د. أحمد الخميسي - ماذا نعني بترجمة الأدب الإسرائيلي ؟

اتخذ المركز القومي المصري للترجمة قرارا بترجمة عدة كتب إسرائيلية وتصادف أن توقيت القرار توافق مع اللحظة التي يرشح فيها فاروق حسني وزير الثقافة المصرية نفسه لليونسكو ساعيا لكسب أصوات " العالم المتحضر " لترشحه . ويأتي ذلك في السياق الذي تعتز فيه نخبة الأوساط الرسمية بأن يشغل " المصري " منصبا هاما في مؤسسة دولية كالطاقة الذرية أو اليونسكو حتى لو كان تأثيره هناك معدوما وأحيانا ضد مصالح مصر والعرب . بهذه النفسية وبهذه العقلية تتعامل مصر مع ترشحيها لأحد أبنائها لعمل في الخارج ، لكنها لا تتعامل بعقلية ونفسية الشعور بالكرامة وبحقيقة أن مصر أم الحضارة والتاريخ يتشرف الآخرون بوجودها إن أرادوا . وقد أثار قرار المركز القومي للترجمة اعتراض البعض، دون الانتباه إلي أن المركز تمسك بعدم التعامل مع دور نشر أوجهات إسرائيلية بشكل مباشر ، وتلك خطوة إيجابية . اعترض البعض أيضا على " توقيت " قرار الترجمة لارتباطه بظروف محددة . إلا أن المسألة ليست في التوقيت بل في المبدأ : هل نحن مع التعرف إلي ما يكتبه الآخرون خاصة إن كان الآخرون يمثلون خصما تاريخيا ؟ . وهل سيختلف موقفنا من تلك الترجمات لو أنها تمت بعد عام أو عامين ؟ . في اعتقادي أنه ما من توقيت للتعرف إلي فكر الآخرين ، بالعكس كان لابد من المضي في تلك الخطوة مبكرا ، ومجيء تلك الخطوة في سياق ظروف الوزير المحددة لا يمنع أن المبدأ صحيح وسليم . إذن نحن مع الترجمة ، والتوقيت ليس العامل الحاسم في مبدأ الترجمة من عدمها . إلا أن هناك مشكلات أخرى أكثر أهمية بكثير تتعلق بأسئلة أخرى في مقدمتها : هل هناك أدب إسرائيلي ؟ هل سبق للتجارب القومية في العالم أن عرفت تجمعا بشريا من مختلف المشارب أنتج أدبا " قوميا " خلال نصف القرن من الاحتلال والغزو والعدوان على الشعوب المجاورة ؟ . الإجابة : كلا . لأن الأدب تحديدا أكثر مظاهر الوعي تعبير عن الطابع القومي ، الأمر الذي لم تعرفه إسرائيل بحكم اعتبارات عديدة . لكن هل ينفي غياب " الأدب الإسرائيلي " أهمية الترجمة لما يكتبونه هناك ويدعون أنه أدب روائي ؟ . كلا . لأن المقصود هو في نهاية المطاف التعرف إلي الآخر ، عبر الطرق التي يعبر بها عن نفسه سواء أكانت أدبا أم صحافة أم فلسفة . إذن نحن مع الترجمة ، والتوقيت ليس المشكلة ، ولا حتى غياب الأدب بمعناه المعروف هو المعضلة . المشكلة الحقيقية هي : ماذا نترجم ؟ أعني هل أن ما نترجمه سينقل لنا صورة الآخر كما هي في الحقيقة ؟ أم أن ما نترجمه سيكون تجميلا للوحش ؟ يضفي على الروح العدوانية البربرية طابعا إنسانيا مزيفا ؟ . لقد سبق أن رأينا كيف جرت بحماسة عميلة تجميل صورة الموسيقار الإسرائيلي " بيرنبويم " وتقديم الحلول الصهيونية باعتبارها سلاما . الآن تنعقد النية على ترجمة " ديفيد جروسمان " الذي كتب في " هارتس " أنه يعتبر أن ماقامت به إسرائيل في غزة " رد فعل دفاعي على استفزاز حماس " ويكرر أن وجود إسرائيل " معجزة قومية وإنسانية " ، كما يقف بشدة ضد حق عودة اللاجئين خوفا على " الطابع اليهودي للدولة " ، بل ويرفض الاعتراف أي اعتراف بنكبة 1948 . رسالة الترجمة – إن كان مازال لها رسالة – أن تطلعنا على الحقيقة ، وليس أن تقوم بتجميل صورة الوحش . وتتم عملية التجميل باختيار نصوص لكتاب صهاينة يتنهدون بحزن على قتلى وجرحي ، فإذا حانت ساعة الموقف الصريح وقفوا بقوة إلي جانب العدوان . نريد لتلك الترجمات أن تقترن بمقدمات تنبه إلي أن العمل هو وثيقة لفهم الآخر ، وتنبه إلي حقيقة مواقف أولئك الكتاب ، وحقيقة ما يكتبونه . أيضا لابد من ترجمة ما يعكس الجوانب الأخرى من المجتمع الإسرائيلي التي تعكس لنا جوهر ذلك المجتمع وليس سطحه اللغوي ، لتتحقق رسالة الترجمة وهي التعريف بالحقيقة كاملة كما هي . فإذا اختار مترجم ما عدة كتب أمريكية تعكس كلها فقط ذلك الجانب المبهر في أمريكا ، فإنه يكون قد نفى رسالة الترجمة ، لأنه لم ينقل الجانب الآخر، أي أنه لم ينقل لنا الحقيقة . أخيرا فإن رفض التعامل المباشر مع جهات إسرائيلية أمر جيد ، لكن المسألة ليست في النهاية هي : مع أي دور نشر نتعامل إسرائيلية أم أوروبية أم هندية ؟ المسألة هي : مع أي فكر نتعامل ؟ ما الذي نروج له ؟ ما الذي نترجمه ؟ بحيث نقدم الحقيقة ولا نزيفها . وآمل أن يتمكن المركز القومي من حل تلك المعضلة .

***
أحمد الخميسي . كاتب مصري




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى