شوقي بزيع - عناوين سريعة لوطن مقتول.. شعر

كما تتعرى لذاكرة النهر زنبقة النهر
كالخوف ينسل من حدق الميتين
وكالبحر يذهب للموعد المتاخر،
أفتتح الان موتي وادخل في موسم النار
كل الجداول صالحة للملاحة
فليتقدم حفاة المدينة نحوالمدينة
وليسرج الجائعون القرى.
هي الارض تدخل في الدورة الدموية
أوفي مدار الشظية أوفي جنون يدور
ليسقط على القلب هذا الندى الليلكي
ويهوي المساكين نحو القبور،
فان أورق الدم والأرض ألغت مواعيدها
فليقوموا
سيعرف كل باوجاعه
لا علامة فارقة في جبين الجياع سوى الجوع،
والأرض شاهدة
أنهم أغمدوا صدرهم في التراب ولم يبلغوا الخبز
لكنهم حين ماتوا أضاءت مصابيحهم في القبور
وقفت على باب تلك المدينة أحصي دمَ
الذاهبين إلى حربها
فاستدار الرصاص الى حيث كانت بلادي
وقد أوثقوها الى النار فانفجرت آية الماء:
يا نار كوني سلاما وبردا على المدن الصامدة.
وقد أوثوقها إلى الجوع فانتشرت فوقها السنبلات
العجاف، وكان الطغاة على بعد سنبلة من فم الجائعين
وكنا على بعد قنبلة من عيون الطغاة
وحين سقطنا معا في التراب انحنت سدة الأرض
وامتزجت بالدماء السنابل.
وفي دورة الخبز تنحل كل العناصر
كانت مناقير ترفع طائرها من جنون الرياح
وأشرعة تستحث البحار
وكانت بلادي على طرف الموت
تدخل في جثة وتقاتل.

وقفت على باب تلك المدينة أحصي دم
الذاهبين إلى قلبها
فاستبد بي العشق, واحتشد الميتون على جانبي
وكانت على الصدر عاشقة من عصير البنفسج
في أول الليل
والارض كانت جنوبية
والجراح جنوبية
حين تدخل برج الكآبة
كأن التراب الجنوبي خارطة للعذاب
إذا ما توجع نهر بأرض
توجع ماء الجنوب
وإن صوب القاتلون إلى أي جسم
ففي جسم هذا الجنوب تكون الإصابة

وأسندت جسمي إلى جثة في مهب الجنون
رأيت بلادي تنام فقلت أجيء من الحلم
وانكسرت زرقةٌ في المساء المجاور
فارتعش الميتون
ومر بي العسكريون واشتبكوا حول شكل العلم
لتحيا بلادي
لتحيا الحكومة والخبز والأرز والأوسمة
لتحيا الخضار ويحيا الدمار وتحيا القصور
وتحيا القبور.
لبست ثيابا جديدة
لبست بياضا يشكلني، شارعا،
ربطة للعنق
وحين وقفت على بابها لم أجد عنقي.
أنا الرجل الصفر أبدأ من نقطة في بلادي
ولا أنتهي في أحد
ويرقصني البحر حتى انطفاء الزبد
وبيني وبين المدينة جسر تقمصته فارتدتني
خطى العابرين
لأني قتيل ولا ظل للميتين
لأني شريد ولا موت يستقبل الجائعين
أمد جناحين بين القبور وأبحث عن طائر
في الوسط
وأنشر جسمي علانية في الثلوج البعيدة
خذوني إلى صدر أمي ولا توصدوا البحر خلفي
أنا القروي الجميل
ابادل كل العواصم بامراة في السرير المجاور،
أي النساء التي تتزين للحب؟
إن دمي موصل للتراب
ليأتي المحبون نحو حبيباتهم
والمصابون نحو إصاباتهم
والمساكين نحوي
ففي ذات قنبلة في نهار يجيء
على بعد خمسين ألف قتيل وأغنية واحدة
ستمشي بلادي على الماء
من يفتح الآن نافذة
من يغني لشيء ينام؟
مساكين يأتون عند الحروب
ويمضون عند الحروب
ولا يتركون سوى نجمة في الظلام

وسافرت بين الرصاص وأسواقه في ضواحي السكينة
رأيت احتراق المغنين بين الأغاني
رأيت حبيبين سهوا
وطفلين سهوا
وسهوا رايت المدينه
وكانت هوت منذ عام ولم يبكها ميت أو مسافر
رأيت بقايا البحار على خشب من حطام البواخر
وكل الذين أحبوا وماتوا
وغنوا وماتوا
وما خبأ العشق في جثث العاشقات
صرخت: اجمعيهم، فكان الرصاص
اجمعيهم، فكان الرصاص
اجمعيهم، وأطلقت جسمي إلى جهة في الهواء
فقام الجياع من الجوع
قام الضحايا من الموت
قام الصغار من الامهات
ولم يبق تحت ركام المدينة إلى الطغاة.

هو الدم يرفع قاماتنا فوق هذا الحطام
هو الدم يستنهض الأرض فينا
فلا عاصم اليوم إلا من اختزن العشب في جرحه
ثم نام
كتبنا لأحبابنا جثة وانتظرنا بريد العظام
وما وصلتنا رسائلهم بعد،
ما وصلتنا عناوينهم في الظلام
وأروع من يموت المساكين
أن يبلغ الموت حد الكلام.
سنطلع من كل بيت تشتت
من كل جرح تفتت
من كل طفل هوى في البياض القتيل
باسم من يحرثون الصباح لكي تشرق الشمس
أو يكتبون الرياح لكي يزهر الحدس
أو يقرؤون الدليل
ونحن المساكين نحن الملايين
لا شيء يفصل أعراسنا عن سقوط الطغاة
توحدت الارض فينا
فكلا قتيل سيصبح جيل
وكل بنفسجة أحرقوها ستغدو بنفسجة المستحيل
وكل شهيد تكمله الأرض
وكل احتراق تكمله النار
فلبيلغ الحقد حد الإصابة، والرقص حد السماء
فلاشيء يبقى سوانا على الأرض
لاشيء يبقى سوانا على الأرض
لا شيء إلا قناديلنا واحتمال الدماء.
أعلى