عبد الباقي قربوعه - حكاية الأرباب المتحدة …

قربوعة.jpg

- كم سعر هذا الرب؟
بحسب ملابسك الأوروبية المستعملة فأنت لا تستطيع دفع ثمنه! خذ هذا الرب فهو رخيص ولا يتوفر إلا على خاصية واحدة، فهو يخبرك بأصحاب الأرقام الهاتفية التي تزعجك وأنت تتخبط في كسلك المُفجع، خذه سوف لن تندم، ضعه على الطاولة وضع على يمينه مزهرية حتى لا يشعر ربُّك بالملل! ولي نماذج مصغرة من هذا الرّب بسعر أرخص، تستطيع أن تضعه في جيبك كالقاموس أو الرواية، رب يدلك وأنت تسير في الشارع البائس على فنون الهمز واللمز والتعليق على المشاة يمينا ويسارا! وكلما زدتني نقودا أعطيتك ربّا بخصائص إضافية أخرى تخص ازدهار العرب في هذا الشأن.
أترى ذلك الرّب الموجود إلى جانب نموذج العمارة البيضاء الفاخرة؟ إنه أغلى رب في العالم، لا يستطيع دفع ثمنه إلا الزعماء والملوك ورؤساء الحكومات الغربية، فهو يخبر بنتائج الحروب وحتى الدرجة التي يصل إليها تحرش دولة بدولة أخرى، يعلم أيضا نتائج أية مفاوضات تحدث في العالم، وينقب عن البترول وأنواع المعادن تحت الأرض، ويحيط بكل ما يجري في الأسواق الدولية، وكذا أخبار البورصات في العالم، كما يستطيع أن يكشف عن تواجد أسلحة الدمار الشامل، وقد لاحظ كل العالم نشاطه المبهر في الساحة العراقية، إذ حاوره الرئيس في المدينة الخضراء: أن أبشر ببترول وافر على مدى العمر، وقد سمع المشاهدون كيف كان هذا الرئيس يشكر ربّه ويثني عليه في لوحة إعلامية رائعة بعت خلال هذه المناسبة أربابا كثيرة، وعندما تعرضت للمساءلة عن خرق بند الاتفاق في فتح مساحة أكبر لمبيعات هذا الرّب، أخبرته بأنها أرباب تايوانية سريعة العطب، فإذا تعرضت لدخان الحروب أو غبار الأسواق أصيبت بالزكام ثم لا تنبئ بشيء، وقد تهافت على شراء هذا الرب الرؤساء العرب لظنهم أنه يتوفر على خاصية إعادة الهيبة.
الرّب الأصلي طمْأن الرئيس بأمن الساحة بعد الحرب، وأوحى إليه: أن أخرج وكَنشك إلى المزرعة وأنعم بسباحة هادئة، كأنك تقول للعالم أنك قضيت على جميع أسلحة الدمار الشامل، كان هذا يوم التقت الجموع من أغنياء العالم: 2+6 أو 4+4 أو 1+7 أو 3+5، وعمليات أخرى مما تعد السياسة، أما أنا فقد كنت أعد نقودي في حين كانوا يلتقطون صور تذكارية، لم تكن لدي رغبة في أخذ مكانا بينهم لأن ربي رب المادة يحرم علي ذلك، يتوعدني دائما إن فعلت هذا سوف يبخسني وينزع مني القدرة على صناعة الأرباب.
إن كنت رئيسا أو ملكا عربيا فسأبيعك ربّا بخاصية الاهتزاز فقط حتى يعينك على التنديد والاستنكار أمام جرائم الرّب الأكثر تداولا بين أغنياء العالم. ولي ربّ صغير جدا يوضع في حاملة المفاتيح، فهو يُمكِّن الناس من الطغيان على بعضهم البعض في عمليات إجرامية مصغرة، اكتفي بهذا الرّب فهو لائق بمستوى طموحك، ويتناسب مع درجة شراستك، فالرّب الذي شرحت لك خصائصه منذ قليل لا تتغذى بطاريته إلا على دم طائل، خصوصا دم العرب والمسلمين، وقد ذهب الشعب العراقي وقودا لبطارية هذا الرّب المتعدد الخصائص، أنا الوحيد الذي كان يعرف أن الرئيس ترك بطارية ربّه تُعبأ في العراق، وكما أمره الرّب ذهب لقضاء العطلة الأسبوعية في مزرعته الخضراء بكاليفورنيا، فهو المكان الوحيد الذي لا يكون الرئيس في حاجة إلى أخبار الرّب، فهو يخاف أن تلهيه حالة الخشوع عن لذة متعة المزرعة وما ينتشر تحت ظلالها من جواري وفواكه، ثم إن ربّه أشار بأن البطارية ضعيفة جدا لا تمكنه من الاطلاع على غيب السماوات والأرض، ومن جهة أخرى فإن شاشة العرض لهذا الرب تشوهت جراء تسرب البترول من الآبار، تسرب الدماء من أجساد الأبرياء ودموع اليتامى ودموع الأرامل، أخبره مستشاروه أن تنظيف شاشة الرّب تتطلب ميزانية كبيرة، فمنحهم عقدا للاستفادة من بئر بترولية لمدة ثلاث سنوات كاملة قابلة للتمديد.
سوف لن أحدثك أكثر عن هذا الرب فله تاريخ عريق في تنظيم العلاقات الدولية، ولهذا لا يمكن أن تملكه أفراد عادية من الشعب، كما لا تستطيع أن تحوزه دولة نامية، أو إحدى دول العالم الثالث، ولا دولة مثقلة بالديون، فهو لا يقبل أن يكون ربا إلا على دولة غنية ذات سيادة، إن هذا الرّب يمتاز بخاصية عجيبة، وكما تعلم أن الاتفاقية تمنعني من البوح أو التصريح بها لوسائل الإعلام، ولا مجرد الحديث بخصوصها، وما دمت عربيا متشائما يائسا مدربا على الخنوع والمهانة والاستكانة فلا بأس أن أخبرك بها، حتى وإن تحدثت بها في مكان آخر فلا أحد يثق فيك وأنت بمثل هذه الذلة والمسكنة، ألم تلاحظ أن بعض الشعوب تحاول استرجاع سيادتها ولا تستطيع؟ فالرّب الذي أخبرتك يرفض هذا، والرئيس لا رغبة لديه في ربّ أناني يريد أن يستحوذ على الغيب وحده، ثم يضغط الرئيس على هذه الشعوب بالحصار الاقتصادي حتى يدفعهم لشراء مثيلا لربّه، قال حتى تستطيع الأرباب أن تنسق لحماية الإنسانية من أي خطر، أما الرّب الواحد الأحد الذي تؤمن به هذه الشعوب فهو ربّ إرهابي متطرف لا يؤمن بالتداول على الربوبية!!
هناك رب عظيم بخصائص خارقة لا يستوعبها رب التكنولوجيا، رب يُغنيك عن كل هذه الأرباب السريعة التلف، رب يمنحك القوة ويساعدك على التنمية والنهوض، ولكنه رب غير محترم لديكم أنتم العرب، فتجد الواحد منكم يقول لصاحبه: هات ربها، خذ ربها، حُط ربها، أضرب ربك، روح رببْ.. وألفاظ أخرى خجلا لا أستطيع ذكرها.
إلى حين ألبي طلب الدول الكبرى بإضافة خاصية جديدة لبرهم، خاصية تمكنهم من شم رحيق أزهار الربيع العربي عن بعد، بإمكانك أن تأخذ ذلك الرّب الصغير، ضعه ضمن داخل جيبك وتربص بأخيك أو صديقك أو جارك، خذه لا تتردد فهو الرّب الأكثر استعمالا بين العرب الذين لا يؤمنون إلا بربّ الخيانة، إنه ربّ أسمر ليس فاقعا لونه، داكن يُذكر ببشرة الأعراب الأشد كفرا ونفاقا، رب يتميز بخصائص كثيرة لا يتفرغ لها الغرب مثل: البغض، والوشاية، والغيبة والنميمة، رب يتوفر على ماسح ضوئي يكشف ما يحمله جارك في أعماق القفة، أو داخل الكيس البلاستيكي، ستكشف ما يحمله جارك وهو يمر بمحاذاتك وأنت متكئ على الحائط.. قم بتوظيف خصائص هذا الرب ودعك منالسياسة، وإلا سيفقد ربك كل خصائصه، حينها تغضب عليك الأرباب المتحدة، وستلجأ لاستعادة ضبط المُصنع، بمعنى تدخل رب أجنبي في شؤونك، وهو رب أناني يقضي على ذاكرة ربك، ستفقد كل ترتيباتك يترك الخير والنماء في بلاده ويجلب إليك الشر والدمار، يسفك الدماء وينهب الخيرات ثم يمضي ويتركك تسب ربك ورب اليوم الذي ولدت فيه.



—————————————
* عبد الباقي قربوعه (قاص وروائي من الجزائر)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى