حامد محمد حامد - قصر الباشا

لم ير أحدهم الباشا قط ، حتى قصره المنيف الذي يروون عنه الأساطير محجوب وراء أشجار باسقة بارتفاع عدة أمتار ، و لم يره أحد من أهل البلدة على الإطلاق ، لكن الجميع يعرفون أنه موجود ، و أن الباشا يقطنه ، و على الرغم من أن أحدا ً لم ير بابا السور الضخم ذا القفل الصدئ يفتح أبداً ، إلا أن البعض يزعم أنه يفتح عندما يعود رسول الباشا بعد أداء مهمته ، حتى الأطفال لم يحاولوا أبدا ً تسلق السور ، لا خوفاً من قطع الزجاج الحادة المنتصبة كمخالب قطة ترضع صغارها ، و لكن لأن الباشا لا يرحم المتطفلين أبدا ً ، كما يلقنهم أهلوهم دائما ً ما تلقنوه بدورهم عن آبائهم ، و لأن الباشا لا يرحم فإنه يجب أن يطاع ، لذلك لا يجرؤ أحدهم على أن ينبس عندما يطرق رسول الباشا الملثم بابه ، و يطالبه بهمس كالفحيح بخراج الباشا ، كلهم يوقن أن الرسول سيطرق بابه يوما ً ما ، حتى النسوة لا يقوين على رفع أصواتهن بالعويل مع انصراف رسول الباشا حاملا ً غنيمته ، أما الفتاة ذاتها فهي تعد نفسها للقاء الباشا ككل فتيات البلدة منذ أن زارهن خراط البنات ، و لأن الباشا عادل فهو لا يبعث رسوله لدار مرتين أبدا ً ، أما الفتاة فإنها دائماً ما تعود بعد عدة سنوات لزيارة أهلها زيارة خاطفة ، تعود كزهرة في أوج تفتحها ، لكن هناك هذا الاربداد دائما ً في وجوه من يعدن ، و الذي لا تستطيع أكوام المساحيق التي يضعنها إخفاءه ، و لا تزيد زيارتها المسائية تلك عن بضع دقائق تتبادل فيها بعض كلمات المجاملات مع أهلها بلا روح كأنما تعزي في مصاب لا تعرفه ، قبل أن تذهب ثانية بإرادتها هذه المرة ، ربما للأبد ، و يطوي أهلها صفحتها نهائيا ً بعد ذلك .

من أول من اكتشف أن بوابة السور مفتوحة على مصراعيها و أنها غبر قابلة للإغلاق أصلا ً ، لا يعلمون ، كل ما يعرفونه أنهم و جدوا أنفسهم ذات يوم يهرولون تجاه قصر الباشا ، قبل أن يتشجع بعضهم و يلج البوابة المفتوحة فيتبعه الجميع ، ليجدوا أنفسهم في خلاء شاسع على مرمى البصر ، و لا أثر فيه للقصر ، و على الرغم من أنهم لم يعرفوا أبدا ً أين تذهب بناتهم طوال هذه السنين ، إلا أنهم ما يزالون يستجيبون لرسول الباشا عندما يطرق دورهم ليلا ً .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى