حسن إمامي - زوايا في التفكير (2)..

قد تسعفنا القراءات المتعددة للآداب العالمية والكتب التاريخية. قد نستحضر تجارب الشعوب والأمم في اللحظات العصيبة من حياتها الجماعية نتيجة الازمات المختلفة التي قد عاشتها أو تعيشها. كلها أشكال استحضار تناسب المقارنة مع ما نعيشه اليوم. يبقى أن نخرج من وضعية المتفرج إلى وضعية الإنسان لكي نشعر بما يشعر به من يعيش في المعاناة. وها نحن اليوم نعيش شكلا جديد من المعاناة. ليست هي الحروب المدمرة التي أتت على الأخضر واليابس كما بسياق التعبير اللغوي العربي. لكن نقط الالتقاء معها في شكل تدبير الأزمة الجماعية. وهنا نتكلم عن الحجر الصحي، وما رافقه من حظر التجول بعد السادسة مساء بالمغرب مثلا. أشكال حصار وضبط للحركة والسلوك ومراقبة للتنقلات وتربص بكل من يخالف القانون المنظم لحظر التجول. كلها أشكال عاشتها الشعوب في أزماتها وفي حروبها. وقد نتجت عنها كتابات ارتبطت بها ما دام تفاعل الذات معها هو توتر يدفع للإبداع والكتابة الخلاقة. وهذا ما أعطانا أعمالا أدبية كبرى بقدر ما عانت شعوبها من مرارة الواقع بقدر ما تعمّّقت بمشاعرها في التعبير كتابة بلغة مناسبة وأسلوب قوي وجذاب يترجم المرارة والصدق، يجمع بين الجمال والقبح، بين متناقضات العيش والقدر وجدليات التاريخ والسياسة وصراعاتهما.
وهنا كانت التجربة عند شعوبنا الحاملة للثقافة العربية الإسلامية. حاولت إبداعات الكتاب أن تخلّد أعمالها لكي ترقى إلى ما وصل إليه دستويفسكي وتولستوي وغيرهما، ولم نجد إلا عددا قليلا من المبدعين الذي بلغوا هذا الأوج العالمي ـ دون تنقيص طبعا من كل الأعمال الصادرة هنا وهناك ـ. فقط مقارنة بدرجات القوة والجمال والعمق والفضح والتمكن من آليات هذا الفضح والترجمة للإنساني العالمي الذي يتحقق في كل ترجمة لغويةـ.
قد نتحدث عن عبدالرحمن منيف مثلا. وهنا نستحضر مادة اشتغاله التي تمتد في تاريخ زمني طويل شكّل الشعب والمجتمع والثقافة والسياسة، وأشكال التطور بين التقدم والتخلف، بين التبعية والتحرر. قد نستحضر من عانوا من أنظمة استبدادية أو عاشوا حروبا تحريرية ضد الاستعمار أو ضد أنظمة ديكتاتورية. وما يزال الصراع ضد الكيان الصهيوني ملهما للإبداع الأدبي والفني الكبير. لكنه يبدو في حالات تعثر أمام استرجاع الماضي واكتفاء البعض بآداب وفنون مراحل الصراع المباشر. ويبدو أن الوضع السياسي المهادن بدأ يؤثر على قوة مجموعة من الإمكانات الكتابية والانكتابية في هذا الصدد.
وقد تقودنا هذه الملاحظة الأخيرة إلى استرجاع تجربة الأدب المكتوب حول الربيع العربي الذي وضعه الجل بين قوسين.
وسنجد ان مجموعة من الكتابات والإبداعات كانت سطحية في التعامل مع الظاهرة تاريخيا وسيوسيولوجيا وسياسيا وثقافيا. لم تستطع طرح بدائل نوعية واتنقالية استئصالية للسائد المكرس للتخلف والاستبداد. هكذا زحف التكريس السياسي على القلم المبدع وجعله يخضع لسكون ومسالمة وتعايش ومهادنة. فهل نكتفي بعبارة الربيع في قصيدة او قصة أو رواية لكي نقول إن هذا الإبداع متميز في التصدي لاحداث الربيع العربي التي مزقت شعوبا ودمرت آمالا ومصالح استراتيجية مهمة؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى