ميلود خيزار - الكارثة، من زاوية معاكسة..

يمكن اعتبار الكوارث فرصة المجتمع الثمينة لمعرفة ذاته و للكشف عن وجهه الأخلاقي " الحقيقي". و الأمر ذاته بالنسبة لمسؤولي هذا المجتمع.

أتابع التقارير الأولى لاستعادة الأرض بعض " أنفاسها" و " عافيتها" من أثار التلوّث الذي راكمته " مباهج الحضارة" على نقاء الحَجر و الشّجر و الإنسان، و ربما رسمتُ على شفتيّ اليابستين تلك الابتسامة الماكرة: شكرا أيتها " الكورونا".

أتابع تشديد الخطاب الوقائي على سلوك "غسل اليدين" كمبدأ وقائي" (و كدرس تربوي استدراكي في النظافة).

أتابع انهيار الأسواق و حمّى "التخزين" و بشاعات "المتاجرة في الكوارث" (سياسيا و تجاريا).

أتابع نصيحة العودة إلى "احترام مسافة الأمان" في سلوك التواصل البشريّ و تجنّب التقبيل العشوائي و فوضى الأيدي التي تلوّح للمصافحة في كل الاتجاهات. الآن سيدخل الإنسان مدينة "الوعي" من بوّابة اليد.

أتذكّر، منذ عشريات خلت، هجوم "وباء" البعوض على المدينة، انطلاقا من ثكنات أقبية العمارات و المناطق الرّطبة كبساتين النخيل. في قاعة الاجتماع الذي دعا اليه الوالي، آنذاك، و الذي ضمّ العديد من فعاليات المجتمع "المدني"، راح الوالي، بخطبته العصماء يتحدث عن النظافة و الوقاية و السلوك الاجتماعي بطريقة تفوح منها رائحة الاحتقار و الإذلال راسما تلك المسافة " السلطوية" بين " السادة" و " العموم". حينها، قام احد الحاضرين و سال الوالي مستغربا: " و لكننا، سيادة الوالي، نلاحظ أنكم بدأتم بحماية أنفسكم و بمقر سكناكم الذي يكاد يستهلك كل مخصصات الولاية من مواد التطهير". لم يتغير الأمر كثيرا منذ ذلك العام، و لا يزال بعض " غير المسؤولين" يقدّمون أسوا الصور عن " أخلاق الدولة".

قد يكون من مزايا "الكوارث" استعادة " دفء الأسرة" و " الأسرّة" من شتاء الحضارة المستنزفة للحبّ و التضامن و القيم الإنسانية النّبيلة.

للكوارث جانبها الفضاح الذي لا يمكن أغفاله: وضع الإنسان في مواجهة عارية الوجه و اللّسان حيال "قيمه" و "قناعاته" و "تصوّراته".

شكرا "للحَجْر" الذي أعاد "القطعان الضالّة" إلى "الحُجر" و حَطّم فيها غرور "الحَجَر".

الكارثة هي امتحان حقيقي "لجهاز المناعة العمومي"، أخلاقيا و سلوكيا.
سلامتكم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى