الشاعر مؤمن سمير: أهلى يروني شخصاً غامضاً ومنطويًا.. حوار: خالد حسان

مؤمن سمير شاعر مصري ينتمي عمراً ونشراً لجيل التسعينيات في الشعر المصري .. بدأ النشر مبكراً حيث لم ينته عام دراسته الجامعية الأخير إلا وديوانه الأول " كونشرتو العتمة " في المطبعة ، بعدها توالت دواوينه التي لفتت الانتباه إلى مشروعه الفني المتميز والخاص حتى بلغت أربعة عشرة ديواناً تنتمي كلها لقصيدة النثر وهي القصيدة التي لازالت تثير الزوابع رغم المنجزات الفنية العديدة والملموسة ورغم مرور الأحقاب على كتابتها وهو ما يؤكد حضورها الطاغي .. يعد مؤمن واحداً من أبرز شعرائها والمتابعين لها في كتاباته النقدية .. يكتب كذلك المسرح والسرد والمقال لكن يظل الشعر هو سؤاله الأكبر .. كتبَ عن تجربته العديد من النقاد ومؤخراً قدم الباحث محمد عبد المريد في جامعة جنوب الوادي رسالة ماجستير عن أعماله ..

التقته " بتانة " في هذا الحوار :

(1) هل تواجه كتابتك صعوبة في التواصل مع بعض الجمهور؟ وهل تخاطب من خلالها قارئا بعينه؟
- لأن كلمة الجمهور كلمة غير محددة ومتسعة و بلا ضفاف فلا مفر من تقسيم الأمر،إذا كنتَ تقصد أهلي وأصدقائي الذين لا ينتمون لفئة المثقفين ولا المبدعين فإنهم مرتاحون تحت تأثير الصورة النمطية عن المثقف والمبدع والتي رسختها وسائل الإعلام بقصدية وإصرار يدعوان للتعجب ، وبالتالي فهم يروني شخصاً غامضاً ومنطوياً يهتم بأشياء غير اعتيادية ويكتب كلاماً رغم أنه مكتوب باللغة العربية إلا أنه غريب وصعب لدرجة استحالة الفهم وبهذا فهو قابل طول الوقت للتهكم عليه ونسيانه أحياناً ولهذا قضيت عمري كله أجيب على سؤال " لماذا لا تكتب أغاني أو تكتب كلام بيأكل عيش زي الأفلام والمسلسلات أو على الأقل يكون واضح ما يخنقناش" أما الجمهور المثقف فهو نوعي ومدرب ومعتاد .. وإذا كان مبرر سؤالك هذا أن بعض نصوصي قد وصفها بعض النقاد بأنها "باطنية " تستخدم الوعي واللاوعي بتساوٍ ، فلا أظن أن كل نصوصي كذلك ..إن حالة القصيدة هي ما تقودني لشكلها وصياغتها ، فقد أكتب قصائد بسيطة بلا مجاز تقريباً وأقرب للسرد وبعدها مباشرة أكتب قصائد فيها مجاز صريح وما سوى ذلك من أشكال بلا تخطيط مسبق مني .. وبالطبع لا أخاطب أحداً ولا أرسم قارئاً بالذات وأنا أكتب ، فقط أستجيب لباعث الكتابة الداخلي وأكتب ولا علاقة لي بكل ما ومن هو خارج النص..

(2) كيف ترى ظاهرة فيسبوك وهل أثرت في حركة الشعر وما إذا كانت أفرزت أصوات شعرية حقيقية أم لا؟
-لكل ظاهرة جوانبها المختلفة والمتضادة ، المفيدة أو الضارة .. وبالنسبة لوسائل التواصل فلا محل لإنكار أنها نجحت في اكتشاف شعراء جدد وجيدين ، حيث أفرزتهم : الحرية ونطاقاتها وكونها محفز حقيقي على الإبداع ، لعبة التدوينات المغرية بالكتابة وإعادة الكتابة ، وكذلك معاينة رد الفعل لعملك بشكل سريع ومباشر .. كما أنها في الحقيقة قد حمَّست وأغرت المبدعين الذين ابتعدوا عن ساحة الإبداع لأسباب عدة ، على العودة واستئناف مشاريعهم ..ثم إنها أوصلت مشاريع شعرية كبيرة لأقصى درجات التفاعل والوصول .. وعلى الطرف الآخر من الأمر ، نجدها قد رسخت لشعراء بلا مشاريع وكرست لنصوصهم الضعيفة ومنعهم هذا التكريس من مساءلة نصوصهم والانطلاق خطوات نحو التجويد ، فظلمتهم من حيث أسعدتهم بالإعجابات والقلوب الحمراء لأنها بهذا تكون قد حاصرتهم في كهفهم الوهمي..

(3) من يقرأ دواوينك يشعر تأرجح في الكتابة بين نسختين من قصيدة النثر، قصيدة التفاصيل بمجازها الجزئي وقصيدة المجاز والتراكيب اللغوية،من "كونشتو العتمة" لآخر دواوينك ..أظنك تخلصت من ذلك التأرجح وخلصت إلى صوتك الخاص وجملتك الشعرية في دواوينك الأخيرة، ما تعليقك؟
-يظلم نصي من يؤطره في سلةٍ وحيدة أو تحت طريقةٍ ما ، حيث لا أرى أن نصي يتأرجح بين الطريقتين الشائعتين لكتابة قصيدة النثر وإنما ما حسمته منذ البداية هو عدم الاعتقاد النهائي في طريقة أو توجه في الكتابة وسجن نفسي فيه أياً كان ..أنا أجرب وألعب طول الوقت بلا يقين في أي شئ ، اليقين الوحيد هو اختياري لهذه المتاهة الجميلة المسماة ب قصيدة النثر وهي المتسعة الطيعة والتي أستفيد من رحابتها في فتح القوس لآخره ،ومن ثَمَّ ستجد عندي نصوصاً تنتمي لكافة التوجهات لكنها طول الوقت تنتمي لنفسها أولاً وآخراً ..إن النص هو الذي يختار الثوب الذي يرتديه ومادته ولحمه وشحمه وما أنا إلا شاشة عرض لهذا النص أو جدار يظهر عليه .. بمعنى مباشر، إن عبارة (الوصول لصوتي الخاص ) لا تعني عندي إلا أن نصي قد شاخ وانتهى أمري ! الشعر لا نهائي وأنا ألهث وراءه أياً ما كان المكان أو الرائحة أو الصوت الذي قد نقابل فيه هذا العصي العاصي أو حتى يمعن في الاختفاء فنستمتع برحلة الخيال في حد ذاتها..

(4)هل منعتك الإقامة في بني سويف وبعدك عن القاهرة من متابعة الحراك الشعري؟ وهل أثر ذلك على تجربتك؟
-قديماً كانت الأماكن النائية تحرم البشر من التعبير عن موهبتهم أما اليوم فقد انقلبت الآية وأصبح الإنسان حتى وهو جالس في مكانه يعاني من الضجيج والزحام ويحن للصمت والسكون ليهدأ جهازه العصبي قليلاً . .وبالنسبة لي فقد طرحت نفسي على نفسي كمتعاطٍ للثقافة والإبداع مبكراً في زمن كانت وسائل النشر فيه ضنينة وفكرة مركزية القاهرة في عز صولجانها وكانت رسائل البريد هي وسيلة الاتصال الثقافية الوحيدة لهذا كنت أبذل مجهوداً بدنياً مبالغاً فيه لمتابعة الحراك الشعري ناهيك عن الاشتراك فيه .. والعجيب أن هذا لم يؤثر على تجاربنا نحن أبناء المحافظات الذين حالت ظروفهم دون الإقامة في القاهرة وإنما أعطاها زخماً وعمقاً..أما تجربتي الشعرية فكانت تتأثر بشعر العالم بنفس درجة اهتمامها بشعر العرب والشعر المصري وكان الكتاب الورقي بالطبع هو الوسيلة الوحيدة والصادقة التي تصنع بناء للوعي بلا تأثير للبعد أو القرب من المركز البراق..

(5)هناك شعراء يحبون الإنزواء والبعد عن الوسط الثقافي والأضواء وآخرون يجدون أنفسهم في الإنتشار من خلال التواجد المادي أو النشر.. أين تجد نفسك؟ ولماذا؟
- أنا لست كائناً اجتماعياً بالأساس ويعود ذلك للنشأة الجافة فلولا العمل الذي يجبرني على الخروج أظن أنني كنت سأقضي غالبية الأيام بلا خروج .. ويمكن أن يكون مكان إقامتي قد ساهم في ذلك فهو مكان أعترف أني مغترب فيه بشكل كبير لكن الأمور ليست مأزومة على إطلاقها أو مَرَضية فلي بعض الأصدقاء وأجلس أحياناً على المقاهي وأحضر بعض الفعاليات الثقافية و كثيراً ما ترن ضحكاتي في الطرقات ..وبالنسبة للنشر ، أقدم كتبي وأنتظر حتى تخرج ، يستغرق هذا شهوراً أو حتى سنوات ، نحن في مصر يا أخي..وفي نهاية الأمر، لم أجد سعادتي الحقيقية في العزلة ولا وسط الأحبة و قديماً كنتُ أبحث عنها لكني اليوم يئست منها واعتبرتها وهماً وحيلةً نسعى وراءها فقط لتمضي بنا أوقاتنا على هذه الأرض..

(6)حظى جيل التسعينيات الذي تنتمي إليه لمزيد من الإهتمام سواء بالدراسات النقدية التي تناولت أعمالهم أو بالنشر في الصحف والمجلات؟ هل ترى أن ذلك الجيل لا يزال متواجداً بقوة داخل المشهد الشعري أم أن الأنظار راحت تجاه جيل جديد للقصيدة؟
-كطبيعة الدورات الزمنية لم يعد جيلي هو الجيل الذي يثير المعارك ويحظى بالاهتمام حيث استبدل البحث عن المشروعية والوجود بسؤال الفن والإنتاج وانضم لسابقيه جيل السبعينات وجيل الثمانينات في استكمال أفراده من أصحاب المشاريع لمشاريعهم وانسحاب مشاريع البعض الآخر من المشهد بالوفاة أو بالابتعاد .. المشهد المصري الحالي في قصيدة النثر يتكون من بانوراما هائلة تضم الأجيال الجديدة التي تألقت مشاريعها بعد هذه الأجيال والموجات المتميزة ، ومعهم وجوارهم أفراد هذه الأجيال الكبيرة ، مَنْ طور منهم مشروعه أو حتى مَنْ أصر على أن يستنسخ منجزه ..الجميع هنا ، مَنْ بدأ وتشي تجربته بشعرية خاصة ومَنْ لا زال يرسم الملامح ويجرب ومَنْ يطور شعريته بطموح وجرأة وإصرار ومَنْ اكتمل منجزه وترسخ .. الجميع يعمل لرفد نفس الأتون باللهيب ..

(7) كيف ترى مستقبل قصيدة النثر؟
-لم تحدد قصيدة النثر لنسقها الجمالي خط سير بل إن السيولة التي تتسم بها هي ميزتها الكبيرة ربما .. فقد تتجه إذن نحو المزيد من التجريب وقد تنتهي للسردية الخالصة وقد يصبح الغالب عليها هو التكثيف الشديد وتقليل عدد الكلمات وقد تستفيد من التقنيات الحديثة لتشترك العديد من الوسائط في صنع النص الفائق أو نصل لدرجة ما بعد قصيدة النثر وهو أمر لا أرى أنه سيفارق ملامح هذه القصيدة بالكلية ولكنه سيثور على ما يراه منجزاً لها ..هي قصيدة حرة ولعوب فلنتوقع منها أي تطور .. ليست المشكلة في قصيدة النثر بل في كل وسائل تعبير البشر ، حيث أنَّ ما يثير القلق هو أن نتجه للمزيد من الآلية والميكانيكية ونتجاهل بعضنا رويداً رويداً ..لا تقلقوا على قصيدة النثر بل اقلقوا على الإنسان الذي قد يبكي على زمن كان يعبر عن مشاعره باللوحة أو بالقصيدة ..

(8) لو لم تكن شاعراً ماذا كنت تحلم أن تصبح؟ وهل تعتقد أنك اخترت بكتابة الشعر الطريق الأنسب لحياتك؟
-لو لم أكن شاعراً كنت أتمنى أن أكون فناناً تشكيلياً أو موسيقياً ..لا مناص عن اختياري للفن .. يبدو أن هناك يقيناً خفياً بعجزي عن النجاح في أي مجال واضح ومباشر حيث لا يناسبني إلا التواري والتعبير عن نفسي عن طريق الرموز والدلالات ، أي من وراء جدار..
هل اخترت الشعر ؟ نعم اخترته لأنه مسكينٌ مثلي يضحك على روحه باستخدام الخيال ويبني بلاداً ويصل لحبيبته ويعايش وَهْم أنه يخلق ويصيغ ..الشعر الذي يعتمد على الانحراف عن اللغة الاعتيادية يشبه شخصيتي المخاتلة والمتراوحة ..الفن الذي يلعب من خلف ظهر الواقع ويعيش في كياناته الزجاجية رغم أنه لا ينفصل عن سيرورة الأحداث هو المناسب لشخصٍ يعيش أسئلة دائمة بلا إجابات ، تحاصره على الدوام لكن عزاءه أنها تشبه ذلك الفن الذي يسأل أسئلته بصيغٍ يناضل كي يغيرها كل يوم ثم يعطي ظهره ويطير ..

(9) هل تعتقد أن الشعراء الشباب أو جيل الألفية الجديدة لديهم ما يميزهم أم أنهم يدورون في فلك جيل التسعينيات؟
- ليس من المنطقي أن يكون الجيل الأحدث بعيد عن التأثر بجيل التسعينات بالذات وبالجيلين السابقين عليه ولكن لأنهم لا ينتمون لجماعات ولا ليافطات فنية يتجمعون لتكريسها فإنهم يكونوا قد وصلوا مبكراً لحقيقة فردية الشعر وينتظر كل منهم أن ترى مناط تميزه وتأثراته العادية أو الملتبسة بمن قبله دون رفده بالآخرين .. ستقابل في هذه الأجيال الجديدة مشاريع غاية في الأهمية والتميز وأصوات نجحت في نحت توجهات جريئة ومتسعة في الكتابة وأزاحت تأثيرات السابقين رويداً رويداً كما أن هناك من يصلح لأن تنتظر وتراقب مشروعه على أمل أن يشرق في قادم الأيام .. مع ملاحظة يجب أن نتذكرها ، أنه في الفن ليس من الثابت أن يأتي الجيل أو التوجه أو المدرسة الفنية ليزيحوا مَنْ قبلهم ويُقصوهم ويوقفون نبض تطورهم بل تحدث الإضافة طول الوقت ويتم التراكم لتتسع الجدارية وتظل حيةً على الدوام...

(10) هل أثرت كتابة الشعر على حياتك الشخصية أو العكس؟
-أثرت كتابة الشعر على حياتي فزادتني التصاقاً بنفسي وزادتني بحثاً عن بدائل درامية تعوض التواصل الضائع عند ذلك يراقب الحياة ويبني تصورات عنها أكثر مما يتذوقها .. وبالنسبة للقراءة فلا بديل عنها لينفتح المدى أمام روح الشاعر الذي يتأثر بالتفاصيل الملموسة ويعاينها ويخزنها في جنباته الماصة لكل ما يجري .. الحياة بسخونتها وتفاصيلها والقراءة ، جناحان لا بديل لأحدهما عن الآخر لينطلق الخيال الذي يبني عوالمه وينقضها كل لحظة ..

(11) هل هناك متعة يجدها الشاعر في الاتصال مع الجمهور أو أن يصبح مقروءا من أكبر عدد من الجمهور؟ وإذا كانت الإجابة ب"نعم" لماذا لا يكتب الشعراء بشكل أبسط وأقرب إلى وجدان الجمهور العادي؟
- بالطبع يسعد الشاعر إذا أحس أنه مُتابَع ونصه واصل للمتلقي ولكن ليس من المنطقي أن أرسم نصي على مقاس المتلقي الذي هو أطياف وأشكال وتوجهات لا نهائية وليس قيمةً ثابتة ، فقد يفضل قارئ الكتابة الأبسط ، البيضاء ، وقد ينحاز آخر للكتابة المركَّبة التي تترك فجوات يملأها القارئ القادر على بناء الاحتمالات .. أكتب نصي فقط أما ما قبل النص وما بعده فليس بإمكاني وليس من طموحي السيطرة عليه...
موقع (بتانة نيوز) ، يوم 28-04-2018
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى