محمد حساين - المرضى بالطاعون.. قصة قصيرة

حين اجتاح الغابة وباء الطاعون، وأصاب، دون تمييز، اللاحمين من الوحوش والعاشبين، كان للأسد، ملك الغابان آنذاك، تفسير لما وقع وكانت لديه وصفة تبعد المرض الملعون.
كان هذا في كتاب "القراءة العربية لقسم الشهادة بالمدارس الابتدائية" أيام كان قسم الشهادة يُمَكِّن من المناصب ومن موطور رجل الدرك ومما يعوِّل عليه آباؤنا مما لا تعلمون.
كنا تلاميذ في "مدرسة ايفران القرية" كما تسميها الإدارة، وكانت السنة المدرسية في فصل المراجعة والشورط والأناشيد.
كنا، بفتح العين، نعَدُّ لحفل رأس السنة الذي يقدم في "لاصال ديفّيت" بالفيلاج والذي تنافس فيه "السكويلا دتمدّقين" "ليكول دموسيو شيفنير".
قرأنا وأعدنا وقرأنا وأعدنا واستظهرنا نص تمثيلية "الحيوانات المريضة بالطاعون".ودخلنا مرحلة الاشتغال على العرض وانخرطت في الإنتاج موارد بشرية وكفاءات من داخل وخارج المؤسسة.
صنع الحسين البحباح وعبد القادر موبلي الأقنعة والأذناب من ورق وجلود، ورسم موراكيني معلم الفرنسية وزوجته الغابة الديكور على لوحة عملاقة من قماش كان خيمة في الأصل.
البحباح كان برادعي المنطقة وموبلي كان إسكافيا بدرجة خرّاز أما الكورسيكي موراكيني فهو معلم الفرنسية الشهير وصاحب سيارة الكاتشوڤو الأصغر حجما من زوجته الأكبر حجما.

"نحن اجتمعنا هاهنا
حتى نرى في أمرنا
حل بنا الطاعون
المرض الملعون
بعداً له من داء
مستصعب الشفاء
..."

استظهرنا المحفوظة أفرادا ورددناها مرارا كفرقة كورال وكان يوم الكاستينڭ يوم كاستينڭ.
امام السبورة، امامنا، المدير والمعلمون والمعلمة .
قال المدير الذي لا تناقش اختياراته مشيرا للفزواني
- لكبير الفزواني انت هو السبع
انتفخت أوداج الولد وكاد يُسمعنا زئير هِزَبْرٍ.
- من يلعب دور الدبِّ؟، سأل المعلم
استدار الكل ناحيتي كأنما طلب المعلم منهم الاستدارة جهتي.
طبعاً، كنت السمين في المجموعة، أنا الطبوز وأنا الطعبوز وأنا الدبّوز وأنا الدنفيل كما كان ينبز عبد السلام بوقاش غفر الله له وأنا ذو الأشداق التي تقصي المنازعين.
كانت لدي مؤهلات لأمثل الأسد، فأنا صاحب الصوت الحجري وانا المتمكن من الحوار وأنا التلميذ المتميز بحفظه جميع الأدوار، لكنني كنت دبّا.
كانت متوفرة فيَّ شروط لعب دور الحمار انا الذي يعرف المعلم تعاطفي مع الحمير وحبي للحمير، وهو يذكر أنه سبق ان نبهني حين كتبت، في فرض إنشاء، "اخي الصغير جميل كـدَحْشٍ" أن الصواب هو "أخي الصغير جميل كجحش" وأني كمجتهد استبدلت العبارة بـ "جحش جميل كأخي الصغير".
- حميد صالح انت الدب،
- الضبع.... الثعلب...النمر...
وزعت الأدوار المفترسة الأخرى اعتمادا على ما كنا نفهمه وما كان فهمنا أصغر منه.
- دور الحمار؟
لم توجه النظرات لأحد،
- شخصية الحماااار؟
خوفا واحتراما وتأدبا، لم يجسر أحدنا أن يرفع عينيه في اتجاه المدير الذي، كان يرفع يديه، كمُكبِّرٍ تكبيرة إحرام، ليطرد، ذبابا يصر على الرسو فوق أذنه، ولم يجسر أحدنا أن يرفع عينيه في اتجاه أحد المعلمين إذ كنا نحن، هم "الحمير"، في دارجة هؤلاء.
"لحمار بلحمار" كانت توزع علينا بسخاء وكان عاديا ان تلصق في رأس مرتكب جرائم نحوية مثلا أذنا هذا الحيوان ويطاف به مهانا بين أقسام، في مدرستنا، كانت فيها فتيات.
- دور الحمار؟
- بقي دور الحمااااار
رفعت شريفة ابنة ضابط قشلة "مخزن موبيل" اصبعها معلنة رغبتها في لعب دور الحمار.
أعطاها المدير دور الحمار وبارك لنا وغادر.
تمرّنا ذلك اليوم جميعا على الإلقاء ونحن قعود وعلى الإلقاء ونحن وقوف وانصرفنا السبت على أن نلبس الاثنين الأقنعة ونتدرب، في قاعة لاكانتين، على تمثيل ما اقتبسه أحمد شوقي عن لافونتين.
شريفة، كانت أجمل جميلة طفلة فتاة في قارة ايفران، كانت منشطة احلامنا الكبيرة نحن الفحول الصغار، كانت كحلوى متواجدة في مشتهياتنا ومقارناتنا وفي ما نقرأ من قصص زواج الأميرات بالفقراء وكانت حاضرة معنا، او على الأقل معي أنا، في الخلوات السرية المتعوّد عليها والتي، رغم سريتها، يعرفها الكل.
---
المشهد ما قبل الأخير من مسرحية "الحيوانات المرضى بالطاعون" فيه سحب للحمار،
معناه سنسحب شريفه
سيسحبها الدب أولا والنمر والذئب والضبع
سنسحب الحمار من رجله أو ذراعه وربما... ربما سيلمس الدب صدر الحمار حيث ما يشبه غلاقة ابريق الشاي الصغير
سعد الدب كثيرا وتمنى ذلك وتصوره وتفاعُلاً مع التصور، تحركت يده على اللايف وشدت أصابعه التي تحت الغطاء اصبعا كان كذلك تحت غطاء.


------------
أيام طاعون كرونا
مارس 2020


L’image contient peut-être : texte
Aucune description de photo disponible.
Aucune description de photo disponible.
Aucune description de photo disponible.
L’image contient peut-être : texte


2

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى