حسين عبروس - مشهـــــــــد درامي... (moi Aussi)

من مواجع الكون تتلوّن أحزاننا ، وتفيض أنهارا وبحارا من الألم. تلك هي حياتنا منذ بدء الخليقة. ومنذ أن عرف الإنسان معنى كيف تكون الحياة بزخمها وفرحها اللا متناهيا وصولا الى الحظة القاتلة المميتة.
- سمعت هذا الصباح طرقا مرعبا على الباب كأنه الطرق على قلبي الحنيّ. اسرعت الخطى الى فتح الباب. وجدت صديقي يقف واجما في حالة ذهول وقد تجمّدت على وجنتيه دمعتان.
قلت مرحّبا: أهلا صديقي ماالذي أشقاك في مثل هذا الوقت الباكر؟ صمت قليلا . ثم قال:
- والدتي البقاء في حياتك. قلت: وهل كانت مريضة من قبل أم أنه الوباء اللعين هو من كان السبب؟
أجاب :
- لقد كانت تعاني من مرض القلب منذ اكثر من سنة واليوم قد انتهي أجلها. ثمّ تمتم بصوت خافت: رحمها الله ورحم كل الأموات.
قلت :
- أنا في خدمتك ومساعدتك ماالمطلوب مني؟
أجهش بالبكاء، وهو يقول:
- لم أجد من يساعدني على دفنها. هي الآن في المستشفى وسنخرجها بعد قليل
وأردف قائلا:
- كل الذين قصدتهم تملّصوا من الوقوف معي ظنّا منهم أنها ماتت بالداء الخطير (كورونا). حتى شيخ المسجد تظاهر بالإنشغال وارسل الي بأحد جيرانه يبلغني بأنه مشغول في مهمة أخرى ويمكنني أن أتدبر الامر بأخذ حامل الجنازة من المستودع. مرّ الوقت سريعا في لمح البصر ، وقد أعد بعض المواطنين الذين هم بعدد أصابع اليد. مراسيم الدفن..
مشهد لم أر مثله قطّ في حياتي . جنازة يمشي في ركبها عدد قليل من الناس والمدينة تعجّ بالساكنة. سمعت أحد المتقوّلين يقول :لا يجوز المشي في جنازنتها قد تنتقل العدوى لمن هم حولها.
وفي طريقنا الى المقبرة رأيت بعض السيارات تتوقف على الرصيف ومن إحداها ينزل رجلان (صينيان) وثالت مترجم عنهما. وكانا يرددان الدعاء ( اللهم ارحمها وارحمنا معها يارحمان يارحيم) . هكذا ترجم لنا الرجل حديثهما.
وهنا رحعت بي الذاكرة الى ذلك الزمن البعيد، حينما ضرب الزلزال مدينة (الشلف) بالغرب الجزائري. كنت ساعتها هنك وقد خرج جميع السكان الى الشارع وهم يردّدون ( يارب ارحم عبادك والطف بنا يا لطيف يا خبير. كان ساعتها احد المهندسين الفرنسيين يتبع الجميع رافعا سبابته الى السماء . وهو لا يعرف ما يقول الناس. غير أنّ قلبه كان منفتحا للإيمان يقول: (moi Assi) أي أنا أيضا ارحمني يا الله... رحمني ورحمكم الله. أيها الناس ارحموا من في اللأرض يرحمكم من في السماء.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى