كرة القدم عصام الشوّالي - التعليق الرياضي بنكهة ثقافية

من اللحظات الاستثنائية أن يمزج معلّق رياضي لكرة القدم كلماته بروح ثقافية، وينفخ فيها من وحي الشعر والتاريخ، كما يفعل المعلق التونسي عصام الشوّالي الذي، صارت المباريات برفقته درساً معرفياً ممتعاً يروق للكثيرين من متابعي كرة القدم.
وبفضل هذه السمات المميزة، أضحى الشوّالي أحد أبرز المعلقين العرب، وصار يعلّق على أكثر المباريات أهمية وحساسية، فنال حظاً وافراً من النجومية والانتشار، فاختير كأفضل معلق عربي لأعوام 2005، 2006، 2007 وفقاً لاستفتاء أجراه موقع "كووورة" الرياضي، وأفضل معلق رياضي عربي لسنة 2015 من خلال الاستفتاء التي قامت به جريدة "الوطن" المصرية، في حين اختارته جريدة "الأهرام" العام الماضي كأحسن معلق رياضي عربي.
ولد عصام بن نورالدين الشوالي يوم 25 سبتمبر عام 1970، وارتبط بكرة القدم منذ نعومة أظفاره. ومع نهاية دراسته الأكاديمية باللغة الفرنسية انضم إلى إذاعة الشباب والرياضة لتحقيق حلمه في الوقوف خلف الميكروفون كمعلق ليلهب حماسة مشجعي الكرة، فتمكن الشوالي بموهبته من اختزال الزمن حيث انتقل بسرعة إلى القناة الفضائية التونسية، ثم كانت خطوة الانتقال إلى فريق شبكة راديو و تلفزيون العرب واحدة من أبرز محطاته المهنية، حيث أصبح وجهاً مألوفاً في جميع الاستوديوهات التحليلية لمباريات الدوري المختلفة.
أول مباراة علق عليها الشوالي، كانت يوم 6/10/2001، بين "الترجي" التونسي و"صان داونز" الجنوب إفريقي ضمن مباريات دوري أبطال إفريقيا. أما أول مباراة في دوري أبطال أوروبا، فكانت عام 1998 بين "ريال مدريد" و"إنترميلان".
عقب شراء مجموعة قنوات الجزيرة الرياضية لباقة قنوات راديو وتلفزيون العرب، انتقل الشوالي إلى التعليق على مباريات كرة القدم بالقنوات الرياضية بشبكة الجزيرة الرياضية القطرية، وبعدها إلى "بين سبورت".
نبرة صوته عالية ولا يخلو أداؤه من خفة الظل، كما يقول خالد صافي في تقرير له يضمّنه قولاً للشوالي:
ويتابع صافي تقريره:
عزيزي المشاهد،
حان الآن موعد صمتك، وأنصحك بعدم الحديث، فأنت على مشارف مباراة يعلّق عليها عصام الشوالي؛ إن تفوهت بكلمة ستجر على نفسك سخط كل من يشاركونك متعة الاستمتاع بسيمفونية التعليق التي ينسجها هذا الإعلامي الفذ، كما أنك ستضيّع على نفسك لحظات من الانسجام التام التي يتكفل لك بها الشوالي في كل ثانية من أحداث المباراة، فهو من لا يتجرأ أحدٌ على الحديث في حضرته، ولا التعليق على التعليق في مباراته، إنه يعيش المباراة لا يعلق عليها.
إن الشوالي، بحسب التقرير، ينقل حادثة "أم المعارك" إلى بيتك، ويلهث وراء "الكورة الغدارة"، وينظم في (الليو ميسي) شعراً، وفي "سَحَرة البرازيل" نثراً، ويحط من قدر (كريستيانو رونالدو) "أكذوبة المنتخبات" أحياناً ولا يبالي، يمتعك بالشعر العربي القديم تارة، وبالغناء الأصيل أخرى، قد يروي قصة شمشون ودليلة، أو يرتجل ما بدا له من قصائد ومعلقات كل ذلك خلال التسعين دقيقة التي أقسم ألا يهمد فيها نفَسه لثانية؛ كي يمتع كل العالم والناس بتعليقه..
وثمة من يأخذون على الشوّالي استغراقه في استعراض مهاراته اللغوية والثقافية والشطح الإنشائي، وابتعاده عن تفاصيل المباريات وتحليل فنيّاتها، فقد علق أحد منتقديه: "صحيح أن عصام الشوالي يعطينا كثيراً من المعلومات ولكن معظمها غير مهمة على الإطلاق، ماذا يعنيني في معرفة نوع ماركة بدلة المدرب جوارديولا مثلاً؟ لكن عندما تستمع لمعلق بريطاني مثلاً فإنه يتحدث بما يدخل في إطار المباراة ولا يخرج عنها أبداً. جميع المعلقين العرب بلا استثناء لا يستطيعون الكف عن الرغي والكلام".!
لكنّ عشاق المعلق التونسي يرون أنّ نجاح المباراة مرهون بارتباطها باسمه، وقوتها تأتي من تعليقه، فمهما كانت المباراة قوية، فتعليقه أقوى، وإن خيّبتك الآمال في الفريقين فهذا المعلق كفيل بأن يُشعل النيران في الملعب بنبرته العالية، كما يقولون، وقصصه الطريفة والتفاصيل الدقيقة والغريبة التي يأتي بها، وطريقته الجريئة بإسقاط الكنايات والتشبيهات على الأحداث، وفق صافي.
يعرف الشوّالي الصغار والكبار، وقبل أن يهتم المشاهد بالفريقين يبحث عن صوته في القنوات الصوتية في مباريات كأس العالم، ولا عجب أن تتناقل المواقع والمجتمعات الإلكترونية مقاطع صوتية وأخرى مرئية لجميل تعليقاته وبديع نوادره، بينما لا تكاد تخلو الهواتف المتنقلة من مقاطع مميزة لعصام الشوالي.
تعتقد أنه يشجع هذا الفريق، فتسمعه يتفاعل مع كل هجمة وتسديدة، ويخطط ويرسم تحركات الفريق المقابل، ويحدد مواطن الخلل ونقاط الضعف، وتعرف معه إن كان الدفاع "نايم في العسل" أم أنّ "الحارس سيندم" على خروجه، وما هي إلا لحظات وتفاجأ أنّ لونه تماهى مع الفريق المقابل في حيادية تامة، وشاركهم فرحتهم بالفوز، وعدّد مناقب لاعبيه والمدرب والفنيين والمشجعين بحركاتهم و"قبلاتهم"، فلا يبخس كلا الفريقين، ويعطي كل ذي حق حقه، ولا يضنّ لحظة بنغمات تطرب أذنيك من حنجرته الذهبية..
ومن تعليقاته التي يحفظها عشاق الشوالي، وأصبحت علامة لصيقة به:
"يحط كـورة لميسيَ خطيـرة ميسي ميسي سيسجل سيسجل. مش ممكن مش ممكن. مش ممكن يا ولد. مش ممكن يا امبراطور اشهـد له يا بيليه. اكد له يا مرادونـا. تحـدث عنه يـا
كرويف. اجبره على الاعتراف يا بلاتيني. قل الحقيقة يا زيرو.
أليس هو الأفضل. أليس هـو الأروع. أليس هـو الأبرع. أليس هـو رجل التاريخ"؟
ويتابع عشقه ومديحه للاعب الأرجنتيني ونجم "برشلونة" الإسباني ليونيل ميسي:
هذا هو ميسي، كلمهم عنك يا ليو ، قول : أنا الذي نظر العاشق لقدمي، وأطربت مراوغاتي من به عقد، ووصلت أهدافي لمن يعشق الطرب، أنا ميسي كبيرهم على صغري، أنا ليو عارض المتعة في عالم القدم".
ويتذكر محبو عصام الشوالي أيام كان يعمل في قناة art الرياضية، كيف ودّع اللاعب الفرنسي من أصول جزائرية زين الدين زيدان الذي يدرّب حالياً ريال مدريد:
"كم أنت كبير يا ابن الصحراء يا زين الدين زيدان
صفقت أمـس واليـوم نحنا لك مصفقون
وحروفي إليـك الآن يـنحنون
وكلماتي إليـك أصـبحوا يقفزون
وجملي علي ها هم يبكون
فماذا فعلت أيـها الزيداني بهذا الزمان
الذي أصـبح اسـمه زمن حزن زيدان
إن كان قلبي يفتح بكلمة مرور
فقولوا له زيدان ستجدوه ينفلق كما تنفلق الصـخور .
هو فاعلٌ والكـرة مفـعولٌ بـه
والأحزان فاعلٌ وأنا مفعولٌ بـه
فآآآآخ على هذا الزمان
حرمني من ذاك الفنان
وجعلني أغوص بين أمواج الأحزان
واسـتمر الزمان له مني بالحرمان
واسـتمر قلبي يجمع الأحزان
لأحمل حزنا في قلبي يفتت الصـخور
واصـبح الحزن هو الجار وأنا المجرور
وفي مباراة جمعت بين "برشلونة" و"مانشستر يونايتد" راح الشوالي يعلق مغنياً:
ستفتش عنها يا ولدي في كل مكان ستسأل عنها المرمى وكل الأركان
ستقر بأن كورة (ميسي) الفنان بصمة على جبين كل برشلوني عاشق في هذا الزمان.
الشوّالي أضحى ظاهرة تخطت الآفاق العربية. فقد كتب عنه أستاذ الاقتصاد بجامعة نيويورك دانيل آلتمان، وقال إنه المعلق الأفضل، ذلك الشاب الأصلع بنظاراته الطبية، وسحنته التي تشبه طالب المحاسبة المتخرج حديثًاً، حيث يلهب الشوالي الجماهير بتعليقه الرائع على كل حركة في المباراة، ويخرج بسلاسة من رتمها البطيء، عن طريق قص حكايات من الثقافة الشعبية لأطراف اللعبة، ويغرف بيسر من الموسوعة الرياضية التي تتخمر في ذهنه حول ماضي اللاعبين وحاضرهم، وعندما تزداد الحماسة وتشتعل المدرجات، يقارن الشوالي الهولندي كلارنس سيدورف بعظماء المنتخب الهولندي السابقين مثل ماركو فان باستن وفرانك ريكارد ويوهان كرويف، أو يبدأ بنظم الأشعار حول هدف الكولومبي راداميل فالكاو، حيث يصف دقة تصويبة الهدف بقافية شعرية متقنة تضم تايجر وودز وروبن هود.
الكلمات، كما يقول آلتمان في المقال الذي ترجمه موقع "نون بوست"، هي الجزء الأكثر أهمية، فكل ما يقوله الشوالي أو غيره من المعلقين العرب، هو جزء من التصعيد الكلامي الكبير الذي يحدث بمجرد اقتراب الفريق من منطقة جزاء الفريق الخصم، ويبلغ هذا التصعيد ذروته المحمومة - ذروة الصوت أو ذروة التعبير - بتسجيل أي لاعب هدفًا في مرمى الفريق الخصم، وهذا التصعيد الحماسي هو بالضبط ما يتوقعه المشاهدون للمباريات، حيث يطفق المعلق العربي بتركيب كلام إنشائي متقن، وجمل متراكبة، يرميها رشًا بدون توقف إثر تسجيل الهدف - على النقيض تمامًا من التعليق المتحفظ للمعلقين الإنجليزيين- وهذا الرشق الكلامي العربي المستمر علّق عليه أحد المواقع بلهجة متهكمة بقوله: إن المذيع العربي يمكن أن يتم قتله إذا توقف عن الكلام لبضع ثوان على الهواء مباشرة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى