أحمد الديباوي - "دنيا القرآن".. قصة مخطوط يدفع عن طه حسين تهمة نقد القرآن الكريم

من ضمن الاتهامات الباطلة التي طالت، الدكتور طه حسين، اتهام ساذج روّجه الإسلامويون، سواء مَن ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، أو من ينتمون إلى التيارات السلفية المختلفة، ويدور هذا الاتهام حول "إنكار" طه حسين صلة النص القرآني بوحي السماء، و"وجود أخطاء، نحوية ولغوية وأسلوبية، فادحة في معظم آياته"، حتى أنّهم روّجوا في أدبياتهم ومنشوراتهم عبارة باطلة، انتحلوها على عميد الأدب العربي، "أعطوني قلماً أحمرَ لأُصحّح لكم أخطاء القرآن"!

إبطال اتهام طه حسين بنقد القرآن الكريم

ومما يؤسَف عليه؛ أنّ اتهاماً باطلاً كهذا انطلى على كثيرين، فردّدوه، وتناقلوه، وروّجوه بين طلاب الجامعات وعوام الناس، إلى درجة أنّ ثلّة من الأساتذة في جامعة الأزهر، من ذوي الأيديولوجيات الإسلاموية، ذكروا تلك العبارة في بعض كتبهم، من ضمن ما ذكروه من تشنيعات وأكاذيب حول سيرة وفِكر عميد الأدب العربي، دون أن يدركوا، من قريب أو من بعيد، أنّ للدكتور طه حسين كتاباً آخرَ مهمًّا للغاية هو "مرآة الإسلام"، الصادر العام 1959؛ فعلى صغر حجمه، يصول فيه العميد ويجول، بعبارات موجَزة، ليُثبت أنّ القرآن الكريم كتاب معجِز، ونظام دقيق، راعى العربي القديم من أهل الفصاحة واللسان والبراعة في تصريف القول؛ فهو يقول، في صفحة 75، طبعة هنداوي: "أما القرآن الكريم فهو المعجزة الكبرى التي أتاها الله رسوله الكريم، آية على صدقه فيما يبلّغ عن ربّه، والقول في إعجاز القرآن يكثر ويطول وتختلف وجوهه وتختلف فنونه أيضاً، فالقرآن كلام لم تسمع العرب مثله قبل أن يتلوه النبي"، وكذا يقول، في صفحة 78: "لكنّ للقرآن وجهاً آخرَ من وجوه الإعجاز، لم يستطع العرب أن يحاكوه أيام النبي، ولا بعده، ذلك هو نظم القرآن، أي أسلوبه في أداء المعاني التي أراد الله أن تؤدى إلى الناس، لم يؤدِّ إليهم هذه المعاني شعراً، كما قدمنا، ولم يؤدها إليهم نثراً أيضاً، إنما أدّاها على مذهب مقصور عليه، وفي أسلوب خاص به لم يسبَق إليه، ولم يلحَق فيه"، فكيف له أن يقدح في القرآن الكريم، ويتهم الرسول الكريم بتلفيقه بعيداً عن وحي السماء؟! وكيف له أن يتجاسر علانية فيطلب من تلاميذه أن يعطوه قلماً أحمرَ ليصحّح أخطاء القرآن الكريم؟! وهل كان العميد يرى بعينيه حتى يستطيع الإمساك بهذا القلم الأحمر المزعوم؟! الأمر الذي يؤكّد احترام الرجل، بل تقديسه القرآن الكريم، الذي حفظه وهو صغير، وظلّ مواظباً على قراءته حتى توفاه الله.

ويبدو أنّ الأيام تأبى إلا أن تحمل إلينا ما يؤكد إجلال الدكتور طه حسين للقرآن الكريم، واحترامه لبلاغته وإعجازه، كما تأبى إلا أن تُدهشنا، كما أدهشنا العميد وهو في قبره، وبعد مرور نحو 45 عاماً على وفاته؛ فقد أعلنت جريدة "الأهرام" المصرية العريقة، في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي؛ أنّها نجحت في الوصول إلى مخطوط كتاب نادر للدكتور طه حسين، عثرت عليه حفيدة عميد الأدب العربي، السيدة مها عون، وكان العميد قد قام بإتمامه في بداية السبعينيات من القرن الماضي، تحت عنوان "دنيا القرآن"، وحصل على نسخة من المخطوط الدكتور خالد عزب، رئيس قطاع المشروعات بمكتبة الإسكندرية، وقد تحدث بدوره عن تفاصيل هذا الكشف الأدبي الكبير.

قصة مخطوط كتاب "دنيا القرآن"

لهذا الكتاب قصة؛ فلم يؤلّفه طه حسين مرة واحدة؛ بل على مراحل، وكانت بدايته عام 1943؛ عندما دعته جمعية "الشبان المسلمين" في الإسكندرية، لإلقاء محاضرة بمناسبة ليلة القدر، وبينما كان يُعدّ موضوع هذه المحاضرة جالت بخاطره فكرة أن يؤلف كتاباً عن القرآن الكريم، خصوصاً أنّ ما طرحه في جمعية الشبان لقي قبولاً من الجمهور، ونجحت محاضرته في أن تجذب الجمهور، ويشرح الدكتور خالد عزب ظروف تأليف هذا الكتاب النادر، فيقول: "من الواضح أنّ نصّ هذا المخطوط كُتب على عدة مراحل، فقد بدأت فكرته عام ١٩٤٣، مع محاضرة الإسكندرية، التي كان موضوعها "الأمثال في القرآن الكريم"، فكتب عقب المحاضرة أول فصل من الكتاب بالعنوان نفسه، ثم بعد خمسة أعوام، عام ١٩٤٨، كتب الفصل الثاني "القصص في القرآن الكريم"، ثم تتابعت الفصول، ويبدو أنّ العميد لم يتمم كتابه إلا قبيل وفاته ببضعة أعوام؛ إذ كتب، بعد هزيمة عام 1967، فصلاً تحت عنوان "مصر كنانة الله.. مكانها في دنيا القرآن"".

لا نجادل في أنّ مخطوطاً كهذا، بعد طباعته ونشره، سيكشف كثيراً من آراء الدكتور طه حسين حول النص القرآني، ونظْمه، فضلاً عن بلورة فلسفته لفهم معاني القرآن، واختلافها عما هو سائد ومتداوَل في مدوّنات التفسير التقليدية؛ فالعميد في "دنيا القرآن" يسعى إلى أن يفهم الناس القرآن الكريم فهماً يقودهم إلى الانفتاح على الحياة، واستيعاب ظواهرها، والاهتمام بما وراء اللفظ القرآني، حتى يستفيدوا منه في البناء والتقدّم.
أعلى