مصطفى الشليح - كنْ عروضيًا وتخلَّ عن العروض.

بدءًا لكلٍّ الحقُّ في الاختلاف، ولكن عَنْ أي اختلافٍ ؟ وبأية أدواتٍ ؟ ومنْ أيِّ موقع معرفيٍّ ؟ يَكُونُ الاختلافُ بتمثل المختلفِ فيه، وبافتراض ما ينقضه أو يرفده. بذا لا اختلافَ إذا اتصل الأمر بافتقار إلى ما بموجبه تكون علة الاختلاف.
وبدءًا لا أحد يسعى إلى وصايةٍ، ولا إلى اقتراح صيغة تعبيريةٍ، ولا إلى سوق درويش داعما، وهو المنتصر للوزن، وَإِنْ في نثرياته، وَإِنْ في حواراته، وَإِنْ في خليلياته، ولا في إشارته الشعرية إلى الموهبة التي دون ترقيها خرط القتاد واستصحاب النص الشعري الكوني، وليس العربي فحسب، مع وجوب التفرقة بين الموهبة هبةً والموهبة كسبًا.
ومن الكسب الأخذ بالنص، ومن الكسب تلقيه بالبحث في أسرار كتابته؛ وبذلك فالكتابة الشعرية صناعة واحتراف وإلمام بآليات التشكيل اللغوي والتركيبي والصرفي، ومن الصرف إيقاع تخير المعجم الذي يستدعي القول الشعري بعضه ويدع البعض الآخر لعدم مجاورته الهوية الإيقاعية للنص.
إن الشاعر ينحت ضوءا مأخوذا به وآخذا له إلى التجلي الذي يشبه كل شيء ولا يشبه شيئا؛ ومن هنا تداولية القول الشعري.
هكذا لا أحد يلزم أحدًا بالتزام العروض شكلا خارجيا، علما أنه شكل مفرغ ولا امتلاء له إلا باللغة، وإلا بسبل تصريفها، بما يقتضي تحوطا معرفيا لها قواعدَ وروافدَ ومعاقدَ ومقاصدَ، وبما لا يتأتى الاختلافُ حوله من قبل المتقدمين أو المتأخرين.
لكن التعلل بالسياقات غير المماثلة، وبالأزمنة المتحولة، وبالتحيز في " منطق الإيقاعات المختلفة " التي لا وجود لها إلا عند الخائضين في المسألة الشعرية بقصدية ليست من الشعر وليست من النقد في شيء، وبتمويهاتٍ تغرر بالمقبلين على الكتابة الشعرية، وذلك بإيراد مجتزآتٍ من كتابات غربية عن الإيقاع لم يتدبروها كما وردتْ عند ذويها، فجريرة يتحملون وزرها وآفتها، من حيث هي إفساد للناشئة، ومصادرة لحقها في اختطاط سبيلها الشعرية.
كنْ عروضيًا وتخلَّ عن العروض.
وإذ تخلَّيتَ عنه لم تتخلَّ لأنه عمقُ الإيقاع في العبارة الشعرية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى