أمل الكردفاني - من أجل الآخر

كل حياتنا الإنسانية من أجل الآخر؛ أليست هذه حقيفة مذهلة، وأقول "الإنسانية"، لتمييزها عن الحيوانية، إذ ما وراء الغرائز، يقبع الإنسان. وهناك في ذلك الفضاء المتسع يعمل الإنسان كل ما يعمله من أجل الآخر، ولكن من أجل الآخر لماذا؟ لكي يعترف به الآخر، وليجد معناه وقيمته التي لا يجدها أبداً لو كان يحوم وحده كآدم في الفردوس.
اللص، يسرق من أجل الآخر، من أجل أن يجد إعترافاً عند الآخر، يسرق لكي يغتني، ويغتني أي يمتلك مظاهر الغنى (السيارة، القصور، الملابس الفاخرة)؛ وكل هذه الأشياء لا قيمة لها لو اختفى الآخر. أبطال الأوليمبياد؛ لا يبحثون عن الميداليات بل عن الآخر، أي إقرار الآخر؛ بتفوقهم وقوتهم. السياسيون، هم غالبا ما يكونون انتهازيين؛ انتهازيتهم هذي من أجل الآخر، من أجل الشعور بالتفوق، بالعظمة، بالسيطرة، ولا شيء من ذلك يحدث بدون الآخر، ولا أحد سيملك دافعاً للرسم أو النحت، أو الجري بسرعات فائقة، أو الاختراع، أو الحرب، إن لم يكن الآخر نصب عينيه.
قلة من البشر قليلة جداً، تنكر أهمية الآخر فتعتزل أو تترهبن، إذ تدرك أن كل أنشطة الفرد ليست من أجله هو، بل من أجل الآخر، إذ لا قيمة للفرد بدون الآخر، وبما أن الآخر نفسه لا قيمة له فإن البعض يكتشفون صفرية محصلة العناء الإنساني.
إنني لم أطرح الآخر هنا من زاوية العلاقات الإيجابية، العاطفية، ولا التراحمية، بل من زاوية شديدة الحدة والعنف.
عندما يكون هناك فرد، نشط، ومتحرك، فتأكد أنه يضع الآخر دائماً في الاعتبار. وعندما أقول بأن أفعال الإنسان هي من أجل الآخر، فأعني بذلك أنه حتى لو كانت الغاية النهائية هي إشباع الأنانية، فلا يمكن أن يتم هذا الإشباع إلا بتقديم شيء ما للآخر (إيجابي أو سلبي)، أي تقديم مشهد ما للآخر، ثم انتظار رد فعل الآخر لتحدث الغاية المرجوة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى