محمد مستجاب ـ مستجاب السابع

طوبى لمن وضع زهرة على قبر او قصر او صدر ، ولمن ولد فى الشهر السابع او الثانى عشر ولحلق يصبح حلقوما ولمن ذبح حصانه الوحيد كرما ، طوبى لمن جثا استغفارا او اشتهاء، ولمن حمل على الظهر صليبا ولمن اشعلت النار تحت ماء الحصى تضليلا لجوع عيالها ، ولخشم يصبح خيشوما ، ولزمن كانت الزوجة فيه تجمع اشلاء قرينها ليحيا ، ولحق يفزع وجلا داخل شق الباطل ، ولوطن يأكل ثرثرة الباطل ، ولوطن يأكل ثرثرة السطوة ، ولبلع يصبح بلعوما ، طوبى لمن جعل أذنا من طين واذنا من عجين حتى قطعت راسه ، ولشمس لا تزال تطلع شرقا ولنجم ثاقب فى يوم غائب ، طوبى لهذه القصة التى لم تكن منشأة لمستجاب السابع لولا تلك الواقعة التى كشف عنها كاتب يعمل ابوه مؤلفا سينمائيا من ان السابع قتل السادس سرا وباع جثمانه لطلبة التشريح وأقام بالثمن سرادقا فخما ذا اضواء باهرة وميكروفونات ملعلعة بالذكر الحكيم كيدا للأعداء ، وحفظا على مفاخر ال مستجاب لقديمها وحديثها ووقف على باب السرادق يتلقى خالص العزاء وهو افتراء على الرجل يصيب كبد الحقيقة بالتليف ويداهم القصة فى بؤرة التقائها مع ما ورد بعد ذلك من امور وبالتالى قلبنا على الواقعة ماجورا

****

فالسابع من ال مستجاب كان يكره ثلاثة الدم والموسيقى واللبن الرائب ، فالدم جاءه فى اعطاف تاريخ ملطخ فتك فيه احد اجداده المبكرين باخيه ومزق جسده اربا ووزعه على اركان النجع حتى قامت زوجته الملتاعه فجمعت الارب من اكوام السباخ والدم جاءه من احدى جداته حينما بقرت بطن احدهم ومضغت كبده تشفيا ، والدم ورد اليه فى لفائف حبال مشانق مغموسه فى شق الخوف والشجاعة لاناس جاءوا صدفة فى عصر جده الثانى ، اما الموسيقى فهى صوت الشيطان الجامح المشتعل طربا يتقافز فى عروق الشهوة ، والذى تلبس جسد السادس فاحاله الى ثور هائج يداهم النساء والاحجار والبقر،والموسيقى هى المس المزمجر فى احشاء اخته الهاربه فى اثر عبد مأفون يمكنه ان يرقص الجبل حين يعزف على ربابته ، اما اللبن الرائب فشاربه خائر فاتر، يمتلئ بطنه بالغازات وقلبه بالاستكانة وعقله بالخمول والوخم ، حتى ان مسجاب الرابع -المغرم باللبن الرائب- اقام عرشه بجانب محل الادب فى قصة تجدون اثرها فى مكان اخر، وكان من كثرة ادمانه الرائب: يستريب فى الناس والحقوق وتوالى ايام الاسبوع ويرتاب فى الالوان والاصدقاء والصحف والمجلات واقول السلف

****

غير ذلك كان مستجاب السابع، مولعا منذ فجر شبابه بثلاثة : العدل والصيد وامر اخر لا نود ان نذكره هنا، اذ كان يداهمه بكاء ونشيج حين يأتيه نبأ تلميذ طرد من المدرسة لعدم تسديده المصاريف او خبر امرأة لاقت عنتا من كاتب الطاحون ومراقب القواديس، شئ عن جار دخل عليه العيد دون هدوم جديدة ، او مستجابة ضاق بها الحال دون الغموس، او جمل قوضت الاحمال ظهره المسن ، او صبية قطعوا الطريق بينها وبين امها، او غراب حيل بينه وبين عش افراخه، او قناة أسن ماؤها او فسد عشبها، أو غيمة أتلفت الريح مطرها، أو ثرى أصابه ورم الاحتباس، فما كان السابع ينام كما ينام الناس، بل ظل يعس متلمسا ألم البيوت وضيق الخلق، حتى وهو فى غمار رحلات صيده لا يفتأ ان يرسل رجاله ويستقصى حال أهله، ودائما كان عقله ينسحب من لذة محاصرة الغزلان ليعود الى البيوت متسلقا الأبواب والنوافذ ليطمئن، ودائما كان إحساسه الشهم يغادر ملاحقة الاسود وشباك السباع لنسل عائدا الى مكامن الاطفال والايتام والارامل لترتاح جوانحه

****

غير ان أمر السابع – وهو الان بين ايديكم- لم يمض كما نأمل، ولم يعبر كما عبرت حكايات الاسلاف خلال عوائق الدهور، فبينما كان عائدا من جولة عس التقى به شيطان فى هيئة مزرية، ورمق السابع بضحكة فجة خشنة مثل ليف النخل، اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومال السابع يروم طريقا اخر، لكن ابليس داوره وناوره حتى اضطر السابع محنقا ان يصرخ فيه: ماذا تريد يا عدو الله؟ فقال ابليس بعد ان عدل من هيئته المزرية وارتدى مظهرا فاخرا ووضع يده الانيقة -فى ود- حول كتف مستجاب السابع: زوجتك تمنح جسدها لعبيدك، تدق الموسيقى -هكذا قال الشيطان- كل ليلة فى موطن شرفك حتى يتفجر اللبن الرائب من مكامنه دما.
حينئذ- ويالهول الدنيا- دارت الدنيا بالسابع حتى ان الصبح ارتدى أسمال الليل واشعة الشمس البكر اللينة تكسرت الى سيور غرابيل وانحلت عمامة السابع لتصبح امعاء واصطخبت الرياح فى إهاب الجلد الانسانى العادل، واستل السابع سيفه يشج به رأس إبليس، لكن الدنيا ظلت فيفاء ساكنة هامدة تلامسها من بعيد أشعة واهنة لشمس صباح لم يرد من قبل شيطانا .

****

مستجاب السابع – مثلى ومثلك – يتردد فى المباغتة عدلا وتوقيا للمزالق، وكم من طبول دقت على راسك – مثلى- فما اضطربنا تحاشيا لضحك الناس علينا، وعلى ذلك فقد عاد السابع العادل إلى بيته الكبير، وتعمد الا ينظر إلى عبيده وصعد الى مجلسه فتحاشى ان ينظر الى زوجاته، اى منهن تستحق الان ان يفصل رأسها الجميل عن جسدها الشرير، اى منهن تلك التى انغمست منذ ساعات فى برميل الخيانه اللزج، أنى لى أن استحضر ابليسا كى يزيد الكارثة وضوحا والمأساة تحديدا؟ فطلب مستجاب السابع المثلوم قليلا من ماء غير ساقع وابتلع به حبة عقار مهدئ فقام وصلى لله –عز وجل- ركعتى الوجل ، ثم ازداد هدوءا فصلى ركعتى الخوف ثم ركعتى الرحمه ورشف كوبا من لبن دافئ فاستكان اكثر، لكن ملامح عياله بدأت تتشكل قاسية فى ملامح عبيده، وبدأت ملامح عبيده تتسلل إلى تضاريس رؤوس واعماق واجساد ذريته، فى الاذن والقواطع والاصداغ واستدارات الذقون والتواءات الوجنات واستدارات الرقاب، جهنم تفتح الابواب وتتلقى فحيح الريبه وأوار الرعب فعاد السابع الى ركعتي صلاة لا يذكر لها اسما، ثم اعلن قبل ظهر ذلك اليوم قراره بالاستعداد خروجا اخر النهار فى رحلة صيد، فبدأ رجاله فى اعداد الركائب وتجهيز المؤن وسن النبال .

****

هى الرحلة الاولى التى يخرج فيها مستجاب السابع اخر النهار، لم يكن يستطيع -كما تعرف- الانتظار فى جهنم ليلة اخرى، وهى الرحلة الاولى التى لم يصطحب فيها واحدة من زوجاته، لم يكن يقدر -كما تعرف- على النظر الى احداهن دون ان تجتاحه النار، ودقت الطبول لينتشى النجع فرحا وتوديعا، وخرج الركب فى اكمل عدة وابهى زينة واعتى رجال، وفى المقدمة سار السابع مبتسما برغم كل الاعاصير واللهب والاضطرام، انتبه ايها المستجاب لكى لا تصبح امثولة حمق مهما كان الامتحان عسيرا فقال لنفسه: ها انذا ادخل المشقه من باب الرحمه ، سوف اترك للزوجات فرصة الاختلاء بالعبيد، وسامثل بجسد كل من يشارك فى العبث بشرفى: فعلا او مداراة او خوفا او اخفاء او تسهيلا، وستصبح نساء ال مستجاب كلهن موعظة فى تاريخ النساء ، و ستصبح عذارى ال مستجاب –كلهن- البعيدات والقريبات، المخطوبات والمنتظرات، العوانس والزاهدات، ثمنا لهذا الافك، سوف يضع يده على الفعل الاثم إن تحقق، وعلى كل عذراء -بعد ذلك- أن تعد نفسها قربانا لمستجاب السابع: ينالها فى صهوة الليل، ويقتلها فى صدر الصباح، ويدفنها فى صهد الظهيرة، ويستعد لغيرها فى اول المساء

****

ظل ركب الصيد يسير فى الطريق المعهود، والرفاق يتجادلون ويتمازحون ويتضاحكون الا السابع المنكمش فى لباس الصيد والغم والكرب والاحتقان والانتقام، حتى مر يوم ثم يومان، والركب يتمهل فى بقاع سبق للرجال أن نالوا فيها حظا جيدا فى الصيد، وحظوة طيبة فى المرح والانتشاء، لكن السابع كان قد عزم على أن يتيح لنسائه امنيته فى تخييب وقيعة ابليس، وفى اليوم الثالث جاءت اشارته لنصب الخيام، وترك الرجال يتولون شأن الموقع، واستبدل حصانه المعروف للكافة بأخر وادعى لاصحابه انه سوف يقضى امرا، واعتدل على الجواد مطلقا العنان للريح واللهب، ومال الى طريق غير مطروق خشية ان تراه عين فيصل زوجاته خبر عودته قبل عودته، وكل الطرق -مهما طالت او تعرجت- ستؤدى حتما الى الحقيقة القابعة فى مكمن ال مستجاب زوجات وعبيدا

****

فى احقاب تالية -دون قطع لمجرى القصة- روى الشامتون والخباصون والخدم وكتبة الصحف والشعراء انهم رأوا باعينهم مستجاب السابع، فى البقاع النائية وراء الوادى، يبيع الفئوس والنعال والشراشر، ويرتق براذع الركائب ولجامات الحمير، ويشترى الجلود وذيول الخيول وليف النخل، ويتاجر فى المكانس والمنشات ومنافض راس العبد، ويؤجر جواده لعربات كسح النفايات وينادى فى الاسواق على المراهم وقطرة العيون والششم وسفوف دود الامعاء وليستحضر مساحيق الاثارة وخمائر اللبن الرائب، ويوضب مانشتات الصحف ويحرر المجلات ويلون الاغلفة، وينشد القصائد والرباعيات واناشيد الدفاع عن الشرف التليد، ويمارس الحجامه فى رؤوس اليتامى حتى يصل الدم الى الاعناق، ويمسح البلاط ويرص المداميك ويصلح المدافئ ويغسل الصحون ويسبك اللحوم، ويدق الطبول ويعزف الربابه ويرقص منتشيا فى ساحات الاعراس، ويفتح المندل ويقرا الفنجان ويفسر الطالع للغرباء والمقهورين، ويمتطى الضفادع ويصارع الارانب لراغبى التسلية والانبساط، ويصلح السبورات والمقاعد والتليفزيونات والفيديوهات والاحذية وشئون النساء

****

وهذا كله ليس صحيحا ولا يرد به الا على خاطر حاقد او ملتاث او مريض، مع ان خبر مستجاب السابع يقف بنا عند هذه النقطه الحرجه اذ لا يزال اصحابه ينتظرونه بين اكام الشجر تمهيدا للايقاع بغزال اونمر او ارنب او ثعلب ولا تزال زوجاته فى مستقرهن مع العبيد تنتظرن الرجل الذى غاب طويلا، فطوبى لمن تمهل قبل ان يقول ولمن قال قبل ان يفعل، وطوبى لمن فعلها مرة دون ان يخشى، ولمن وضع زهرة على صدر او قصر او قبر، ولمن التقى بمستجاب السابع، ولمن ولد فى الشهر الثانى عشر ولذرية مستجاب التى استشرت فيهم ملامح العبيد .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى