أمل الكردفاني - لعبة العزل-

✍ هناك صمت الآن..
عصفوران يزقزقان خارج النافذة...
إنني أعزل الأصوات غير الضرورية المزعجة..
وأركز في الشقشقة..
صوت العصفور يخرج من أضراسه..ليس للعصفور أضراس.. ولكن جوانب المنقار الأولي.. يخرجها من هناك ثم يمررها عبر انبوبة المنقار..فتحدث صريراً متهدِّجاً... يفعل الضب نفس الشيء. والصراصير الليلية. لكن الضب والصرصار مهمشان بسبب قبحهما....
تهدل حمامة..تحت ظل ما ، يقيها من صهد الصيف الحارق، فأتذكر أضرحة الأولياء المزروعة في الصحراء..الأضرحة الصفراء، حيث تهدل الحمامات الملونة فوقها.
كانت قد قادتني أمي وأنا طفل لأضرحة المراغنة في كسلا..وكانت تجربة مدهشة لا زالت عالقة في ذاكرتي منذ أكثر من ثلاثين عاما بقليل..
أعزل أصوات العصافير وهديل الحمام، فيمتد سكون في خط الأفق ... ثم أصوات أطفال مكتومة..سقوط شيء ، لم أتبينه، دقات كنبض القلب، ربما امرأة تدق الثوم على الهون، طرقات على حديد، أصوات أطفال مرة أخرى ترتفع بدرجة أكبر قليلاً، أعود فأعزل كل تلك الأصوات فيداهمني بوق سيارة قادم من بعيد...أعزله، دكمات منخفضة تأتي من مكان قريب..كشخص ينقل دولاباً من مكانه، عزلته، هل قطعت الكهرباء؟ فأنا أسمع هدراً بعيداً جداً لمولد كهربائي، لا لم تقطع، إذاً فهذه سيارة تعمل بالجاز..أعزل هذا الصوت لكن ارتجافات هدره تلتصق بذهني، .. ينطبق سكون ..فأشعر بالكون كصحراء قاحلة..أخاف، ألغي عزلي للأصوات، فتداهمني كلها في وقت واحد..زقزقة العصافير، هديل الحمام، أصوات الأطفال، دقات الثوم على الهون، بوق السيارة. هدر السيارة....
امتلأ الكون حياة..
هكذا عاد كما كان...وكما سيكون...
  • Like
التفاعلات: أشرف السر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى