أحمد بلحاج آية وارهام - النقطة ذاتٌ لا تموت

من سذاجة مرحلة الصبا،وانحدار سقف المعرفة فيها،أنني كنت في الكتاب أتميز غيظا كلما فرك أذني الفقيه،بسبب نسيان نقطةٍ في حرفٍ لا تتحقق ماهيته إلا بها.
وكان يقول لي بعد كل فركة نارية:يا ولدي؛إن هذه الحياة لا تقوم إلا على النقطة كما يقوم السقف على الجدران.وكنت أحاول أن أقيم في ذهني الصغير صغر مخ العصفور تقابلا بين النقطة والجدران،فلا أظفر إلا بالغرق في بحر الحيرة،فأسخر في أعماقي من الفقيه،وأصمُه بالبلاهة،لكونه يشبه شيخا - سقط الثلج على رأسه دون جميع من أراهم في الحي - كان يملأ صمت الأزقة بكلام لم يفهمه الكبار ولا الصغار،ويشير بيديه إلى ما لا يُرى.
وحين قطفتُ من شجرة المعارف ما سمح به زمن الطلب،وأخذتُ من جؤنات عديدة ما تيسر،وفتح للوجدان آفاق العرفان ، وانسلكتُ في المدار الصوفي انسلاك الأب والجد فيه ،وقفتُ على معنى النقطة،وتولهت به،وترحمت رحمات طيبات على فقيهي في الكتاب،وعلى سيدي أبي محمد عبد الله الغزواني أحد الرجالات السبعة بمراكش،المعروف ب(مُولْ الْقْصُورْ)،الذي بسط لي سرَّذلك في كتابه المسمى(كتاب النقطة الأزلية في سر الذات المحمدية)،وهو مخطوط خاص في خزانتي،اجتبته روحي منذ ما ينيف على خمسة عقود.يقول فيه؛في معرض سؤال وُجه إليه عن النقطة التي يكتمل بها العارفون؛فقال:
(هي سر من أسرار الله البديعة،يُرى شكلها في أشكالهم،ليست هي نقطة على الحقيقة،ولكن نعوت كرامات،لا تُكيف ولا تنقسم،ولا يجوز عليها ما يجوز على المستحيل من الفناء والدعم.فهي دائما تزطم ذات العارفين، وتمزج بها.
فكل ذات زطمتها مواهب النقطة تصير كالزجاجة،ظاهرها حِس،وباطنها معانٍ،وباطن باطنها تحقيقٌ،فلذلك كان الإلهام نعوتَها،والوحي لسانَ سلوانها،والمادة زطمةَكلامها.فإذا سمعت النقطة كلاما في الزجاجة انفلق البحر بالجود المُودَع فيها،فظهر وجود النقطة لكل من دنا واقترب، و شاهدها شهادة لا بها ولا فيها.
فسَّرها أهل الحق بذات لا تموت).


-------------
الورقة 29 من المخطوط المشار إليه أعلاه

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى