محمد بنصالح - أن أرى!.. قصة قصيرة

أستضيء متوهما بشمعة وحيدة، أظنها تتراقص شعلتها مع انسلال هواء تائه إلى غرفتي، كأنها شعلة خالدة.. أو هكذا تبدو بسبب بطء انقضاء الزمن، فساعتي بلا عقارب.

أجتر الحنين إلى رؤية البشر.. يحدوني شوق عنيد إلى شعر امرأة باسقة تخطو واثقة ؛ أجعله ملحفتي في غشاء ليالي البلاختام. لا نجوم لها ولا قمر.. ليل خالد صرع النهار وأرداه مفقودا، وسحق بصيص ضياء فغدا مطلب العمر الثمين، المستحيل.

أملا في مطلبي الوحيد في كل ما يعج به العالم ؛ "أن أرى". شعاع نور، ومضة عين أسترقها من الوجود، من شأنها أن تنسيني كل عتمات عمري.

تحل بي وحشة عنيفة في أيام الشتاء. أحن إلى أن أبصر المطر وهو يتساقط من السماء ليجري في الأرض، ويستقر في برك غائرة.. أشتم التراب اللزج بالمطر، فيزيد شوقي وعنفواني، حتى يكاد يمسني الجنون ليخلصني من عقلي، الذي بات هو عدوي.. فما أخبار الربيع ؟ و تلك الأشجار لا تؤرجحها ريح إلا في خيالي. آه، خيالي، لقد هد ووهن وهو يكسو الأشياء في صور مفترضة.

تائه في هذه البسيطة لا مقصد لي ولا مرمى.. تراني أنكس أنفاسي وأطرق رأسي وألوذ في ظلماتي.. مدينتي معتمة، إنما العالم كله اكتنفه الظلام إلى الأبد. أين كنت؟ على الأرجح قد بلغت الأماكن التي كلها تتشابه، حتى ما عاد من حقي الترافع عن نوائبي.. هو سجن بلا زنازين، بلا أسوار، بلا حراس؛ لكني مسجون فيه بحكم المؤبد ! منعت علي الرؤيا، وأن أبصر ما حل بالعالم؟.

آه، من الأمس، حين كنت ضريرا، واليوم قد أبصرت.



انتهت.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى