بوزيد الغلى - الساحلي وتأمر التجار:

لما أيقن التاجر "حامد" من حظوة أبي إسحاق الساحلي عند السلطان الذي أكرم وفادته وأدناه منه في المجلس، دعاه إلى وليمة في بيته بعد أن عرفه بنفسه، وأخبره أنه من أثرياء التجار، ولما ألح في الطلب، وافق أبو إسحاق على أن يحل ضيفا ببيته في اليوم الموالي. لبس أنقى وأرقى لباس يمتلكه، واتجه مع أحد رفقائه إلى بيت التاجر حامد الذي استقبله في جماعة من الضيوف، معظمهم تجار. شربوا عصائر ثم ولجوا غرفة الضيافة الفسيحة. قدم لكل ضيف صحن فيه طعام على غير المألوف من عوائد أهل المغرب. عادة ألفتها أيام الصبا في غرناطة؛ يقول الراوي.
. تناول أبو إسحاق لحم ساق، لكن التاجر ألح عليه أن يأكل شئا لم يستسغ طعمه، ولم يتبيّن رائحته، فسأله : ما اسم هذا الطعام، وكيف تطهونه؟. فأجابه بحدة: كل مؤهلاتي صرفتها في التجارة، ولست طبّاخا، ولا خبرة لي بأعمال الطهاة.
صمت أبو إسحاق ولم يعقب.
انصرف الجمع بعد تناول العشاء، ولم يكد أبو إسحاق يأوي إلى فراشه حتى شعر بمغص شديد وغيثان. استصرخ خادمه، وأمره أن يستخبر عن التاجر وأصحابه، هل يشعرون بمثل ما ألمّ به. عاد الخادم بعد مدة غير طويلة، وأخبره أن التاجر لا يرى عليه أثر المرض، وأنه بصر بأحد أصحابه في أنعم حال.
أدرك أبو إسحاق أنه وقع ضحية غدر، وأن التاجر ناوله طعاما مسموما. بعث في طلب الطبيب الذي لم يتأخر طويلا. ناوله دواء، وانصرف بعد أن همس في أذن الخادم: سوف يسترد عافيته. مضت ساعات ثم عاد الطبيب، وجد أبأ إسحاق ممدا على سريره. ناوله جرعة دواء، فأحس بعد فترة قصيرة، أن مفعولها قد سرى في جسمه، وأنه بدأ يستعيد عافيته، فقال للطبيب: بعد أن شكره واثنى عليه الثناء الحسن، وزاد في طنبور فرحه بمعرفته، أن علم منه أن غرناطيّ المولد طنجي المقام:
الله وحده يعلم من سيحيا وسيستمر على قيد الحياة. ذلك ما تعلمته من معلميّ ومن تجاربي...
عرفت الآن، أن الأواني التي وزع فيها الطعام بشكل فردي على غير عادة أهل البلد، إنما أريد به ألا يشاركني غيري في الطبق الذي دس فيه السم!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى