محمود شقير - صورة شـاكيرا.. قصة

للمرة السابعة، يرابط ابن عمي على باب مكتب الداخلية الإسرائيلية، لتجديد الوثيقة التي لولاها لما استطاع السفر عبر المطار. اعتاد أن يأتي في الساعة السادسة صباحاً، يفاجأ بطابور طويل من الناس الذين جاء بعضهم بعد منتصف الليل بقليل. أخيراً، لجأ إلى منظمة اسرائيلية غير حكومية، تبنى مديرها الموضوع للمرة الأولى والأخيرة، واستطاع أن يحجز موعداً لابن عمي للدخول إلى المبنى الذي يتعذب أبناء القدس على بابه منذ سنوات.
جاء ابن عمي إلى مكتب الداخلية هذه المرة وهو أكثر ثقة بنفسه، لأنه والحق يقال، كاد يكفر بكل شيء كلما وجد نفسه محشوراً بين حشد من الناس المتدافعين دون تهذيب، بل إنه كاد يشتبك بالأيدي مع شابين، قاما بتخطي كل الناس، بمن فيهم ابن عمي. ابن عمي اختصر الشر، وترك الشابين يفعلان ما يريدان، ولم يحدث أحداً غيري عن معاناته، لأنه معني بأن يظل أهل الحي مقتنعين بأنه ذو بأس، ولا يُغلق في وجهه أي باب.
صاح الحارس من خلف شبك الحديد: طلحة شاكيرات! رد ابن عمي في الحال: نعم، نعم، أنا طلحة شاكيرات. فتح الحارس الباب لابن عمي، الذي اجتاز الباب باعتداد وسط حسد الحشد المنتظر منذ ساعات. حدق الحارس في ابن عمي لحظة، ثم سأله: شاكيرات! هل تعرف شاكيرا؟ لم يتأخر ابن عمي عن الإجابة لحظة واحدة: طبعاً، إنها واحدة من بنات العائلة. بدا الحارس مبهوراً بالأمر: أنا معجب بأغانيها، هل تعرف ذلك؟ قال ابن عمي: من أين لي أن أعرف! لكنني سأهديك بعض أغانيها التي أرسلتها لي قبل أسابيع! مدّ ابن عمي يده لمصافحة الحارس، مد الحارس يده وقال: أنا روني. قال ابن عمي: أنا طلحة شاكيرات! ثم صعد درجات المبنى وهو مسرور لهذه العلاقة التي مهدها له اسم شاكيرا، وأبدى امتناناً لجده شاكيرات الذي شاءت الصدف أن يحمل هذا الاسم بالذات، وإلا لظلت شاكيرا بعيدة عن التأثير في مصيره، ولما أتيح له أن يبني علاقة مع حارس من حراس مكتب الداخلية بمثل هذه السرعة التي لم تكن في البال. ابن عمي بنى آمالاً عريضة على تلك العلاقة، فهو محتاج إلى خدمات مكتب الداخلية، أفراد آخرون من العائلة محتاجون لخدمات المكتب أيضاً. وحينما يكون لابن عمي علاقة غير مشبوهة مع أحد الحراس، (نعم، علاقة غير مشبوهة! وهذا أمر يصر عليه ابن عمي، لأنه لا يحب أن يقال عنه إنه مرتبط بعلاقة مشبوهة مع سلطات الاحتلال) فإن ذلك سيتيح له أن يمارس رغبته في الظهور بمظهر الشخص القادر على مساعدة الأقارب والأصدقاء، الذين يتذمرون من سوء المعاملة التي يتعرضون لها أمام مبنى الداخلية باستمرار.
ابن عمي لم يضيع دقيقة من وقته. ما إن غادر مبنى الداخلية، حتى اتجه إلى أقرب محل لبيع الاسطوانات وأشرطة الغناء، سأل عن أحدث أغاني شاكيرا. باعه صاحب المحل عدة اسطوانات حملها بحرص بالغ وعاد بها إلى البيت. استمع إليها عدة ساعات دون انقطاع. ثم أخبر والده بحقيقة أن ثمة واحدة من بنات العائلة تمارس الغناء! عمي الكبير أظهر استياءه الفوري من هذا الخبر، لأنه لا يطيق أن يمس أحد سمعة العائلة بكلام لا يليق. غير أن ابن عمي خفف من وقع المفاجأة على والده، وحدثه عن الحارس روني المعجب بشاكيرا، (عمي يحاول منذ أشهر الدخول إلى مبنى الداخلية دون جدوى) وحدثه كذلك عن النجاحات التي تحققها شاكيرا في عالم الغناء، وكيف أن العائلة، عائلة شاكيرات، يمكنها أن تجني فوائد جمة من علاقة كهذه! حينما شمّ عمي الكبير رائحة المصالح تفوح من الخبر الذي سمعه، انتعش دون حاجة إلى دواء، وراح يستفسر من ابنه عما لديه من معلومات عن شاكيرا، لكي يطابقها مع معلوماته عن شجرة العائلة، التي يحفظها عن ظهر قلب.
بعد تمحيص سريع، أكد عمي الكبير لمن يرتادون مضافته من أهل الحي، أن جدّ شاكيرا الأول ينتمي إلى عائلة شاكيرات، وأنه رحمة الله عليه اختلف مع إخوته على تقسيم الإرث الذي تركه والدهم، فاختار الهجرة إلى لبنان، وهناك، غيَّرَ ديانته حينما أحب حتى الجنون، امرأة لبنانية جميلة، تنتمي لديانة سيدنا عيسى عليه السلام، ثم تزوجها وأصبح له منها أولاد كثيرون ظلوا يتناسلون حتى جاء إلى الدنيا والد شاكيرا، التي لولا شهرتها المفاجئة في عالم الغناء، لظل هذا الفرع من عائلة شاكيرات مجهولاً، لا يعرف أحد من أبناء حيّنا شيئاً عنه.
حينما أصبح الحي كله يتناقل أدق التفاصيل عن شاكيرا، أخذ عمي الكبير يشعر بالحرج، فالبنت متحررة تماماً كما يبدو، ربما لأنها تعيش في الجزء الغربي من الكرة الأرضية، (في بلاد اسمها كولومبيا يا سيدي! هذا ما يقوله عمي بشيء من التذمر) ولو كانت مقصوفة العمر تعيش هنا في هذا الحي (حيّنا)، لما سمح لها عمي الكبير بالرقص والغناء، وهي شبه عارية! عمي الكبير لا يصدق أن شاكيرا تظهر شبه عارية على التلفاز، هو لا يشاهد التلفاز، لكن أناساً كثيرين رووا لعمي أنهم شاهدوا شاكيرا على شاشة التلفاز، ببطن عارٍ وفخذين مثل الألماز، يستمع عمي الكبير إلى كلامهم، ولا يجرؤ على تكذيبهم، لكنه يتملص بشكل أو بآخر من الموضوع، يحاول صرف الأذهان عن الرقص والغناء، بالعودة إلى الماضي الجميل، يحدثهم عن شجاعة الجد الأول لشاكيرا، وكيف أنه صادف ضبعاً في البرية ذات مساء، فلم يجبن ولم ينضبع، بل إنه ظل يصارع الضبع حتى صرعه، سلخ جلده وباعه بأرخص الأثمان!
حينما يخلو عمي الكبير إلى نفسه، يميل إلى تصديق كلام أهل الحي: لولا أنهم شاهدوها ترقص شبه عارية لما تحدثوا عن ذلك. كان يفاتح ابنه بهواجسه هذه، وفي بعض الأحيان، كان يشتم شاكيرا بألفاظ نابية، فلم يجرؤ ابن عمي على إخبار أبيه بأن شاكيرا متورطة في علاقة حب مع ابن رئيس الأرجنتين، لو عرف عمي ذلك، ربما اندفع إلى نـزع صورة شاكيرا عن صدر الحائط في بيته. الصورة أحضرها ابن عمي طبعاً، وجدها منشورة في إحدى الصحف، فأخذها إلى المصور وطلب منه أن يُكبِّرها، كبرها المصور وأحضرها ابن عمي، واقترح على أبيه أن يعلقها على صدر الحائط في المضافة، غير أن عمي استكثر هذا وقال: منذ متى يا طلحة نقبل بأن نضع صور نسائنا في المضافة التي يأتيها الناس من كل مكان! فاختصر ابن عمي النقاش حول الأمر وعلق الصورة في إحدى غرف البيت المخصصة للنساء. وقد اضطر عمي الكبير إلى الرضوخ لمشيئة ابنه، (اضطر لذلك أملاً في الحصول على بطاقة هوية تمكنه من السفر عبر الجسر، فقد ضاعت بطاقة هويته التي استلمها من الإسرائيليين بعد احتلالهم للقدس) غير أنه وضع شالاً فوق إطار الصورة لكي يحجب شعر شاكيرا وكتفيها العاريين عن العيون. فعل عمي الكبير ذلك، لحفظ سمعة شاكيرا والعائلة من ألسنة النساء اللواتي يأتين بين الحين والآخر إلى البيت، للزيارة ولنقل الشائعات.
ولم تكن هذه هي الصورة الوحيدة لشاكيرا، فقد امتلأ مكتب ابن عمي بصور مختلفة للمغنية الشابة. ألاحظ ذلك حينما أزوره بين الحين والآخر، أمد يدي له بالتحية وأنا أحدجه بنظرة تنمُّ عن اتهامي له بأنه كلب! يمد يده لي بالتحية وهو يحدجني بنظرة تنمُّ عن اتهامه لي بأنني حمار. يقول لي: أنت ما زلت دَقَّة قديمة، خليك ملحلح شوية! الظروف تغيرت، ونحن نعيش زمن الإنترنت والقنابل الذكية! أجلس في مكتبه العامر بالإيحاءات العصرية، أتابع اتصالاته الهاتفية التي لا تنقطع، أحاول معرفة ما يدور على شاشة الكمبيوتر المتربع على مكتبه، فلا أعرف شيئاً، يضحك بين الحين والآخر ضحكة سمجة، ثم يحدق في الشاشة، وبالذات كلما أراد أن يستريح من الكلام معي، أو لكي يتهرب من سؤال لا يحب أن يجيب عليه.
لابن عمي علاقات كثيرة من هذا الطراز، وهو مقتنع بأنها ستعود عليه ذات يوم بالنفع العميم. مثلاً، حينما راج الخبر حول علاقة الحب التي تربط شاكيرا بابن رئيس الأرجنتين، لم يعلق هذا الخبر بذهني سوى لحظة واحدة. أما ابن عمي، فقد راح يوظفه في شبكة استعداداته للمستقبل. قال لي: سأوثق علاقتي بالأرجنتين انطلاقاً من هذا الخبر، سأسعى لكي أصبح وكيلاً لبعض الشركات الأرجنتينية، وقد أُصبحُ ذات يوم قنصلاً فخرياً للأرجنتين في المشرق العربي كله! حينما ابتسمت ساخراً منه، ضحك باستهزاء وقال: أنت واحد درويش! (يقصد: حمار، بطبيعة الحال)
ولابن عمي اجتهادات عجيبة غريبة. تحداني مرة قائلاً: أستطيع أن أدعو عشرة رجال وعشر نساء لتناول طعام الغداء في بيتي، أسكب لهم الطعام من طناجر فارغة في صحون فارغة، وسيأكلون حتى الشبع، وسيعودون إلى بيوتهم وهم متخمون من كثرة ما التهموا من طعام! يقول ابن عمي متباهياً بقدراته الذهنية، معتداً بانتباهه الدقيق لإيقاع العصر ومنطقه: تستطيع أن تخلق لنفسك الحقائق التي تريدها، وتستطيع في الوقت نفسه أن تقنع أعداداً متزايدة من الناس بهذه الحقائق التي لا يمكن لمسها أو إقامة الدليل المادي على وجودها! المهم في الأمر أن تكون على قدر من اللحلحة والبراعة والذكاء. كنت أتجنب الدخول في رهان مع ابن عمي لسبب ما.
أما عمي الكبير فقد دخل الرهان، وأيقن أن الحارس روني سيستقبله ويأخذه في الأحضان، سيحدثه عمي عن جد شاكيرا الأول، سيقول له إن هذا الفرع من العائلة معروف بحب الطرب وبالميل إلى الغناء منذ زمن بعيد، ولذلك، فإن العائلة لم تستغرب أمر نبوغ شاكيرا في الرقص والغناء! سيروي له، إن سمح وقته، (وقت روني) نوادر كثيرة عن جد شاكيرا الأول. عمي الكبير دخل الرهان، وأيقن أنه سيحصل على بطاقة هوية جديدة، وسيذهب إلى عمان، للحصول على جواز سفر مؤقت، سيذهب إلى اسبانيا لقضاء عدة أسابيع هناك. اعتاد عمي الكبير أن يتفشخر أمام الناس، فيقول على نحو مثير للفضول: سأذهب إلى إسبانيا لزيارة ابنتنا! ولما كان أهل الحي يعرفون أن كل بنات عمي الكبير مقيمات هنا في الحي، فإنهم كانوا يسارعون إلى طرح السؤال عليه: من هي ابنتكم هذه؟ فيجيبهم متباهياً: شاكيرا! إن لها بيتاً فخماً في إسبانيا تقيم فيه عدة أشهر كل عام.
ولن يكتفي عمي الكبير بزيارة شاكيرا، (الفالتة اللي ما خلّت دف إلا رقصت عليه! يقول عمي ذلك للصفوة من أبناء العائلة) فقد قرر أن يزور الديار الحجازية لأداء فريضة الحج بعد طول انتظار. عمي الكبير لا يقطع فرضاً، يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها، غير أنه يشعر بالندم لأنه ارتكب بعض الذنوب في أيام شبابه. مرة، عمل عمي الكبير في التجارة. كان يذهب إلى إحدى القرى في موسم الزيت، يشتري خمسين تنكة من زيت الزيتون، يُدخلها إلى مخزن أعدَّه خصيصاً لهذا الغرض، ثم يخرجها منه لكي يبيعها وقد أصبح عددها مائة تنكة، (كانت لعمي طريقة بارعة في الغش)، كان يدهن رقبته بزيت الزيتون خفية، متوقعاً أن يستحلفه الناس إن كان الزيت الذي يبيعه لهم زيتاً أصلياً، يتظاهر عمي الكبير بأنه يحلف وهو يقول: على رقبتي زيت زيتون أصلي! فيصدقون. عمي الكبير أسرّ لي بذلك لكي يتخفف من شعوره بالذنب، وقال: سأذهب لأداء فريضة الحج كي يغفر الله لي هذا الذنب.
ولعمي الكبير ذنوب أخرى، مرة جاءت بائعة الحليب إلى بيته في الصباح. فتح لها الباب، فأعجبه قوامها المديد، مدّ يده إلى صدرها، أطبق على نهدها بأصابعه دون استئذان. بائعة الحليب ابتعدت عنه وهي تقول: آه من قلة حيائك يا رزيل. عمي الكبير يشعر الآن بالحرج، إذ كيف سيقابل وجه ربه في الآخرة، وكيف سيكون حاله يومَ يسأله الملكان اللذان سيشرعان في الكشف عن ذنوبه فور نـزوله إلى القبر: قل لنا لماذا وصفتك بائعة الحليب بأنك رزيل! عمي الكبير لم يبح لي بهذا الذنب الذي ارتكبه، وإنما وصلني الخبر عن طريق أحد مجايليه، وهو يصر على أنه لم يرتكب ذنباً آخر سواه، مع أن الشائعات تتحدث عن ذنوب أخرى ارتكبها عمي الكبير.
عمي الكبير دخل الرهان بالرغم من حذره الشديد. سمعته غير مرة في زمن سابق يتعجب من استعجال ابنه ورغبته الطاغية في الشهرة والثراء، كان ينصحه قائلاً: يا ولد ريغا ريغا، والعجلة من الشيطان! هذه المرة تخلى عمي عن حذره ودخل الرهان. في صبيحة أحد الأيام، ذهب صحبة ابنه، إلى مبنى الداخلية للحصول على بطاقة هوية. ذهبت معهما مدفوعاً بالفضول، ولم نذهب إلا في وقت متأخر من الصباح، لأن ابن عمي كان على ثقة من أن الحارس روني سيهبّ لاستقبالنا حالما يرانا، وسيفتح لنا باب المبنى الحديدي في الحال. وصلنا المبنى وهالنا عدد الناس المتجمهرين هناك تحت حر الشمس. نظر ابن عمي عبر شبك الحديد، قال لنا باعتزاز وهو يشير إلى شخص له شعر أشقر طويل: ها هو روني! رفع عمي يده محيياً، فلم يستجب لتحيته أحد. قال ابن عمي: إنه مشغول، هو دائماً مشغول في هذه القضية أو تلك. وقال: ننتظر قليلاً حتى ينتبه لنا. سأله عمي: متى كانت آخر مرة قابلته؟ قال: قبل أسبوعين، حينما أحضرت له مجموعة من أغاني شاكيرا. ارتاح بال عمي قليلاً، لكنه بدا قلقاً بعد ذلك بلحظات.
حاول ابن عمي أن يميز نفسه قليلاً عن جمهور الناس المتزاحمين حول شبك الحديد وأمام باب المبنى، وقف على رؤوس أصابع قدميه، رفع يده عالياً فوق رأسه، وراح يلوح بيده لروني لعله يراه. كان روني مشغولاً في انتهار الناس الذين يلحون عليه من أجل السماح لهم بالدخول إلى المبنى، آثر ابن عمي الانتظار بعض الوقت دون الإتيان بأية إشارات من يده. غير أنه تضايق حينما سمع عمي الكبير يسعل، تعبيراً عن الضيق والاستعجال. اضطر ابن عمي إلى رفع صوته منادياً: روني! قالها بصوت خافت أول الأمر، فلم ينتبه له روني. كرر النداء بصوت ممطوط مشوب بالثقة نوعاً ما: روني! ناداه ابن عمي من جديد بصوت مشوب بالارتباك: يا سيد روني! حاول ابن عمي أن يستنفر إحساسه بإيقاع العصر ومنطقه: أدون روني! أدون روني! نظر روني نحو ابن عمي نظرة سريعة، ثم أشاح بعينيه عنه لسبب ما. كرر ابن عمي المحاولة بعدة لغات: ماشلوم خا أدون روني! هاو آر يو مستر روني! كيف حالك يا سيد روني! بدا واضحاً أن روني قد سمعه، لكنه لم يعره أي اهتمام.
لم يستطع عمي الكبير احتمال هذا التجاهل الذي أظهره تجاهنا الحارس روني. صاح بصوت حاد: يا خواجا روني! رُد علينا يا خواجا! انتبه روني إلى الصيحة الجارحة التي أطلقها عمي، سأل وهو مستفز تماماً: أيش بدَّك، قل لي؟ قال عمي بلهجة محملة بالود والرجاء: ابني طلحة، يناديك! أيش بدُّه ابنك، قل لي؟ ابتسم ابن عمي ابتسامة عريضة لتهدئة الموقف، ولم يجد عمي بُدَّاً من إطلاق آخر سهم في جعبته لعله بذلك ينعش ذاكرة روني من سباتها اللعين، قال: إحنا أقارب شاكيرا، شو! نسيتَنا يا رجل! اغتنم ابن عمي لحظة الصمت التي سيطرت على الموقف، قال باستعطاف: اسمح لنا بالدخول يا أدون روني. ردّ روني بغطرسة: بدَّك تنتظر! أنا مش فاضي لك. ثم أدار ظهره دون اكتراث. حدقتُ في وجه ابن عمي: (كلب) حدق ابن عمي في وجهي: (حمار) ولم نتبادل أي كلام.
اعتزل عمي الكبير الناس ثلاثة أيام، قام أثناءها بنـزع صورة شاكيرا عن الحائط، ألقى بها بقوة على الأرض فاستحال زجاجها إلى شظايا متناثرة. ولم يسافر عمي إلى إسبانيا، كما لم يذهب إلى الديار الحجازية لأداء فريضة الحج، أما ابن عمي فقد أخبرني بأنه سيذهب إلى الحارس روني مرة أخرى، ومعه مجموعة من أغاني ابنة العائلة، شاكيرا المحبوبة، حفظها الله!



* من "صورة شاكيرا"/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ 2003

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى