صلاح عبد العزيز - ديوان : لها وحدها

1
على جدار كهف

* فى غابة روحى

أكاد أقتلنى فى تلك الغابة أسحب روحى من روحى عندما غابت يدى فى أعشابها وددت أن أتبخر أصبحُ صوتَ الريح أو رجلَ الملح الغابةُ كغانية تتعرى لها حلمات كثيرة لا تكفينى كطفل كدت أغرق مرة فى منتصفها المجنون ولولا أعشاب فخذيها لكنت من الهالكين .

كلما كان الجسدُ جميلا كانت الروح أجملَ وتلك المرأة العوراء أعطيتها عينى لكنها لم تر أضاعت عينى فى متاهة من الرؤى القاتلة فى غابة روحى وقعتُ كنت مسرورا لكنها غافلتنى ومهما تأسفت لنفسى لا تسامحنى و لا ترضى.

فى ظلامها عشت كميت يرى الحياة ميتة ولا أعنى أن الموت الذى يصيب كل منا بقضاء وقدر بل بعضه قتلٌ وكلما قلت لا تسفكى دمى كان دمى يملأ الطرقات والموتُ يأخذ أشياءنا وأبناءنا لبلاد بعيدة أنا ساكنُ الربع الخراب والكهوف آكلُ الديدان ومُؤوى العقارب .

يسيل دمى بفعل الخيانات وكلما قلتُ تعالوا فى اتفاقنا حياةٌ أبوا إما هم وإما أنا فاخترتُهم وانسحبتُ من الحياة ومع الحيات فى الصحراء عشت أصبحت نخلة وصبارا وحصى وحجارة وقليل من الماء كان ندى أعتصره من شقوق الأرض العميقة.

لم تتغير الفصول ولم يأت الشتاء ولم يزرنى الرييع كنت خارج الفصول وخارج الكوكب وعلى أرصفة العتمة يلتصق ظهرى الذهول يفصل العقل عن واقعه والواقع تزهو مرارته فى النفس تبدأ معرفةٌ جديدة يلزمنى جسد أخر ورقم قومى حى .

* آدم فى التيه

هل كانت روحى خربة إلى ذلك الحد تمشيت فيها ماعدت ذلك الطفل البرئ لكنما على سلم العتمة تنقض ألفُ عتمة اخترتُ لى موتا بطيئا فى جليدها.

وهل ينزل العماء عن أرجوحة العدم وتنقضى يا أيها الإنسان لا تخطو إليها أنت فى دمى فى قاع روحى علمتنى الأسماء فانفردتُ وعندما نزلت كانت بهجتى.

نزلتُ إلى حضيضها وأوساخها تعفنت فى برازها ماعدت أشعر بآلامى من فرط آلامى لا تشاركنى فى عجينة الكراهية غير نفسى الآثمة كل إثمها محبة من لا يحب السفرُ للفضاء أسهل من السفر لأعماق النفس كيف تأخذك الدنيا العوراء هكذا كأعمى.

أحببت ما لا أراه واثقا بنفسه الفتنُ التى تجرى على الأرض والدماء الكثيرة التى تهرب من بعضها حتى أصبحتْ مطرَ دمٍ من الأرض للسماء كل روح لا تلتقى بروحها وكل جسد يحضن الحجارة لا جسد بروحه ولا روح بجسدها.

العتماتُ التى صنعتُها لم تكن كافية كلما خفّت عتمة نزلت عتمة أشد الثعابين فى الأصابع والرؤوس فئران تقرض السفينة أرجلٌ من حديد كلها غضب تمسخ الإنسان الدابة الوحيدة المفكرة لم تعد تفكر.

* الغوايات

فى جسدها زرعتُ عوالمى برائحة النشادر كان نصا بدائيا على كهف كلما أوغلتُ تقشرت الأرض بالخنادق صارت القبائل منشغلةً بحربها وبعدها صار السلاح بالمقايضة.

وكنت كلما أغويتُها أغوتنى التفاصيلُ لا يسعها كهف تأوى إليه الشمس ولا تخرج أخذتنى فى سرها فجهلتُ العلانية فى وكرها كل وكر لذةٌ موصدة وحين حيضها جهلتُ أفرغت شحنتى بلذة الإثم ولست غير واحد صار حارسا للظلمة أعشق الليل فى ترابها هى من تنثر العتمة المباركة .

فى الخروج من كهفها عتمة أخرى لا الدنيا هى الدنيا وكل فرحة مديةٌ لا تحس غير أننى لم أزل فى طينى وروحى ماتزال طازجة كانت أفخاذا كثيرة كل فخذ غواية لا تحدُّ والوقت لا وقت وفى التبدلات لم تكن سماء ولا أرضا وفى كهفها وفى كهف روحى ما أزال.

يد بأعضائى بعدها اللذات فى نشوئها عرفت اللذة البكر وهى بعريها المفضوح كيف عرفتَ عريها لابد أن معرفة هناك من جب طفت هى الدنيا الجديدة بآلامى وأضلاعى وعرقى المستديم.

* نص بدائى

إذا كنت خارج النص سترى العلامات كلها انخساف شمس وانهيار قمر وفتيات عذارى يتبدلن بثيبات كى نمر من كمين الهمج هكذا هن فى القصيدة ولو عشنا على الجدران.

كل نص بدائى يلزمه صورة الثيران نخلع علينا الرمز أو يخلعنا النص عن كافة الكتابات زرنا أوكار اللصوص ومعابدهم وفى الفراغ كانت فرائسنا تدور.

خلقنا أمما مرسومة على الكهوف كلما نزلوا يقل الصيد نرجعهم على الجدران وسط دائرة الصيد نكبلهم ونختم عليهم بالخمس الأصابع فى الدم ميثاق وكل دائرة تضيق حتى ينقضى العمر .

القبائل التى تركناها على المائدة كفئران الحقول أتخمتنا بعنا لها ما لا يباعُ الخرزَ الملون أخذنا منهم الصبايا وفى سمرقند بعناهن بالخيول.

فى تلك الليلة يكثر المدعوون ألهذا نأخذ أختامنا لابد أن أول امرأة بيعت بالسلاح لذلك كانت النساء لعنة كلما ختمنا جسدا وواريناه التراب يعود من جديد.

* المنشدات

كنت أنشد لهن :
لم يكن لى بيت حتى أسكنه
لا أعرف غير الغابة
فى دمى

كنت بلا ثياب
السماء والأرض وباب الخيمةِ
وفوق منكبى طوطمى الغزالة
أنا ابن كهف الوقت
إبن العقارب والحيات
والشجر
تنز القصائد منى
كآخر ما يكون من القبيلة

لم يكن لى بيت حتى أسكنه
فاشربن من جرارى
معى ما نريد
عصير كرم وعظام موتاى
ولحم قديد
وحجارة نكتب عليها أسماءنا

كنتُ معهن أينما كانت القبيلة
على عظام الحيوانات
أكتب تاريخها المنسى
وأصوات الثعالب برأسى
أضلاعها المنثورة جماجم قردة
نحمل بيوتنا معنا
وكانت القبيلة فى التلاشى

قلن لى ساعة أن ذرفتُ الدمع :
انتبهت الريح إلى الباب
أنت الذى ثبتَّ وتد الخيمة
ومع ذلك أنت الذى وجهت بابها
اخترت الاتجاه الصحيح للرمال

أصبحنا رملا فى اتجاه الريح

المنشدات فى السوق
أنبتن الفرائس فى الدم
على لسانهن الذكريات مدية
تأكل وجوهنا
برماحنا المسنونة
على حجارة أرواح أسلافنا

كان حفلنا بيْع لهن
دخلت قصائدنا
غرست رماحها فى صدورهن
فبعثرن أسماءنا

لم نكن غير بقايانا
وعند أول شعاع
كانت قصيـدتى الباكية قد مُزقت
على ألسنتهن

* بعدك

ليس هناك وقت لكى
أقول أحبك
ضاع الوقت الضائع
فى البحث عن بديل
ولم أجد

الثوانى لم تعد كافية
لأربعة حروف
حين يأخذنا البوح
أجد روحى محمولة
للوقت العدم

فى خلاياى
فى دمائى يغلى دخان
هكذا عدمى
نفَس تلو نفَس

أنت حلم أجل أنت حلم
فى أبخرة الحلم يصعد
جناح بقلب كطائر
ميت
ومازال يرفرف الجناح

بعدك أنا مدينة سقطت
أنا بحيرة غار ماؤها
أنا قمر منطفئ
أنا أرض بلا ناس

وبعدك لا كون ولا شمس كمثل عالم العدم
ولا مطر ولا ثمر يزداد لوعة
ولا تحت ولا فوق فى الفقد والحزن
بعدك عدم عدم عدم فى الرؤى وغير الرؤى

* حجر ملون فى كردفان

فى كردفان
كلما كان الذهب أعمق
يكون الزجاج سلعة
فى آباره
يمتن النسوة
وفى الآبار
لا تشبع الرمال من أجسادهن

فى كردفان
نشترى الفتيات بالحجر الملون
من عجينة التربة الحمراء من كانت
صارت لى
صرت ممزوجا بالمعدن الأبنوس كل ليلة
وفى الصباح وجدت رأسها معلقة

فى كردفان
وجدت العالم السفلى فى سريرها
أقصى ما يستطيعه العابرون
أن يثبتوا لليلة
فى كتاب تيهها
كسهم مارق هربت

فى كردفان
كنت حافيا يا نسوة الذهب
فى حرارة الرمال
بعتكن
بالعطش الجارف
والذهب الطالع

2
خلطة الطين

* لها وحدها

من الصمت وإلى الصمت نعود
تلك هى الحياة
ذلك هو الموت
ما بينهما
خيط سماء مقطوع
نساء عُدن دون أزواجهن
من حرب
كأخت كانت الحياة
لها وحدها
وكأخ كان الموت

من أجل ذلك الوجه
تلك اليد
هذه العيون
شمس تغرب أو تشرق
لو أنها على قيد الحياة
لرفعتها لمصاف الملائكة
ولأننى لست ملاكا
لم أفعل

لم أقل شكرا مرة
ولم تعاتبنى
كنت أبحث عن التحرر
من سطوتها
ومع ذلك
تأخذنى فى حضنها
بمحبة زائدة

فى الصباح أخرج
لا أرجع
غير
نصف
الليل
وهى فى انتظارى
تهيئ لى الطعام وتربت على كتفى
تحكى لى حكاية قبل النوم
فى الصباح تتكرر الأشياء كما هى

عندما أعطتنى يدها
وقبلتها
أعطتنى سببا للحياة
وهيأت من وجودها
ما يحَب وما يعاش
كنت ابنا عاقا
كمثل سمكة
أترك
نفسى
وأغرق
فى
الهواء .

* الشجرة

كخيبات مستعادة
نعلق على الشجرة طائراتنا الورقية
بشكل ما
لم يحتفظ بظلها الناس
ولم يعرها الأطفال أى اهتمام
نرمى من شرفاتنا فوط المطابخ
كراية تظل فى ثقلها كخيال مآتة
هكذا لا تمر العصافير
ولا سرب الحمام
وبشكل ما
كانت الشجرة الكبيرة
مصدر خوف

اليوم أصبح الشارع بلا أشجار
آخر شجرة
اقتلعت
هى من زرعها الجد
ولا يعرف أحد اسمه

شارعنا لم يكن شارعا
بل كان موطن ساقية
فى أوله
وكل الحقول حولها
والآن اختفت الأشجار
والحقول والطيور
أصبحت عمدان نور
والأسلاك هى أشجارنا

أغصان بلا أوراق
عارية كعين بلا رموش
أصبحت مصدر خوف
أيضا فى الليل

* بيتنا بجوار مصنع طوب

مكان عابر
لشخص عابر
ومع ذلك تظل الذاكرة
فى تفاصيله
تترك الشخص لأماكن أخرى
لذا
كانت المسافات بلا وقت
والأماكن مكررة
نحن أشبه ما نكون فى لا وقت
كلما ابتعدنا لا غياب
حتى بعد سنوات كثيرات
وبعد التجاعيد
وبعد جفاف نهر باذخ من الدموع

بفم يشبه المنشار
قمينة الطوب
تعرف كم هى محبوبة
كانت تخط قصائدها على الجدران
وعندما تشتعل النار
تبقى القصائد
كعلامة مسجلة
على كل حجر

وهى
على الترعة تغسل ملابسى
وصحون البيت
عندما تعود
تحمل نصف قالب
من الطوب
هكذا بنت البيت
ثم السقف
لا بوابة ولا شبابيك

لم تكن هناك نفايات يشتريها أحد
مخلفات الدواجن
أوراق مهملة
خردة المعادن
( اللى جاى على قد اللى رايح )
هكذا فى بيتنا الجديد
الخبيز من السنة للسنة

يوم الخبيز قدرة فول فى المحمى
صينية مفروكة
فى العرصة قدر فخارى أرز معمّر
فرحُ يومٍ من السنة للسنة

تفترش الفرن الطينى وتنام
حرارة الطين لحرارة الطين
وهكذا وُجدنا
ككل الجيران
بجوار مصنع الطوب
كان الفرن الطينى
مصنعا
لقصائدها الكبرى

شبع الطين من أجسادنا
هذه الجدران منه
طين أجسادنا كان حجرا
وللمواصلة لأعلى
لسطح المدخنة
أصبحت البيوت
ناطحات

* محذوفات من نصوص متفرقة

(1)
بمرور يوم ينقص العمر
مضت أيام كثيرة
أخطو نحو النهاية
لست قلقا
ولست مستعدا للتأخر
عندى ميعاد
سأعطيك خيط أيامى
شديها بسرعة
هكذا يكون المحبون.
(2)
بالغتَ فى سعيكَ
ككل ذرة
فى منبتها
فى مخارج حروفها
لصمتها أنتَ أيضا صامت
وفى ذاكرتك ينهمرُ صبح
يغيب ماؤه فى مائها
هى ابنة الضوء والإنشاد
والشجر المفارق.
(3)
لا تجعلينى على قارعة الطريق
عاريا منى
يا كل نسوة القصائد
لا ترفعن مقتكن للمواجهةِ والمواجع
كان سكينى معى يقاتلنى
وكنت أنفض آثامى
فى بيتى الطينى فى جمر الغضب.
(4)
تقشرت الأرض أصبحت خنادق
وأنا فرح فى البكاء
كنصف وقت
حتى لو سعيتُ إليها
هل تقلبنى
وإن كانت فمن هى
أو من أنتَ
أين هى أو أين أنت
لماذا هى أو لماذا أنت
هل هى متى كيف ماذا
ما أنت
أأنت أنت
إذ هى تكبر
تصبح الدنيا بما فيها
ومن فيها
كمنفيين بلا جسد ولا روح .
(5)
نسوة الذهب فى كردفان
أقمن ضريحا
لقمر معهن فى البئر
كان حافيا وجائعا
لرمال تقضم أثداءهن
شعاع بأجنحة الملائك
كان سلما
أيها القمر
لستَ بديلا عن الموت.
(6)
قبل أن يموت جارى
قبّل أبناءه ثم تصفح الجريدة
ثمة فكرة مبهمة فى أغنية
وعند الوصلة الأخيرة
استبدل الشريط بأغنية أخرى
فى الحالتين
يتساوى
حضرت أم لم تحضر
وهكذا يؤجل انتحاره.
(7)
لا نعرف مواعيد الشيطان
لا نعرف الشيطان نفسه
لا نعرف كم أصدقاؤه
ولم هو بيننا
لكنا نعرف الأخوة الذين تقاتلوا
والأخوة الذين سرقوا
والأخوة الزناة
(8)
تفرقوا واملؤوا الأرض نسلا
لأننا فى غالب الأحيان
سيأكل بعضنا بعضا
(9)
قضمت من القمر قطعة
خبأتها فى ثيابى
لا أريد أن تنطفئ
حينما أشعلت قلبى
أحببت
لو أننى قضمته كله
لأشعلت الأرض حبا
(10)
وهل هو بيننا
الموت الذى يأتينا
أم أن كهفا بداخلنا
يعيش فيه ولا نعلم
(11)
أتسرب لقنوات المياه
كلما انطفت شمس
وغاب قمر
وماتت وردة
(12)
يمشى الميت إلى قبره
بدوننا
نحن من حملناه
ذلك الموت
عبرناه
بعد جهد
(13)
بجوار زر القلوب زر قطط
أرسلنا قططا كثيرة
فاختفوا
فئران الكيبورد تسربت فى المكان.
(14)
يا إلاهى
تنسكب الأرض على السماء
ولا يحدث العكس
ندعوك أن تبيد أعداءنا
فيحدث العكس
عندنا أمية والعالم متحضر
عندنا تلوث
وصناعة رديئة.
(15)
الجلاء شارع معذَّب
حفر كوجه مجدور
بالوعات بلا أغطية
إشارات مرور بكماء
أنا كشارع الجلاء
مازلت مستعمرا
بالفوضى.
(16)
أبصم لك بالقلب
وليس بالكف
ولا بوجه ضاحك
ربما أرسل الوجه الدامع
بالسبابة
وأنام
فى اليوم التالى
بوست عزاءات
(17)
أصيد امرأة بقصيدة
تقضى معى الليل
ترتق أوهامى
بقبل الخيال
وجسد الكلمات
فى ذات الوقت
حاولت أن أعيش دونها
دون المرأة
ودون القصيدة.
(18)
قررت أن أعيش
فى الوقت الذى
يسحب الموت ذكرياتنا
مازلت أحاول الوقوف
دون مسند
تاركا حبوا جميلا.
(19)
من الصعب أن تتذكر
من يتركك فى بداية الطريق
تتقشر قشرته
حتى أنك لا تعرف
وجهه
ولا تتذكر أنه كان صديقا قط.
(20)
مالك الليل الحزين
ذلك الطائر الذى ينقر القلب
ذات مرة قال لى
لك الحزن المضئ
لك الألم الممض
لك الجراح لا تلتئم
ومضى.

* نص على قبر

ما يخصنى فى الطريق أخذته وما لم يخصنى تركته لغيرى وفى عتبة البيت كان مكانى وبينى وبين جيرانى جدار لا أتخطاه وفى الحقول حد لا أحركه أعطى من محاصيلى اليتيم والأرامل وحطبا للدفء وفى ليل الشتاء صوف الغنم والدجاجات ولا أزرع الشر فى القنوات النعناع والعرعر والريحان وكافة العطور تخرج من دخان مواقدى وخبزى طعمه طيب أعطى الجيران والأصدقاء والأطفال .

لم أتبول فى نهر فى حياتى ولم أحدق فى وجه النساء إلا مرتين كسرتنى المرأة الأولى وأقامتنى الثانية ولم آخذ ما ليس بحقى لم أعاتب جارا على نفاياته ولم أهمل واجبا قط واستمعت لأبى فى شيخوخته وحملت أمى فى الطريق ساعدت كل محتاج ورغم احتياجىَ لم أجد من يساعدنى ولم أندم بنيت لزوجتى بيتا ولأولادى ولم أرمهم فى الطريق لم أكذب قط ولا أتذكر أننى كذبت مرة على أحد لم أرفع صوتى ولم أكن شتاما لأحد .

لا أهرب من أحد ولا من ديْن ولا من محتاج ولا من ظلمة أو ظلامة ولا من حاكم ولا من شرطى ولا من طفل إذا بكى ولا من لص رفع علىّ سكينا ولا من مجلس ولا من ضيف ولا من مقبرة مفتوحة ولا من كابوس ولا من عمل أعطيت مواثيقا للطيور والحيوانات والنباتات والمقابر والترع والقنوات ولم أستخدم سحرا ولا تمائم لم أتلفظ بتعاويز ولا تمتمات ولم أظلم حجرا ولم أكن غير نفسى قط.

أخمدت حرائق البيوت لم أمنع مائى عن غيرى ومن بئرى رويت القرى ومن نهرى لم أقم سدا بينى وبين جارى لم آخذ شبرا من أرض ولا كسرت غصنا ولم أحرق نباتا أخضر ولا آذيت حشرة ولا ضفدعا ولا شوهت مقبرة ولا جلست عليها ولا نظرت لامرأة غيرى لم أحدق فى وجه ولم أشته ما لا أملكه ولا راقبت شخصا قريبا أو غريبا ولا منعت محتاجا عن بابى ومن لاذ بى احتمى ومن طلب أعطيته من مالى .

سأكتب على قبرى خذوا من ميت ما يخصكم وما ينفعكم وما تظنونه حقا لكم ولا تشغلوا أنفسكم بى لا أريد زادا معى احتياجاتى كلها لا تلمسوا جسدى ولا تخربوا نقشا ولا تتفوهوا بردئ اللفظ إذا حضرنى الموت قولوا لم يكن إنسانا قط ولم يكن ملكا ولا مملوكا ولا شبعانا ولا جائعا ولا ظلا لأحد ولا إلاهاً ولا كاهنا قولوا للموت أى شئ أنتم كذبة ولا دين لكم قولوا كان هواء مر من هنا ولم يرجع قط .

* لم تكن مشكلة

مصدر تعاستى
طائر نبت له جناح ولم يطر
بذرة صارت نخلة ولم تثمر
زهرة ليس لها عطر
هواء يتأخر عن قفص صدرى

مصدر التعاسة الحروب الكثيرة
بين أبناء شارع واحد
على الكلمة والنظرة
والغسيل ونظافة السجاجيد

مصدر التعاسات كلها
ملابسها الأنيقة
شعرها الذى لا يحتاج لمكواة
طزاجتها كلما أقبلت
أحلامى التى لم تتحقق

يمكن للطائر أن يطير
لكنه بنى عشا فى كفها
يمكن للزهرة إنتاج عطر
لكنها اكتفت بالنظرة الجميلة
يمكن للهواء أن يركب قطارا
لكنه تلكأ
لذا كانت الحروب الكثيرة
هى التى تحدد
علاقاتنا بها
هى التى لم تكن مشكلة
…………………..
ياااااااه
نسيت النخلة.

3
شتاء 1997

* عزلة طويلة جدا

فى شتاء 1997 آخر يوم من أيام السنة الهجرية والميلادية حدثت لى كارثة فى العالم الغريب عندما تلتقى السنتان لا أبالغ كان الزمن يرجع للخلف كأن ترجع جنينا فى مرات كثيرة يحدث أن الزمن بيديه العاريتين يطبق على رقبتك فينداح الهواء من الرئة وتجحظ العينين لحظتها فقط تعود طفلا ولا يدان حانيتان ترى ببغاء يصلح لسانك المعوج وقردا أعورا يعلمك المشى وسحلية بلهاء تركتك فى الخراء خراء آخر يوم من أيام السنة ربما فى عام 2030 يحدث عكس هذه الأشياء حيث تلتقى السنة الهجرية والميلادية أكون وقتها قد تجاوزت الكوارث وروضت القردة وتعلمت أن أسير وحدى.

فى شتاء 1997 غرقت على شاطئ صخرى لكننى تحولت إلى تراب وبواسطة الندوب تحولت ذكرياتى إلى كنز عالق أتجول فيه بقصائد تصنع الأمواج تردها للبحر عميقا كأضحية بشرية لم يكن هناك سمك ولا امرأة ولا أعشاب بحر كنت أصنع عمائى من الزبد تكونت فى داخلى جزر مرجان واسترحت فيها ستة سنوات أى فى عام 2003 كنت فى عماء ومع ذلك خلقت عالما جلست أتأمله طويلا طويلا جدا فأعجبنى وقلت حسنا فعلت وحسنا صنعت ولا أحد يلومنى الآن لأننى كنت قاسيا على لا أحد فى جزر المرجان تشكلت أمامى الراحة الأبدية وضعتها مكان قلبى بيمينى وقلت هنا مكانك فاستقرت .

الفصول التى اخترتها لنفسى خلال ست سنوات كلها عواصف مشيئتها من مشيئتى كان سفر التكوين اكتمل غير أن البهار كان قليلا وكان البر بعيدا يلزمنى أربع عشرة عاما لذا رأيت ابتعادى عن البشر حسنا وكان حسنا جدا فى خلالها كنت أصنع أقلاما من الصخر لكنها ظلت تنكسر ولا تكتب فاحتفظت بكل ماكتبت الأقلام وكان حسنا جدا الرمال تاريخى الممتد وذكرياتى هواء برئتى وأينما سرت الآن تصاحبنى كبديل عن البشر لن أرى ببغاء ولن أصاحب قردا ولن أضاجع سحلية عندما أدليت حبال قصائدى فى البحر بدأ البر يقترب وكنت مشغولا بأن ذلك غير حسن حاولت جذب حبالى كلها وكان ذلك أيضا غير حسن البر يقترب والخوف يقترب.

وكلما اقتربت من الشط تذكرت قديما لسانى المعوج فى زمن كان أعوجا جدا مطر يمطر لنفسه والسماء صحراء وأيا كان ما ينتظرنى سيكون خفيفا الآن وأنا أقترب من شيخوختى ما الذى يتذكره العالم عنى بالقطع العالم بلا ذاكرة لكى يتذكر الأجساد فى علبها القديمة الماضى معلبات ذات رائحة كريهة دخلت 2020 بكل ذكرياتى الجامحة وجدت العالم محطما أكثر مما كنت أتوقع والصاحب الوحيد لى لم أجده ولم ينتظر قلت حسنا أيها العالم أنت من عماء إلى عماء حسنا أنك لم تتغير وعادة جدا أن تحدث كارثة 2030 عندها لن أكون موجودا وسأضحك كثيرا جدا .

* ملاك حارس

ذات يوم كان لى ملاك حارس كنت فى معظم الأحوال ألقى بنفسى من النافذة وكان يتلقانى بين يديه الناعمتين ويجلسنى رويدا على حجره المستفيض كنت لا أبالى أن ألهو أمام سيارة مسرعة لا أخشى ولا أخاف حتى أننى تناولت مرة عدة شرائط منومة كى لا أعذبه معى وظللت نائما عدة سنوات وعندما أفقت لم أجده سألت قيل مات الوظائف التى نتركها تجعلنا نشيخ سريعا.
فقد وظيفته معى وفقدت بهجتى أيضا صرت أخاف الطرق فى الليل والنهار أسير جنب الجدران الميتة أتكلم همسا أبحث عن ملاك آخر كل الملائكة موظفون لأناس مجهولين أعرفهم بهالة على رؤوسهم توقيع العقود هكذا أعطيك هالة وتكون حارسى الآن عرفت لم لم أجد ملاكا آخر لم لم أكتب عقدا مع أى أحد.
الناس ذووا الهالات ينشرون الرعب فى قلبى عندما أتأمل هالاتهم أجد غضبا عارما وأسلحة مشهرة وخناجر فى طيات ملابسهم وحراسهم صارمون كل حارس كأنما من الجحيم نزل فابتعدت عدة مدائن وكل مدينة أجد هالاتهم تطاردنى لأننى بلا هالة.
أسير فى جنح الليل مطارد حتى الشمس تركت على جلدى علامات وتساقط شعرى فى طرقات المدائن ضعف جسمى ونحل فقدت ماكان منى صرت غريبا حتى على الأشجار وغادرنى ظلى لماذا نمت عدة سنوات حتى فقدت هالتى.
كنت أفكر فى ملاكى الحارس لم أكبله بعقد ولا أعطيته سلاحا فقط كنت ألهو مطمئنا وكان ذلك يقتله بالطبع كان ضعيفا مثلى ومنحول الجسد ولم يكن بيده حتى عصا فصار غريبا فى عالم تغلفه هالات من الدماء آه يا ملاكى الحارس لماذا انفصلنا.

* ابن ليل وكأس

النوم فى الحانات أروع ما يكون تمشى وحيدا مع ظلك الذى لا يظهر بالليل ويسندك دائما عندما تميل من السكر لماذا تمشى دائما وحيدا مع ظلك الذى - لأنك تنام - لا تراه ولا يراه الناس لأنك ابن ليل وكأس.
بالنهار نرى الظلال لأن أجسامنا تعترض شعاعا فر من الشمس تمتص هذا الشعاع وتخرجه ظلا كل الظلال تسير مع أصحابها وتفارقهم فى الليل إلا ظلك.
أنت تحس بذلك لذا تتكئ عليه كلما اتجهت للحانة أو خرجت منها عادة تضع كأسين أمامك فينتصب على الكرسى المقابل ويشرب معك ويسكر.
تتساندان فى الشارع وتبكيان لأن قمرا منفردا لا تستطيعان دعوته لا تستطيعان الطلوع إليه لا تستطيعان أن تمنعا دمعه الفضى وقد بلل الطرقات.

* توأمى

سحابات مررن على ظلى فاختفى صرت وحيدا فى غبشة الضوء أبحث عن فتى كان معى كان ذلك فى عام ١٩٦٥ العام الذى ولدت فيه كان معى توأمى كنت إذا سابقته سبقنى كان بطن أمى متسعا لتوأمين آخرين لكنها كانت تخشى عدسات التصوير لذا اكتفت بى وأرسلت صديقى إلى الجهة الأخرى وبينما كنت نازلا تعثر بى ولم يكن معى.
والآن بعد خمس وخمسين عاما من التجوال باحثا عن خيال تذكرته واقفا تذكرته وهو يعدو ويسبقنى ربما لا لغة بيننا ولا إشارات لأننا لم نكن على طرفى نقيض بالعكس كنا واحدا وانقسم ولا نحتاج مفاهيم بيننا.

صلاح عبد العزيز-مصر 🇪🇬 🇪🇬 🇪🇬

=======
ديوان
لها وحدها
صلاح عبد العزيز
الزفازيق
فبراير 2020
مارس 2020

*******

المحتوى

1
على جدار كهف

(1) فى غابة روحى
(2) آدم فى التيه
(3) الغوايات
(4) نص بدائى
(5) المنشدات
(6) بعدك
(7) حجر ملون فى كردفان

2
خلطة الطين

(1) لها وحدها
(2) الشجرة
(3) بيتنا بجوار مصنع طوب
(4) محذوفات من نصوص متفرقة
(5) نص على قبر
(6) لم تكن مشكلة

3
شتاء 1997

(1) عزلة طويلة جدا
(2) ملاك حارس
(3) ابن ليل وكأس
(4) توأمى

صلاح عبد العزيز - مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى