رشيد بلفقيه - كورونا و درس 'المطوقة'.

تروى في الأثر الأدبي المنقول عن الهند ، قصة بديعة يمكن القياس عليها في وضعنا الراهن ، قصة تلك الحمامة التي أشارت على بنات جنسها بالتوقف عن التلجلج في الحبائل بطريقة فردية لأن ذلك لن يفيدهن ، ثم التوحد و التحليق دفعة واحدة للنجاة من شبكة الصيد .
في نفس شبكة بيدبا توجد كل الدول، وحدها الدول العظمى ،أمريكا و الصين و قلة من دول القارة العجوز، تمتلك الآن فرصة تاريخية لانقاد الجميع لو تجاوزت خلافاتها و عقائدها المميتة و وحدت إمكاناتها العلمية القمينة بتسريع عملية إيجاد حلول ليس للكورونا فقط و لكن للمجاعات و الحروب و الأوبئة و حتى الأزمات الاقتصادية التي لن تفارق جنسنا البشري إلى أن تأتي على آخر فرد منه لو واصل التصرف ضد الطبيعة بمثل هذا الغباء .
هنا في مدننا المسالمة الواقعة بين سنديان الإهمال و مطرقة الجهل ، أسير متوجسا في أزقتنا الكئيبة ، حيث يتجول موت مختلف، يقوده ريح أصفر قاتل أصم خفي لا تدركه الأبصار و لكنه قادر على التسلل بصمت للفتك بالأجساد العليلة بلا رحمة ، أسير ، مندهشا بل مرعوبا من قدرة هؤلاء 'الدهماء' على الاستهتار بتلك الهدية الثمينة التي منحت لنا و المسماة 'حياة' ، ربما هم لا يستحقونها و لا يدركون لها معنى و لكنهم هنا أيضا لغاية ما وحده الله يعلمها .
ليس الموت هو أكبر مخاوفنا فهو قادم لا محالة و لو بعد عمر طويل ، لكن تلك الفوضى التي قد توصلنا إليها محاولة النجاة منه هي هاجسنا ، فحين تنكشف تلك الجوانب المخفية المخيفة من بشريتنا المتوحشة التي تطفو مباشرة بعد إحساسنا بالخطر لن نتوقف مرة أخرى ،
و ما أرتال المتبضعين 'الملهوطين' الذين جففوا المتاجر حتى من الورق الصحي سوى صورة تعكس فراغنا من الإنسانية الحقيقية رغم امتلاء مساجدنا و كنائسنا و أضرحتنا أيام الرخاء .
لن تتجاوز كل الدول خطر هذا الفيروس على ما يبدو ، بعضها قد تكون نهايته الحتمية إذا لم يخرج المصل المضاد للوجود خلال أسابيع ، لو واصل مواطنوها التصرف بغباء و تجاهل لكل التوجيهات الطبية ...
أكيد أن أحدهم فتح 'صندوق بانادورا' للمرة الثانية ، فتسلل شر أسود، و هاهو يتأملنا مبتسما قبل أن يبدأ الفتك بالجميع ، أحدهم بلغ به الجشع هذا الحد ...
خرافة القول ، الجميع الآن يطرق باب ذلك الإله الذي قتله نيتشه، بكل اللغات و تحت جميع المعتقدات . في يأس و في أماكن عبادة مختلفة عجيبة أحيانا و بطرق مختلفة و قرابين بلهاء تكشف كم فقدنا أثر الطريق الأولى نحو ذلك الإله الرحيم القادر-وحده- على إرشادنا إلى المعبر الوحيد نحو الحياة ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى