العربي الرودالي - متاهات اليسار المغربي

الأسئلة التي تفرض نفسها، هي: هل وصلنا إلى ما وصل إليه الغرب بعد عدة قرون، حتى نتمثل ب"ثقافة" حداثته الصرفة؟ وهل إذا شئنا تحقيق ذلك، كم يلزمنا من قرون أخرى، إذا ما كان هذا الغرب سريع التنقلات وقطاره لا يتوقف سيره؟ أليس هذا الوهم هو عبث جزافي سيجعلنا، مجرد ذيل له فقط ؟ أليس علينا أن نسير بتوازن واعتدال بين التحديث والتأصيل بدل أن نفرط في الذات، فنتركها تتدمر ونصبح بعد ذلك هامشا فقد بوصلته في يم عارم، كما حصل لشعوب مانغوليا المذابة والهنود الحمر المبادة والشعوب الإفريقية المهانة…؟




-نعم قد نفترض، نحن في المغرب، أن اليسار انهزم، كما تجلى في تراجعاته.. لكن سواء انهزم أو لم ينهزم فليست هذه هي قضيته..ما اصطلح على تسميته"باليسار" هو بالدرجة الأولى مسألة مفهوم.. ليس لدينا الآن وحتى في العالم الغربي يسارا أو يمينا..هل نحن لا زلنا في الحرب الباردة ؟ هل توجد بالفعل والقوة جدلية الديالكتيك، فنسقية طبقية منمذجة، وحتمية البروليتارية واعدة ؟ إن موضوع اليسار المغربي، يمكن الإسهاب في تعداد أسباب وأحوال وظروف الانتكاسات التي أفشلت سيرورته في نضاله الدعاوي، بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وأرتباك منظور مشروعه، الذي فتت نخبه وأحبط مناضليه، حتى صار يتخبط باحثا عن تماثل آخر، كمعانقته للعلمانية مثلا، رغم أن هذه الأخيرة لم تكن تستسيغها تقدميته وجدليته التاريخية، بل وحتى الليبرالية تراجع منظوره ليتطابق معها.. والأهم من ذلك خاصة، غياب رؤية مستقرة لديه.. الحقيقة أنه بدأت تسود في عالمنا الراهن ديموقراطية حزبية بقطبين رئيسيين لتدبير الشأن العام،كبريطانيا وأمريكا وألمانية … بدل تعدد "اليساريات" والليبراليات…وذاك ما جعل التقدم يتمركز وصيرورته تتعزز بالمنافسة والتباري، لتنفيذ المشاريع المطروحة.. وليس كما هو حاصل لدينا بتحويل المنافسة إلى خبث ومكر وعداء، والتباري في عراك صاخب بنهج "دعواتي"حاد، لا فرق فيه بين السياسة والإيديولوجيا أو المذهبية، إضافة إلى استنساخ نماذج مستوردة…فعلى ما كان يسمى باليسار أن يجدد نفسه ويتوحد، إذا كان الحزم النضالي لديه لازال جادا، فيطور فكره وبالتالي نهجه، بناء على: أولا وأساسا، احترام المجتمع في هويته التاريخية والأخلاقية والوطنية المشتركة بيننا جميعا، لأن انعدام هذا الاحترام هو ما جعل الشعب ينفر من السياسة ويستخف بها، ما دامت تنحو منحى التفاهات والسلوكات الفردية والنخبوية الشادة.. ثانيا، التفاني في المواطنة والعمل على تطويرها اجتماعيا وديمقراطيا أكثر من أي شيء آخر، لأن ذلك هو رهان الثقة في السياسة ونخبها .. ثالثا التجديد الفكري المتنامي في الذات والكيان والقيم، إيجابيا وتحديثيا، وفق الانتماء إلى مجتمع فتي لا زال يتلمس طريقه، وهذا ما سيرفع معنويات كفاءاتنا وطاقات أجيالنا الطموحة إلى إثبات ذاتها،لأننا لم ننطلق بعد..من هنا،علينا أن نكون أو لا نكون..وإذا تحدثنا ديمقراطيا، فالاختلاف الثقافي/الحضاري بكل أدواته الأخلاقية والتنظيمية والنوعية، مرغوب فيه.. أما الخلاف فهو وحشي هجين، بكل آلياته الاستفزازية والاعتباطية والإقصائية، من أي طرف كان..إن الإنسان بطبعه اجتماعي وسياسي،هاجسه هو التعايش والتوافق والتواصل بتؤدة …والعدالة الكونية بمعناها المعاصر،أي الديمقراطية، لا تقديس فيها للفرد خارج المجتمع كمنظومة ثقافية..وذاك هو ما سارت عليه الإنسانية وناضلت، منذ حلم "المدينة الفاضلة" كتصور مثالي، ليس مع"أفلاطون"فحسب، بل فيما قبله وما بعده…هذا، ومن جهة أخرى، نلاحظ أن الغرب نفسه صار ينزع، بشكل متنامي، إلى أصولياته عن طريق أحزاب مغرقة في اليمينة لأنه يخاف على منظومته الاجتماعية والإثنية والحضارية، كما يعبر عنها بمنظوره الشوفيني.. فلنعترف إذن أن هذا الشدود هو انحراف للديموقراطية مرفوض.. ولذا فلا غرابة أن يخاف عندنا على هويتنا الذاتية في هذا الزخم من التجاذبات والتقلبات …من هنا علينا أن ننضج جميعا ديموقراطيا، ونعترف بأن الوطن كيان واقع وملموس، ويستحيل أن يكون نسخة مستنسخة.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى