صفاء أبو صبيحة - قراءة في المجموعة القصصية " قهوة بوتيرو".. احتساء الدهشة من فنجان قهوة

عند الإقدام على القراءة لحسام المقدم عليك عزيزي القاريء أن تحشد جميع حواسك حتى تستطيع التحليق في سماء هذا العالم المدهش.
" قهوة بوتيرو" هو اسم المجموعة القصصية للقاص / حسام المقدم وهو عنوان القصة الاخيرة من المجموعة.
يقولون أنه عندما يعتاد الإنسان على رؤية الأشياء ويألفها جيدا فلن يكون قادرا على رؤيتها
ولكن هنا يقدم لنا الكاتب دهشة من أشياء عادية نمر عليها دائما دون الالتفات لها إلا أنه يجعلك تعيد النظر إليها بعينين ترى العالم بنظرة عذراء.
شخصيات المجموعة ليست بشخصيات أسطورية ليسوا أبطالا بالمعنى المعروف ولكنهم يمتلكون سحرا خاصا يجعلك تقع في أسرهم على سبيل المثال شخصية "منعم" في قصة " أزمنة الجميل" هذا الولد الجميل المراقب في المدرسة من ولدين يصغرانه بسنة واحدة عبر المقدم بشكل بديع عما يجول في خاطر الطفلين ونظرتهما لمنعم الذي كان يشكل لهم لغزا طفوليا عجيبا .
في قصة " نجوم صغيرة فوق نافذة فايزة أحمد" هناك مساحات ممتدة لهذا الصوت العذب ترافقني أثناء القراءة . فقد رأيت كيف يعشق المرء صوتا حد الذوبان صوت مثل فايزة احمد . رأيت آمال التي تضع بعدا جديدا في حياة طفل صغير عندما يسمعها تدندن أغنية لفايزة أحمد حتى يبدأ هو أول خطوة في رحلته الخلابة مع آمال وهي تعلمه وتعلمنا كيف نتذوق حلاوة الموسيقى في صوت فايزة احمد
وهناك في قصة " بيانو الظل " الشخص العاشق لمحطة القطار متأملا الذاهبين والعائدين متخيلا سيناريوهات للمسافرين وفي أحد الأيام يلمح بعين طفل انعكاس الظل من مقعد المحطة ليصنع بيانو من الضل والنور فيذهب حيث الموسيقى ليجلس على الأرض دون أن يبدي اهتماما بمن حوله ويبدأ بتحريك أصابعه بشغف من يختبر اللحظة الأولى من التجربة .
في قصة الضوء الأبيض يجعلك القاص تردد معه الله عندما تقرأ المقطع الاول من القصة الذي يبدأ ب " والذي رفع السماء بغير عمد وحف الساعة ويوم الحساب ؛ حين أطل وجهنا على هذا الآدمي شفت عيناه بصفاء مذهول وسرى همسه في مقطعين؛ أولهما شهيق مفاجيء مع وقفة جبرية وحروف تعلقت باللسان في سقف الفم والثاني تنهيدة مسترخية تهادى معها اللسان هابطا لمستقره.
الله!.
استخدم القاص الموروث الشعبي بشكل محكم في أكثر من موضع فكانت الاغنية ( الدنيا بتشتي واروح لستي تعمل لي فطيرة تحت الحصيرة )
واستخدمها بشكل أوضح في قصة "أقوال جديدة في سيرة أمنا الغولة " قصة تسمع فيها صوت الأطفال الخائفين الذين يحكون بخوف لذيذ عن أمنا الغولة التي تخطف العيال من الشارع وتأكلهم .
لم تكن قصة عن أمنا الغولة فقط بقدر ما هي سيرة بسيطة عن خيالات طفولية يتحقق فيها كل ما هو غير ممكن وغير منطقي و لا تملك إلا أن تصدق.
اللغة التي قدمها الكاتب لغة طازجة تشعر بخروجها للتو من فرن الخبرة والتجربة . كلمات وجمل تلقي بنفسها طواعية إلى قلم حسام المقدم . فهي لغة شاعرة وبسيطة تنقلك من الواقع الى واقع موازي مسحور تنقلب فيه المعطيات وتدهشك النتائج
سيكون بإمكانك ان تشم رائحة الفانيليا في الهواء وان ترى الوجه الجميل مثل رغيف بلدي صابح وستتذوق طعم الطبيخ بدون ملح عند ذكر سلام الموظفين
ستختبر ثقل العالم في بدانة الأشياء في قصة قهوة بوتيرو بل ستجرب هذا الشعور حتى تتسارع دقات قلبك.
سيزداد شعورك بروعة الأرض وجاذبيتها لنا وتفسيرها بالحب " تجذبنا لأنها تحبنا" عندما تصل الى قصة رقصة القيامة
وسيتملكك الذعر عندما تحاول مع الأصدقاء الثلاثة قراءة الكف المذعور وبمجرد أن تقترب منه وتدركه يظهر الجمال على حقيقته فيفنى .وكأن الجمال لابد من فنائه حتى يظل جميلا في قصة "محاولات جادة لقراءة الكف"
وأخيرا أستطيع أن أعبر عن امتناني للكاتب ولعالمه المختلف . كنت أتمنى لو أكتب عن كل القصص ولكنني حاولت قدر الإمكان أن أختصر إعجابي بقهوة بوتيرو بدعوتكم لاحتساء الدهشة في فنجان.
وبالتأكيد أرشحها للقراءة.





قهوة بوتيرو  حسام المقدم.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى