مصطفى الشليح - شعرٌ / سردٌ

الحكاية أني أفقتُ على أذنين جوارَ سريري، وما كنتُ أحلمُ أو كنتُ أنعمَ بالهذيان الذي يتأبطني بين حين وحين؛ وما كنتُ أتهمُ في الأرضين مع ابن شهيدٍ، توابعه وزوابعه، ثمَّ ما كنتُ أنجدُ قربَ المعرِّي ولا في رسالته ليسامرني الشعراءُ بألسنةٍ من حديدٍ / حرير.
أنا كنتُ أفرك عينيَّ كيْ أرجعَ السقفَ حيثُ متاهته، وأعيد الجدارَ إلى جذره منْ منامتِه، وأعيدَ حديثَ النوافذِ حتى تردَّ حكايتها شهرزادُ على ليلةٍ تتمطى ولا تنقضي مثلَ كلِّ ليالي الأسى العربيةِ، مثلَ أساورَ معصمُها عمرُ تاريخنا العربيِّ، ومنذ امرئ القيس حتى خيول الحداثةِ في بُرجها الذهبيِّ، وحتى حلول المغول بأرض العراق ليستفسروا المتنبي عن الميم في هجوه لابن كيغلغَ المختفي في الطريق إلى الشعر.
كنتُ أمدُّ يديَّ لكيْ أتقرى على طلل شاخص وقفةً من فراغ المسير. تضيقُ المسافةُ بين إزاري وبين يديَّ لأسحبه عن بقايايَ لكنني لستُ أسحبُه. خفتُ مني. هنا جسدي كان. عاج الإزارُ على طلل دارس، كالمدرِّس في الليلةِ الشهرزاديةِ الألفِ حين ارتداه الطوى جسدا وانتضاه ليكتملَ الدرسُ في الليلةِ / الحلفِ.
يتسعُ الخرقُ بين يديَّ وبين الإزار. يكاد يخيِّلُ لي أنني لستُ ألمحني في السرير. كأني أفقتُ ولستُ أراني أفقتُ على أذنين هنا تكبران لتسترقا السمعَ إذ تصغران لتلتفتا، بينَ حين وحين، إلى شفةِ الضوء كيْ ترشفَ العتمةُ المُستحمَّةُ بالعيِّ نخبَ الكلام وتقطفَ ريشَ الحمام لألمحني، في السرير، ولا صوتَ لي.
أذنان تعوجان عليَّ، كمنسأةٍ من غبار قديم وكديوان شعر قرأتُ به ما تلاشى غبارا قديما كمنسأة الريح، تعتلجان بأسراريَ الرعويةِ، تختلجان بوقتي الذي لملمته الفراشة منْ شذرات الأثير.
دنوتُ لعلي أجوسُ المكانَ إلى لغتي وإلى ما تركتُ على شفتي منْ نثير لعليَ أنظمه في الذي قد تبقى من الورد لي. كنتُ أدنو لتلتبسَ الأذنان بما كان لي، ولأعرفََ أني سمعتُ هنا جسدا لي وأعرفني.
الحكاية أني توجستُ أمرا وقلتُ لعلي أنا لم أنمْ أمس، قلتُ لعلي خرجتُ وما عدتُ بعدُ.
أكرة بابٍ تحركَ منها شبيهٌ بها. الممرُّ يضاءُ.
أرانيَ أدخلُ.
أجلسُ. أكنسُ ما قد تبعثرَ فوق السرير من الورقاتِ التي تتدثرُ بالزمهرير، وأحدسُ أنِّي تركتُ حذائي هنا إذ خرجتُ إلى لغتي حافيا، مثلما الليلة الشهرياريةِ الحكي في وقتها الشهرزاديِّ، كيْ أختفي قاتلا عافيا، وحذائي رأى للصدى موسما للحديثِ فحوَّله أذنين لتقتفيا خطويَ المتوهمَ أني أنا قد أفقتُ على قدر بعدما كنتني غافيا.
وحذائي رأى شارعا يتململُ أحذيةً، حين كنا هناكَ، بأعينها وبآذانها، فغوى وأفاقَ على لغطٍ للنوافذ، قربَ السرير، فقالَ: الحكاية أني أفقتُ على جسدٍ ليس لي، دونَ صوتٍ ولا أذنين فكيفَ أسائله، بالحوار الحضاريِّ، عنْ أبجدياتِ تلك الحكايةِ شرقا وغربا، وعنْ لغةٍ تتنادى لأفركَ عينيَّ .. كيْ أرجعَ السقفَ حيثُ بداهته .. حيثما السقفُ مني سؤالٌ إلى مُستحيل المسير .. إلى الزمهرير .. ولا جسدٌ لي أرى في السرير ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى