هدى بوحمام - أيهما أسوأ.. فقر الجيوب أم فقر القلوب؟..

يحدث الكثير في الأحياء الشعبية، فما بالك بحي في ضاحية شعبية من ضواحي أحد العواصم الأفريقية التي تفتقر الفواصل والأسقف. بقعة من التراب تحوي القليل من البيوت النصف مبنية والكثير من السُكان. الدكاكين فيها شاحبة الألوان، متعبة الدخل، وكثيرة اللغو. البيوت فيها عارية تُناشد بالستر، والجدران متبرجة تبرّج الجاهلية تحمل عليها عبارات أمل من أجل غد أفضل، والأبواب مفتوحة للرياح والأنظار؛ تكشف الغسيل المنشور في البهو وصدر أمّ مرضعة منهك يظهر من شق الستار المتلاشي أنه يُغدّي ولا يتغدى.

شوارع الحي غير مفهومة، تارة تأخذك إلى اليمين وتارة أخرى إلى اليسار، كعابر سبيلٍ دون هدف الوصول. تملأ الشوارع سيارات كهلة وكأنها من عهد قديمٍ، أبوابها ليست إخوة ونوافذها تسعل من شدة الغبار الذي يكسوها. تغزو الطريق الأزبال وتطفو على برك المياه الراكدة بقايا طعام وتحوم من فوقها جماعةُ حمام. تمشي على الطرف ماعز هزيلة البنية وتنام بجانب العجلات كلابٌ متشردة. يوجد في الحي انسجام غريب مع الفوضى والازدحام. تطلّ عليه الشمس بين الحين والآخر، تخادع غيوم التلوث ويظهر منها القليل من الشعاع المربوء. كل شيء في ذلك الحي يهتف فقراً وحاجة ما عدا الوجوه.

تغمر وجوه الناس الابتسامة والألفة وبساطة الملامح. يضحكون دون جهد ويتمازحون فيما بينهم بصدق، نادرًا ما رأيتهم منفردين، وكأن الكل في الحي اجتمع ليرسم لوحة متناغمة لأصدقاء شيّاب يتحدثون عن ذكريات السنين الجميلة ويقهقهون على أيام الشباب. لا يحملون الكثير من الهواتف الذكية ولا يمشون مسرعين مثلنا. يتسامرون تحت ضل الشجر والقمر ويستمتعون بالعالم الخارجي طوال اليوم. تفوح منهم رائحة الجيران. كانت طمأنينتهم تطغى على الجو وتنتشر كالعدوى. عُديت منهم فاطمئن قلبي وغدوت أتأمل فيما يملكون ولا نملك.

اخترقت ثيابهم البالية وأبواب بيوتهم الفقيرة إلى ثراء أرواحهم وهدوء أنفسهم ووسع خاطرهم. غرقت إلى القعر واستحليت بقبقة أنفاسي في بحر المحبّة. يُعانقون بشدّة ويُصافحون بعضهم البعض بلا كلفة. ينظرون في أعين بعضهم البعض عند الكلام ويصغون بكامل حواسهم ويتحدثون بأيديهم ويلوحون حماسًا في عز المحادثة. تتسرّب من حولهم حرارة الحميميّة مثل حرارة جوفٍ في صباحٍ ينايري نيويوركيّ. الكلّ يتكلّم في آن واحد ولا مكان للوحدة بينهم. يعيشون المهرجان كلّ يوم…تُرى هل منهم من وحيد؟ هل هنالك مجال لأحاسيس الغُربة والعزلة والانطواء مثل ما عندنا؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى