سعيد موفقي - حَضَرَ جنازَتَه كلبُهُ فقط...

عندما غادرنا المدرسة وتركنا المقاعد، كان حديثه دوما عن النضال والتضحيّة والأكل والشرب وحضور الولائم المتخمة والعلاقات، يحدّثني دوما عن أنواع الكراسي الوضيعة والفاخرة، بالكاد هي أفضل من هذه الكراسي، بينما الكرسيّ الذي يبحث عنه شكله مختلف، ظننته يمزح فقط...؟ قال لي وكلّه سعادة وفرح كالمستيقظ وأوراق كرّاسه لا تخلو من رسومات مختلف لكرسيّه المفضل، كان يتمتّع كثيرا برسمه وحديثه عن هذا الكرسيّ الذي لا أعرفه، استطرد: قبل أيّام دُعيت لحضور وليمة أقامها أحد أعيان المدينة على شرف ضيف كبير تعرّفت عليه، حاولت أن أقترب منه، يومها ذبحت شياه كثيرة ملئت بها جفنات المتطوعين والمتطوّعات لحما (العظم على حالو)...وكتبت عن هذه الوليمة مقالات في الحكمة والنّجاح والتفوّق و" القفازة والوقاحة والقباحة وغسل الوجوه ببول الكلاب مع التجديد في كلّ مرّة)، لم أفهم الأمر في الأول، لكنّ حديثه عن هذا الحضور المتكرّر ساعدني على فهم قصده، ثم أردف قائلا: علّمني هذا الحضور بأنّي كنت غبيّا ومتخلّفا ومتأخّرا عن هذا الانخراط، لقد فاتني خير كثير... لذا فهمت لماذا كان يكثر الحديث عن الحزب والنضال والدّفاع عن حقوق الملكيّة والعدالة الاجتماعيّة وحاجة الزواليّة إلى رجال مثله، يضيف: سأقوم بما لم يسطعه من سبقني إلى هذه الولائم الخاصّة، وسأكثر من غسل وجهي ببول الكلاب والحمير أيضا،...وها هو الآن فعلا، يتصدّر الولائم ويحقّق حلمه الذي طالما انتظره في الواقع مذ كان يجلس بجانبي أيّام المدرسة، ها هو يركب سيارته الفاخرة ويراقب عمّاله من شدّة الخوف وحبّ مهنته، ذات ليلة همس إليه أحدهم أنّ مشروعا عظيما سيجني من ورائه ما لم يجمعه منذ انخراطه في لعبة الولائم، تذكّر بأنّ في بول الكلاب فوائد جمّة. تمّت الصّفقة والمشروع لا يزال قيد الوثائق، اتّصل به، سأله : ما مصير مشروعنا، قال له بلهجة المتهكّم : (راك من نيتك تحوّس على مشروع اتفيّد منو دراهم كبيرة للمدينة؟) أنصحك بطيّ الملف، وسأحيلك إلى شخص صاحب حرفة ستنال من مشروعه المال الكثير، ودعك من الأوّل، ما جنيته منه فيه بركة ولو قليلا يا سي ملهوف (البركة في القليل)...انتهت العهدة استلم المشاريع ولا يعلم كم في رصيده من ثيران وبغال وغزلان وبقر الوحش...يكتفي دوما بالبحث عن المشاريع وبول الكلاب، هاجسه الوحيد ، في آخر أيام عطلته بينما كان ينظّف سيارته الفاخرة، لفت انتباهه لفائف من أوراق ارتوت زيا وهريسة وبقايا خبز وبطاطس مقلية، كان يأكلها على عجل في غدّوّه ورواحه بين المشروع والمشروع، ورائحة الأحذيّة والجوارب المكوّمة تحت مقاعد السيّارة، يومها رنّ هاتفه: أحدهم متنكّرا عن غير عمد: هل أنت سي ملهوف؟
نعم أنا هو...شعر بسعادة عميقة، شرد ذهنه: ترى كم تكون الصّفقة هذه المرّة...ألو ألو ألو، نعم نعم أنا معك، المعذرة على الانقطاع: كم هذه المرّة...؟ قاطعه: أنت مطلوب إلى العدالة غدا صباحا مصحوبا ببطاقة هويتك...يومها حضر جنازته كلبه فقط...


سعيد موفقي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى