أحمد بوزفور - نعمة النقمة..

أفقتُ على طرق الباب. نظرتُ إلى الساعة: العاشرة صباحا. لا تستطيع -إلا في هذه الأيام- أن تبقى نائما في قلب درب عمر، حتى العاشرة صباحا. لبستُ الجلباب على البيجامة، وفتحتُ الباب للمقدم (من غيره يمكن أن يطرق الباب؟). لكنه لم يكن المقدم. كان صديقي الذي يسكن بالبرنوصي.

لم يُسلّم. ابتسم فقط، وقال بأدب جمّ على غير عادته معي: هل يمكن أن أدخل؟

ـــ طبعا. لكن، امسح حذاءك في هذا (الجَفَّاف) المُشبع بالجافيل.

مسح حذاءه ودخل. وضع قفة بيده على الطاولة وسط الغرفة.

ـــ ما تلك بيمينك يا موسى؟

ـــ قفة خضر

أشرتُ بيدي إلى كرسي المكتب قائلا:

ـــ اجلس هنا. يجب أن نحترم المسافة اللازمة

ـــ وهل في قصر النملة مسافة؟

(هكذا كان صديقي يسمي غرفتي التي أسكنها، والتي أستعملها حجرةَ نوم وصالونَ ضيوف ومكتبةً ومكتبا... ومطبخا أحيانا حين يحلو لي أن أُقشّر الخضر وأنا أشاهد التلفزيون)

ـــ نَوَّرتني يا خيرَ زائر.. أما خشيتَ من الحراس في الطُّرُقِ؟

ـــ مَنْ يخترق بسيارته درب عمر وسْط الأسبوع.. لا يخشى من الغرقِ. أردتُ فقط أن أستمتع بالسياقة في وسْط الدار البيضاء.. ولم تكن زيارتُك إلا عَرَضاً

ـــ مرحبا بك على أي حال. والخضر جاءت في وقتها. كم كلَّفتْك؟

ـــ هي هدية من زوجتي. وهي وقفَّتها مغسولة ومعقمة. تستطيع أن تضعها في الثلاجة مباشرة.

ـــ ومعها خبز أيضا؟

ـــ من القمح الكامل.. وبدون ملح، ليناسب شيخا هرما مثلك

ـــ على أساس أنك (سنان الحليب). ألم تقل لي من قبل إنك أخذت الشهادة الابتدائية عامَ وُلدتُ أنا؟

ضحكنا، وشربنا الشاي، وتبادلنا النميمةَ الثقافية والاجتماعية.. الغريب أنه لم يتكلم في السياسة على ولعه بها. وحين جررتُه إليها وأنا أتحدث عن أوضاعنا الآن، مدح السلطةَ لأول مرة، وانتقد الشعب.

وقف ليودعني وهو يقول:

ـــ لا تخش عليّ من حواجز الطريق. معي رخصةُ المقدم. إذا عاقبوني بالحبس، فلن يضر المحبوسَ حبسُه، أما إذا عاقبوني بالغرامة فساُحيلها عليك. اتفقنا؟

ـــ اتفقنا. سأتصل بك بعد ساعة لأطمئن عليك، ولأشكر السيدةَ زوجتَك. سلام

ـــ سلام

غَلَّقْتُ الباب وقلتُ لي: هيت لك. استمتع بنِعَم النقمة: النوم حتى العاشرة صباحا وسْط صمت شامل وهدوء تام.. وزيارة صديق عزيز.. وقفة خضر معقمة.. رحم الله السياب:

(لك الحمدُ إنَّ الرزايا عَطاءْ = وإن المصيبات بعضُ الكَرَمْ).



- أحمد بوزفور، قاص مغربي
أعلى