صلاح البشير - Sugar Daddy

تهادت شمس الجمعة إلى مضجعِها حين أخذ طريقه إلى مرآب السيارات المخصص للعاملين بالجامعة. كان ذلك بعد انتهاء المحاضرة التي ألقاها على طلابه فِي الجامعة الولائية حيث يعمل أستاذاً غير متفرغٍ يُدرس الإحصاء وقوانينها. فِي تلك البلاد البعيدة التي ساقته إليها الأقدار .. هناك فِي الولايات المتحدة الأمريكية لمْ يكن يوماً يتصور أنْ ينتهي به الحال فِي بلادٍ لملمت إليها نفسها فِي وقتٍ وجيزٍ مِنْ أعمار الشعوب لتصبح الدولة الأعظم شأناً فِي العالم كُله. كان يشعر كأنَّه يمشي حافياً إلى حيث لا ملة له ولا لسان ليواجه هجير المنافي عارياً بلا نسب. ومع ذلك كان يُحب هذه البلاد بغرابتها وسخائها، وتزاحم صفاتها ونشواتها، وتباين نكهاتها وسحناتها. لكن هجير المنافي كان قاسياً يتبعه كظله فِي حِله وترحاله وخضرائه وغبرائه كأنَّه يتحرق شوقاً ليتلبسه تلبس الجِنْ للإنس. توكأ على عصا الترحال هارباً مِنْ واقعٍ أليمٍ كان يتذوق ألمه غصصاً إلى واقعٍ أليمٍ لمْ يستطعه ولمْ يقدر عليه. كان هروبه مُرعباً ولمْ يكن حبه للبلاد الجديدة مقدساً.
.. تجاوز الطريق المحاط بالأشجار إلى مرآب السيارات، كانت أوراق الأشجار قد بدأت فِي التساقط، إيذاناً بإطلالة الشتاء القاسية والتي تبدأ عادة بتعرية النباتات مِنْ غطائها الورقي الجميل. كان يمشي على مهلٍ كأنَّه لا يدري غايته أو كأنَّه لا يريد أنْ يصل غايته. نظر مِنْ خلال الأشجار اليابسة التي تساقطت أوراقها كًلية، ما زال الجمال يسيطر على كل شيء .. حتى فِي الشتاء القارس .. حين تفقد الأرض خضرتها .. يرتسم إبداع جديد وجمال نضيد .. لا توجد برك ضحلة المياه فِي هذه البلاد، ولا نوافذ متهالكة تطل مِنها عيون أرهقتها وطأة الحياة ونزقها. كان عقله رواح بين سنوات الخصب الخوالي وصداقات التسوِّل الحداثي، كان يُحن إلى ماضيه ويتحسس مستقبله. وراودته الأحلام عنْ نفسها، وتسيَّد الحُلم الأمريكي الصورة بأكملها، وتسربت أخريات كثيرة إلى مكانٍ بعيدٍ علَّها تجد مَنْ تُغريه.
..كان يعجب مِنْ نفسه كثيراً وقد تنازعتها خلجاتها بين الرضا واللا رضا، وما أكثر ما يستحيل هذا العجب بحالها فيشفق عليها أشد الإشفاق. كان حين يشتد به الحنين إلى الوطن أو تأسره رائحة التراب لا يُعنى باللحظة فقط ولا بتأملها وتمثلها، إنَّما تُكر مسبحة الذكريات فيسعى إلى تأويلها وتفسيرها جميعاً، ليشتم نسائم المطر الدعاش ويتلمس طين الجروف فيميل معهما إلى حيث يميلان، فإذا وصل إلى منتهى هذه اللحظة الصوفية رضى واطمأن قلبه وأذعن للقضاء، وشغله هذا الرضا والاطمئنان عنْ التماس المخرج مما يلم به مِنْ خطوب المنافي أو يعرض له مِنْ أزماتها. لمْ يبرأ مِنْ هذا المرض الصوفي منذ حطت أقدامه بلاد العم سام، وإنْ جد فِي البحث عنْ علله وأدواءه وهو يحاول أنْ يجري عليها الحلول دون جدوى.
تخطى الطريق المحاط بالأشجار التي تساقطت أوراقها إلى باب المرآب، أخذ طريقه إلى الطابق الثاني حيث تقف سيارته الألمانية الصُنع مِنْ نوع BMW ذات المستوى السابع، وهو مهووس بالسيارات الألمانية، وقد لاحظ منذ قدومه أنَّ الأمريكيين أنفسهم قد انقسموا إلى قسمين، قسم مثله يعشق السيارات الألمانية لجودتها وفخامتها، وجزء يمثل الأغلبية يعشق السيارات اليابانية الاقتصادية العملية، وقد فقدوا الكثير مِنْ حبهم للسيارات الأمريكية الصنع إلا مِنْ أبى، كما فقدوا الكثير مِنْ عنجهيتهم بعد أنْ أدركوا أنَّ هنالك عوالم أخرى تسكن ما وراء البحار. أخرج مفتاح التحكم مِنْ على البُعد، أراد أنْ يفتح باب السيارة قبل أنْ يصلها، لكنه رأى خيالاً لشخصٍ ما يقف بجوار سيارته كأنَّه يتأملها. لمْ يدعس على زر فتح الأبواب، تساءل عنْ سر هذا الوقوف الخطر فِي مثل هذه الساعة، واضطرب قليلاً، لكنه واصل إلى سيارته بخطوات واثقة مشربة بسخونة الدم السوداني.
.. "آه .. إنَّها كاثرين .. ما الذي جاء بها إلى مرآب السيارات؟ .. ولِمَ تقف أمام سيارتي؟" .. هكذا تساءل بعد أنْ تبين الخيال الذي يقف بجانب سيارته الفارهة وهو على بُعيد أمتارٍ قليلةٍ مِنْها. سرح بخياله وقد أصابه اضطرابٌ قليل .. كاثرين .. التلميذة الشقية .. التي دائماً ما تعرض عنْ كونها تلميذة .. أو طالبة إنْ شئت .. وترضى فقط أنْ تكون امرأة كاملة النضج .. كانت تتلقى الحياة مصبحة بما تحتاج إليها .. وتتلقاها ممسية بما تحتاج إليها .. تحب الحياة أشد الحب .. وتمنحها كل عشقها وبِرها .. وكانت عظيمة الجمال .. شقراء الشعر .. ملفوفة القوام .. شحيحة الخِصر .. كانت نادرة مِنْ نوادر الحياة وبيئتها .. وكانت عِلتها الوحيدة .. بُغضها للعِلمِ عامة .. وكراهيتها المطلقة لعِلم الإحصاء وقوانينه .. لكنها كانت وفية كل الوفاء لمحاضراتها .. وكانت تنتظم فِي حضورها .. تأتي إليها غاية فِي الأناقة .. بلْ مفرطة فِي الأناقة كل الإفراط إنْ شئت ..
.. وصل إلى سيارته، رآها عنْ قرب، كعادتها غاية فِي الجمال والإغراء، أنثى كاملة الدسم .. تجاوز هذه الملاحظات السريعة، وابتدرها مرحباً ومستفسراً:
  • مرحباً .. ما الذي أتى بك هنا فِي مثل هذه الساعة؟
أجابته فِي دلال وهي تزين الرد على تحيته بنظراتٍ نافذات:
  • .. مرحباً .. كنت فِي انتظارك .. لقد تأخرت عليَّ كثيراً ..
ارتبك قليلاً وتلفت حوله، ثم لملم إليه نفسه وقال:
  • ما كان يجب أنْ تأتي إلى هنا .. تدركين أنَّ هذا المكان مخصصٌ فقط للعاملين بالجامعة .. ولا يوجد سببٌ واحدٌ يجعلك تنتظرينني هنا .. كان يجب أنْ ترسلي لي رسالة عبر البريد الإليكتروني .. أو رسالة صوتية على وصلتي الهاتفية .. وتحددي موعداً خلال الساعات المحددة لوجودي بمكتبي الجامعي .. كما كان واجباً أنْ أعلم مسبقاً بسبب المقابلة .. أنت طالبة تعرف جيداً أصول التعامل بين المدرس وتلاميذه ..
ضحكت بصوتٍ عالٍ وقد أحست باضطرابه، كانت ضحكاتها لا تمت لكاثرين الطالبة الجامعية بصلة، كانت تُعلن عنْ الأنثى بداخلها، أنثى جائعة .. تبحث عنْ صيدٍ سمين، قالت فِي دلالٍ حاسم:
  • ليس هناك داعٍ لمثل هذا الكلام الذي أعرفه جيداً وأحفظه عنْ ظهر قلب .. أنا هنا ليس بصفتي تلميذتك .. أنا هنا بصفتي الإنسانية .. أريدك لأمرٍ شخصي لا علاقة له بعلل الإحصاء وأدواءها ..
صمتت قليلاً وقد عجز عنْ مجاراتها، لا يزال يلتفت يمنة ويسرة آملاً ألا يراهما أحد فِي هذا المكان. حاول أنْ ينطق لكنها استطردت قائلة:
  • سأقدم لك عرضاً أتمنى أنْ يعجبك .. فإنْ لمْ يعجبك فهذا شأنك .. واعتبر الأمر منتهياً ..
قال دهشاً:
  • هنا! .. فِي مرآب السيارات! .. أيعقل هذا؟
رسمت على شفتيها ابتسامة داعية، وقالت:
  • لا .. ولكنك ستدعوني إلى مطعمٍ فِي نهاية البلدة .. سأصفه لك .. أريد أنْ نتناول العشاء سوياً .. ربما لنْ يحدث ذلك مرة أخرى ..
فغر فاه وقد كبلته الدهشة .. وأسرته جرأتها .. حتى إنَّه لمْ يستطعْ أنْ يرد عليها، بلْ لمْ يقدرْ أنْ يمنعها الصعود إلى سيارته والجلوس على المقعد بجانب مقعده. ركب بسرعة وأدار سيارته هارباً بها مِنْ مرآب الجامعة .. وهي تتوسع فِي ابتسامتها حتى علت ضحكاتها الغنجة مرة أخرى. انطلقت السيارة حيث أشارت وهو لا يدري كيف طاوعها كل هذا الطوع وكيف انصاع لأمرها كل هذا الانصياع. وعصفت به الأفكار كل الطريق .. ماذا تُريد هذه الفتاة؟ .. هي فِي عُمر الزهور .. أمامها الحياة تستقبلها فاتحة ذراعيها بلا حدود .. لا تعاني ما يعانيه أهل المنافي .. فماذا تريد؟ .. لمْ يصل إلى شيء .. أي شيء يمكنه مِنْ معرفة أين تقف قدماه .. وصلا إلى المطعم المنشود .. يبدو جميلاً وهادئاً .. تهادت سيارته الزرقاء الفارهة إلى الموقف المخصص للزبائن المهمين كما طلبت منه .. وأخيراً دلفا إلى داخل المطعم .. همست إلى النادل ببضع كلمات .. فتقدمهما إلى طاولةٍ قصية كانت قد حجزتها قبل حضورهما .. كأنَّها كانت تدرك بأنَّه لنْ يمانع مطلقا الحضور معها.
جلسا فِي المكان المخصص لهما، أضواء خافتة وموسيقى حالمة. أحس ببراعتها وتزيُّدِها فِي البراعة، وبعدها عنْ قسوة المنطق ما وسعها البُعد. بدت له تحت الأضواء الخافتة والألحان التي تؤسر المشاعر بأنَّها فِي قمة أنوثتها وأنَّها قد انسلخت مِنْ شرنقة التلمذة إلى الأبد. كان يترنح كالسكير الذي لا يدري بعار الخمر ثم يلملم نفسه كالمفيق دون أنْ يدري بسلطانها. كان يصارع نفسه ليمنعها مِنْ خطأ قد تضطر إليه لأنَّه لا يأمن عليها مِنْ عواقب الشهوات. افترت عنْ شفتيها ابتسامة تشرق عنْ مِثل اللؤلؤ، وفِيْ عينيها نظرة مشتهية تترقرق ولا تكاد تنهلُّ. كانت الشهوة تسري فيهما كما تسري النار الخفية الضئيلة فِي المقادير الضخمة الهائلة مِنْ الهشيم. وكان الشيطان وقحاً لا يعرف الحياء، ملحاً بما يثقل عليهما مِنْ الوسوسة، ويلتمس لذلك حيلاً لا تُحصى ليغريهما بالإثم.
.. لكنه أفاق ولملم إليه نفسه وعصمها مِنْ نزغات الشيطان، وبسمل وحوقل واستعاذ بالله مِنْه، وثار عليه وفار، وتجرأ عليه وكسره، وأقسم ألا يكون بينهما سببٌ أبداً. سألها بعد أنْ استعاد ذاته:
  • والآن .. ماذا هناك؟
أجابته وقد أحست أنَّه أفلت مِنْ أنوثتها:
  • ألا نسعد بالطعام أولاً ..
امتعض مِنْ تسويفها وقال فِي حزم:
  • لا بأس .. يمكننا أنْ نتحدث ونحن نتناول هذا العشاء القسري .. لِمْ كل هذا؟ .. وما هو الأمر المهم الذي جعلك تنتظرينني بالقرب مِنْ سيارتي؟ .. وعنْ أي عرضٍ تتحدثين؟ ..
حاولت أنْ تهدأ مِنْ أثر سيل أسئلته الجارف بالسيطرة على نفسها .. تعلم أنَّها يجب أنْ تفكر ألف مرة وأنْ تقطع مرة واحدة .. هذا الرجل أستاذها بالجامعة .. لكنه ليس هنا بهذه الصفة .. هي حرب خفية بينهما .. لكنها لا ترغب فِي الخسارة ولا تحتملها .. فالخسارة تعني فقدان كل شيء. قالت تحاوره وتحاول استعادة السيطرة عليه:
  • .. أراقبك منذ فترة .. تحديداً منذ فترة الربيع السابقة .. وبداية فترة الخريف الحالية .. قرابة العام أو أقل قليلاً .. علمت عنْك كل شيء .. وعرفت لماذا رفضت طلب الجامعة بالعمل فِي وظيفة برفيسور دائم .. رغم حبك الشديد للعلم .. لكنك لا تريد أنْ يقيدك شيء .. أي شيء .. وعلمت أيضاً أنَّ لك عملاً استشارياً خاصاً تجني مِنْه أموالاً طائلة .. وأكثر مِنْ ذلك كثيراً .. فأنت غير متزوج .. وتعيش فِي منزلك الجميل بمفردك .. وأنَّك اشتريت هذا البيت نقداً .. وأنَّه فِي أفضل أحياء المدينة وأرقاها .. وأنَّك تحب الحياة وتحب الاستمتاع بها .. وأنَّك فِي الخامسة والأربعين مِنْ العمر ..
صمتت قليلاً، والنادل يضع أمامهما قائمة الطعام، وهي تنظر إليه نظرة عميقة، كأنَّها تريد أنْ تتأكد مِنْ أثر وقع حديثها عليه. اختارت طبقاً مِنْ اللحم وسألت النادل أنْ يطبخه جيداً، لمْ تتركه يختار بل اختارت له طبقاً مِنْ سمك البُلطي المقلي الذي يحبه، إمعاناً فِي السيطرة عليه، لمْ يعترض لكنه لمْ يبد دهشة لِمَا سمعه ولمْ يقاطعها. استطردت قائلة بعد أنْ دفعت بجسدها قليلاً إلى الأمام:
  • أمران شغلا حيزاً كبيراً مِنْ تفكيري قبل أنْ أتخذ قراري .. كونك بلا امرأة وأنت فِي هذا العُمر .. وأنَّك فِي الخامسة والأربعين .. رجل بلا امرأة وبدون علاقات نسائية حتى مع المومسات يبدو أمراً غريباً فِي بلادي .. وكونك فِي هذه السن يمنعني مِنْ الارتباط المباشر بك .. لأنَّه أمر غير مقبول فِي ثقافتنا الأمريكية .. فأنا فِي العشرين وأنت أكبر حتى مِنْ أبي .. لكنك تعجبني .. أكاد أحبك ..
توقفت مرة أخرى والنادل يضع الطعام أمامهما، طلبت لهما كوبين مِنْ عصير التفاح، وأكملت بعد أنْ تركهما النادل يعبثان بأمرهما:
  • أنْ يعيش رجلٌ بلا امرأة فهذا يعني لي – ولغيري فِي أمريكا – أحد أمرين إما أنه يعاني مرضاً ما أو أنَّه مِثْلِي .. وخفت على نفسي أنْ تكون أياً مِنهما .. وتتبعتك وسألت عنك إلى أنْ علمت أنَّك تدين بالإسلام .. وأنَّ المسلمين لا يتعاطون النساء إلا مِنْ خلال الزواج .. وعلمت أنَّك تتردد إلى كنيستكم التي تسمونها مسجداً .. وأنَّك رجل متدين بعض الشيء فارتحت لِمَا توصلت إليه .. أما كونك فِي الخامسة والأربعين فهذا هو العرض الذي سأقدمه لك ..
صمتت قليلاً وبدأت تتناول طعامها، وكان قد سبقها إلى تناول طعامه. كانت تنظر إليه نظرات حملتها كل معاني الأنثى، لكنه كان قد ملك نفسه وأدرك أنَّ وراء الأكمة ما وراءها، لمْ ينبس ببنت شفة، ولمْ تظهر خلجاته ما يبطن. أكملت حديثها وهي تتناول قارورة المياه وتصب فِي كوبها بضع جرعات:
  • إنَّ لِيْ صديقاً أعيش معه فِي بيتٍ واحدٍ كزوجين حميمين .. ولا ندري إنْ كنَّا سنتزوج فِي آخر المطاف أم لا .. وهو يشبعني كامرأة وأشبع رجولته .. لكنه لا يملك المال .. ويعمل عملاً مضنياً طيلة الأسبوع .. ولا نلقى مِنْ عمله ولا عملي إلا الكفاف .. لذا فإنَّي أقدم لك هذا العرض .. خاصة وأنَّك تعجبني غاية الإعجاب .. ولولا كبر سنك وصغر سني لأحببتك وتركته وعشت معك إلى أنْ أموت ..
صمتت مرة ثالثة .. وأكملت تناول طعامها، لمْ يقاطعها مطلقاً، شربت كوب العصير، ثم استطردت:
  • أريدك أنْ تكون My Sugar Daddy .. سأشبع رجولتك .. وسأسقيك مِنْ رحيق شبابي .. لنْ يهمني كثيراً أنْ تشبع أنوثتي أو لا .. فمايكل يقوم بهذه الوظيفة بإتقانٍ بديعٍ .. لكن ما يهمني أنْ تشبع حاجتي إلى المال .. انظر إليَّ .. ألا ترى أنني أجمل الطالبات بالجامعة .. أحب أنْ ألبس أجمل الثياب .. وأقود عربة كالتي تقودها .. وأنْ يكون لدي حساب صغير فِي مصرف المدينة .. وأنت تستطيع أنْ تحقق لي ذلك .. وأنا أستطيع أنْ أسد حاجتك إلى أنثى مِنْ نار .. وشرطي الوحيد ألا يعلم أحد فِي الجامعة ولا صديقي مايكل بذلك .. ما رأيك؟
صمتت تنتطر مِنْه جواباً، أنهى تناوله للطعام، تناول كوب عصير التفاح الذي يحبه، كانت قد دبرت كل شيء .. تعرف ماذا يحب؟ .. ماذا يريد؟ وماذا يحتاج؟ .. تناول أحد المناديل الورقية ومسح على شفتيه، وقال مستفسراً فِي هدوءٍ مستفز:
  • تريدين أنْ تصبحي "دلوعة البابا"، أليس كذلك؟ .. وتريدينني ذلك العجوز الذي يمتص رحيقك ما أردت له ذلك؟ .. ثم يدخل يده فِي جيبه ليسدد ثمن الغموس القذر .. لا يا بُنيتي .. أنا مِنْ نفر عمروا هذه الدنيا بفضائل أخلاقهم .. وكانت المرأة عندهم ولا تزال ملكة لا جارية .. لو كنت مِنْ أولئك الذين يشبعون نزواتهم كيفما اتفق لما سمعت عني ما سمعت .. ولو كنت مِمَنْ يهينون أجسادهم لسمعت أخباري عند كل مومسات الأرض ومواخيرها .. لكننى رجل أعرف أنَّ للجسد حرمة .. لا أبيعه ولا أشتريه ..
نهض واقفاً ونادى على النادل .. دفع فاتورة العشاء كاملة .. ثم ترك لها بعض النقود وتركها تحاول جاهدة إخفاء دموعها .. كان يعلم أنْ كلماته لنْ تغير ما نشأت عليه .. بلْ كان على يقين أنَّ هذه الدموع ستجف سريعاً .. وأنَّها ستسعى حثيثاً لتبيع لحمها مجدداً لعجوزٍ آخر .. كان يعلم أنَّه كمن يبيع الحزن فِي أسواق النائحين.

ميريلاند – الولايات المتحدة الأمريكية (أغسطس 2011م).
  • Like
التفاعلات: نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى