يبوح لـ (كتابات) .. مؤمن سمير : عشوائية الواقع وراء قلة الاحتفاء بالشعر.. حاورته – سماح عادل

ظهرت في العقود الأخيرة آراء تفيد بأن هذا العصر هو “عصر الرواية”.. وأن الشعر سلم مقاليد سلطته لها، وخبا الاهتمام بالشعر لصالح السرد.. رغم ذلك مازال الشعراء يظهرون، يتغنون بأشعارهم كتميمة ويحاولون شق طريقهم بالكلمة.. الشاعر المصري “مؤمن سمير” استطاع أن يفرض وجوده كشاعر.. بعمق إبداعه وروعة موهبته.. التي ارادت (كتابات) تلمسها محاولة قراءتها في حديثه المطول معها..

(كتابات): حدثنا عن تجربتك الشعرية.. متى بدأت في كتابة الشعر، وهل كان من السهل تحقيق انتشار وتواجد على الساحة الثقافية في مصر؟
- كتبتُ شعراً قبل أن أعرف أنه شعر.. كانت الكتابة هي الحل الوحيد لأخلق أصدقاء وأعداءً وأعيد خلق وإنشاء عالم آخر بديل عن هذا العالم الذي مثل لي لغزاً كبيراً.. انتميتُ لأسرة سافرت لمكان صحراوي بحثاً عن العمل، وهناك حيث ولدت في مكان بلا طفولة ولا صخب كان الخيال هو العوض عن الواقع القاسي، كانت الكتابة هي الكلام والحركة والانتماء الحقيقي للعالم في وقت كان العالم ذاته بعيداً جداً.. ثم مرت السنوات وعدنا إلى مصر ومررت بكل المراحل الشعرية من الشعر العمودي إلى القصيدة التفعيلية حتى جاء عامي الجامعي الأخير وأنا أعد ديواني الأول الذي ينتمي لقصيدة النثر، ذلك الشكل الذي كان اختياري النهائي.. وتواشج ذلك مع بزوغ وظهور قصائد ودواوين لشعراء من نفس الجيل: جيل التسعينيات الشعري في مصر.. وارتبط وجودنا وارتبطت تجربتنا بملامح قصيدة تخلت عن مناطق الالتباس التي وسمت تجارب أجيال سابقة..

(كتابات): من هم الشعراء الذين تأثرت بهم.. ومن في رأيك رواد الشعر الجديد في مصر؟
- منذ اللحظة الأولى وأنا أفتح قوس المعرفة للنهاية بلا أية يقينيات مسبقة، وبهذا فآبائي الشعريين هم شعراء كل الثقافات وكل اللغات وكل الأشكال الشعرية.. لا أنكر أنني أميل لتجارب معينة بالطبع، لكني لا أتعصب لطريقة أو لسكة شعرية وأعتبرها هي نبع الجمال الصافي.. أتأمل الجميع بتوتر السابح في المحيط وبهدوء وتأمل الساكن أمام مقبرة مكتوب عليها اسمه.. أتعلم من أغاني الغجر ومن العدودات.. من الحكايات ومن الشعراء الجوالين.. من ترانيم الأديان وحتى كتب الاقتصاد.. وفي النهاية من الحياة ذاتها بتشابكاتها ودمها الحار.. وفي مصر عندنا تجارب كبيرة ومتميزة من كل الأجيال حيث أن كل شاعر هو مشروع قائم بذاته بغض النظر عن جماعته أو جيله، لهذا لا أميل كثيراً للتقسيمات ولا لفكرة أن هناك رائد أو زعيم مفرد ومتفرد، الجميع يضيفون ويعملون على نص كبير يتخلق كل لحظة.. يخلقون مناخاً أو حالة عامة تحتفي بقصيدة أو طريقة أو اتجاه.. الكل شريك ومتورط.

(كتابات): هل قابلتك معوقات في مشوارك كشاعر؟
- بالطبع عانيت كما عانى غيري ومازلنا نعاني.. نحن في مصر نرزح تحت وطأة زحام وتوتر دائم.. أعداد المبدعين كثيرة جداً وكالعادة يعاني صاحب التجربة الحقيقية وسط الزائفين الذين هم دائماً شطار وقادرون على تحقيق مكاسب تتعلق بالنشر أو المؤتمرات أو فرص الترجمة أو الجوائز أو حتى – وهذا مما يثير العجب – المتابعة النقدية !.. تأخرت كتبي لسنوات وأضاع موظفون أصول بعضها وحرمت أنا وغيري ليظهر أصحاب الشِلل والدكاكين الثقافية ويتصدرون واجهة القطار.. والآن وبعد أن أصدرت 18 كتاباً لازالت الأمور صعبة بل أكثر صعوبة من ذي قبل لأن المناخ العام محبط وغير معني بالأساس بسؤال الثقافة ..
أعيش في محافظة فقيرة وبدأت النشر في مرحلة سياسية كانت الجماعات المتأسلمة متوغلة داخل القرى والنجوع، فعانيت من الريبة لفترات ثم الصدام بعدها ليكون الحل هو محاولة البحث عن مناخ مستوعب في المحافظة ذاتها وليس في بلدتي الصغيرة ثم بعد ذلك في العاصمة.. وحتى الآن ورغم هذا الانفتاح المعرفي السائد مازلت مغترباً في واقعي ومنفصلاً عن واقعي الفقير في وعيه – أو الذي أريد له أن يكون هكذا – الذي مازال ينظر للإبداع على أنه ترفٌ أو جنون..

(كتابات): هل المناخ الثقافي في مصر داعم للمبدعين خاصة الشباب ؟
- لنكن أكثر إنصافاً ونقول إن المبدعين الشباب فرضوا أنفسهم واتجاهاتهم على الجميع.. فأصبحت تقابل مبدعاً شاباً وتقول عنه بغير احتراز أنه مبدع كبير لأن استيعاب الشباب الآن أكثر وتعاطيهم للحرية لا يقبل المناقشة فيبدعون ويجربون ويستمع إلى تجاربهم الجميع.. لكن في المؤسسات الثقافية مازال الكبار يحاولون بكل استماتة أن يثبتوا الزمن على قيم فنية سقطت مبرراتها واشتراطاتها الجمالية.. هم لا يحاولون فرض رؤاهم الجمالية فقط ولكنهم يحاولون بكل استماتة أن ينفوا أصحاب التجارب المغايرة.. نماذج من مثل: يحى حقي أو عبد القادر القط أو حتى إدوارد الخراط وهم الذين كانوا يرون أن من واجبهم تقديم ورعاية أصحاب المواهب الجديدة ، أصبحت نماذج نادرة حالياً…

(كتابات): في رأيك هل فقد الشعر الاهتمام والاحتفاء به على مستوى النقد وحتى على مستوى الجوائز مقارنة بالرواية ؟
- حققت حالة التنافس بين الجوائز العربية تثبيتاً لواقع يرى أن الرواية هي ديوان الحياة المعاصرة، فتوارى الشعر الذي أصبح هو الأقل في المبيعات لدى دور النشر نظراً للترويج والتكريس الذي يحدث للرواية.. وسار النقد بالتالي مع الفن الرائج، فاهتم بالرواية وبالتنظير والتعقيد لطفراتها ومنجزاتها.. هذه الحالة بالكامل غير منصفة فلا أهمية لشكل كتابي دون الآخر، كل الفنون والأشكال تتجاور وتكمل بعضها البعض.. لكن كل شكل للأسف في واقعنا العشوائي العجيب يمر بدورة من الاهتمام قد يعقبها خفوت وهكذا..

(كتابات): بالنسبة لجوائز الدولة هل هي منصفة وحيادية أم بها مشاكل ؟
- ليست حيادية ولا منصفة على الإطلاق، لأنها تتجاهل الواقع وتحكم بذائقة ميتة وتجامل الأشخاص والأدوار.. أي أنها تتجاهل سؤال الإبداع لصالح حسابات معقدة تتغير كل مرحلة لكنها لا تثبت إلا عند رفض التجريب وتجاهل مقصود لنجاحات وصعود أشكال كتابية لصالح أخرى تكلست..

(كتابات): لك محاولات في كتابة القصة والمسرحية.. هل يعني هذا تعدد مواهبك؟
- بل يعني أنني في لحظاتٍ أحاول أن أنظر من نافذة أخرى.. أن أتحايل على نفس السؤال الكبير.. أن أرتب الأمور من زاوية بعيدة.. أنا أبتعد عن الشعر لأراه بشكل أفضل..

(كتابات): هل يعاني المبدعون في المحافظات أكثر في الوصول مقارنة بمن يتواجدون في القاهرة ؟
- يعانون في التكوين وفي الاهتمام والاعتراف بموهبتهم.. لكن مع ثورة الاتصالات لم يعد هناك أقاليم.. غالبية الحائزين على الجوائز العربية والذين ينشرون في كافة الدوريات والذين يحصلون على الدرجات الأكاديمية من الأقاليم.. لم تعد الجغرافيا هي المشكلة بل تفرض الموهبة نفسها مهما كانت المعوقات…


* حوار في الموقع العراقي " كتابات".. يوم الثلاثاء 28 آذار/ مارس 2017
  • Like
التفاعلات: حنان العادلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى