صابر الجنزوري - نصف القمر.. قصة قصيرة

نصفها معه و نصفه معها .. يرى نصف وجهها المشوب بحمرة أوراق الورد، وعين خضراء، وأنف إمرأة فرعونية، وشعر ليل ينسدل على كتفيها، وبعض خصيلات فوق جبينها ..
و النصف الآخر يراه فى عين القمر، فوق موج البحر، قبيل الشروق، وكأن القمر يرفض أن يغادر الليل، ويترك مكانه للشمس لبزوغ النهار.
يناجيها ويتغزل فى عينبها وفمها المرسوم كالعنقود الذى تمني لو التقى به فى ليلة حب قمرية.
ما أقسي فراق العشاق.
لم يبق معه إلا تلك الذكريات وبعض الكلمات، وبعض الأمسيات، وبعض الضحكات.
بحث عنها في الطرقات التى مشوا فيها يوما، سأل عنها قارئة الفنجان وضاربة الودع، الحب عليك هو المكتوب يا ولدى…
يمر على الديار يسأل عنها شرفتها، يذهب إلى الجامعة يتفحص المدرجات والطرقات التى مشوا فيها كثيرا …
ذكريات تعبر دائما أفق خياله، تجعله يراها فى أحلامه أحيانا ضاحكة، وباكية أحيانا أخرى.
كانت تحمل نصفه معها وتعيش بنصف آخر وحياة أخرى!
تراه كما يراها وتحلم به كما يحلم بها، وكلما استيقظت ورأت وجهه أمامها زارتها ابتسامته لتقضي يومها في سعادة حتى يعاودها مرة أخرى في حلم أخر..
صارت أيقونته وصار أيقونتها وعلى جدار العشق كتبا قصة حب وفى حديقة الحب زرعا بستانا !
رسائل العشق بينهما لاتنقطع، تتواصل الأرواح وإشارات ورسائل صوفية، كل يوم توضع في بريد الرؤى والأحلام !
تسأله زائرة تقف أمام لوحته
– ماذا تعنى بنصف القمر؟
يشرح لوحته التي قضى فيها عمره يرسمها:
-الوجود سيدتى عالمين..
نصف نعيشه، والأخر فى مكان لا نعلمه!
فيتوحد الوجود القديم
بنصف معنا ونصف هناك!
– أين؟
– فى عالم الأرواح حيث كنا كيانا، فكلانا لايكتمل إلا بنا!
تهز رأسها طربا وتخلع نظارتها السوداء، يعيد النظر إليها كأنه يراها من جديد، يرتبكان!
فمن هى؟
ينظر إليها بشوق، يستدعى صورتها من حلمه الأخير، يجيبها فى شجن:
” أنتِ” ..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى