى

فأنا الغناء بشدوها المرنان

حركت أوتار الهوى وأذبته

شعرا يكاد يضئ فى الأكوان

ورويت شعرى من ضرام غرامها

فأضاء فيه الفن سحر بيان

ما كنت فيه على المدى متكلفا

أوَ ما تراه يُحس بالوجدان

مثل الضياء يحوم فى هالالته

سرب الفراش نثاره المتدانى

ذاب الشعور من الرهافة صادقا

وسكبت فيه براعة الفنان

وسجنت بين أضالعى وقد الجوى

بل كان وقد الجوى سجانى

أصبحت رمزا لا أوارى سره

وحرمت قلبى نعمة النسيان

وسقيت من كاس الحياة شقاؤها

وطعمت مرا عيشها فكفانى

لكن فى الإنسان سر شقائه

ولقد بُليت مرارة النقصان

وإذا بدا بؤس الحياة تجهمت

نفس المحب بروحه النشوان

كم كنت أغرس فى مكان لقائنا

ذوب القصيد مع الجوى اليقظان

أين انسكاب العمر فى كاس المنى

ضاع الذى أهواه يا للجانى

أين الضياء يرف من خلجاته

يسقى النسائم سحرها الربانى

لو كنت أعرف ما الهوى ما ذقته

أبدا لأنى بالجفاء أعانى

لكأن هذا النهر فى دفقانه

يحكى لموج ثار ملء جنانى

كانت هنا قصصا تكاد تعيدها

تلك الأريكة للسحاب القانى

إن الضياء لينطوى من مهجتى

وخطى المساء تحيك فى أكفانى

تبكى النجوم لأنة فى خاطرى

بأشعة تنثال كالطوفان

سكبت على مهد اللقاء دموعها

لكأنها والنفس تنتحبان

وتجلل الأفق السواد لما مضى

وحكى اضطراب الموج للشطآن

رحم اإله زمان عشق غرنى

وقُضت له الآجال فى الريعان

أين الطريق إلى الهوى يا فتنتى

يا من سكبت النور فى الأزمان

ضحك الزمان على الغريب وقلبه

ما عاد يخفق سالف الخفقان

ما كنت إلا واهما وبمهجتى

نصل الهوى ومرارة الهجران

أصبحت لا صوتا يعانق وحدتى

بعد النوى فكفرت بالإنسان

*
حال

جلست على صخرة الملتقى

وقلبى كموج الهوى المضطربْ

تئن جراحى مما بها

ويسكب جفنى لظى ملتهب

كأن السحاب ارتوى من دمائى

فأومض مثل الدم المنسكب

هناك بأعلى الذرا موطنى

على قمة الكون وسط السحب

وأصغى إلى همهمات النجوم

وأسمع صوتَ ارتطام الشهب

سؤالين كنا بعمق الوجود

غريبين نرنوا وراء الحقب

*****
هامش ( للمنهل العذب والإيمان والرشد ) من شعر ابراهيم ناجى 1985 ـ 1987


الفهرست

1) فناء
2) نار وانتظار
3) كما مر
4) سر احتراقى
5) آلام جرح
6) نزارية
7) تائه أبدا
8) أنا وأنت
9) اللحن الخالد
10) يا من
11) لا أبالى
12) صريع الخال
13) وقال الدهر
14) ساكن الروح
15) مداولات فى الهجاء
16) هجاء
17) أنت
18) انتماء
19) طويت ملاحنى
20) قصتى
21) حال




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى