أمل الكردفاني- أكذوبة الخفاش الصيني

وفقاً للحرب النفسية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الصين منذ إصدار ترامب قراره بفرض رسوم جمركية على الواردات الصينية إلى أمريكا، وبالتالي تسبب هذا القرار في انتكاسة خطيرة على حرية التجارة الدولية أي انتكاسة في احد أهم وجوه العولمة وفقدان منظمة التجارة العالمية رصيدها التاريخي منذ نشأتها كامتداد للجات.
ما فعلته امريكا كان يعني "إعلان حرب"..ولكنها حرب باردة جديدة. بل وعكسية تماماً، فهي انقلاب ضد المبادئ الليبرالية، حيث الصين (تدافع) عن حرية التجارة، وأمريكا (تحمي) قطاعاتها الاقتصادية.
لم تلجأ أمريكا لاتفاقيات دولية كانت كفيلة بتحقيق حماية جزئية لها مثل اتفاقية منع الإغراق..لكن أمريكا قررت خوض الحرب.
ولكن أعلاه ليس موضوعنا الرئيسي، فموضوعنا الرئيسي، هو الخفاش الصيني، كطبق طعام. مثله مثل الأطعمة التي تتمتع بها كل ثقافة لها خصوصيتها الطعامية، فنحن نأكل كرشة الخروف وهي نيئة، والمصريون يأكلون المش والدود يسبح في سطحه، وشعوب أخرى تأكل الفسيخ والتركين وكل ما هو عفن الرائحة.
ومع ذلك تستمر الحرب عندما يتم تصوير أكل الصينيين لكل الحيوات كشيء استثنائي وشاذ.
والحقيقة ليست فقط أن أغلب شعوب شرق آسيا تفعل ذلك أيضاً، بل فوق هذا أن هذا ما كان الإنسان يفعله قبل ظهور الحضارات ثم الانقسام إلى ثقافات خاصة، فالحيوانات كلها جزء من الطبيعة، والطبيعة عموماً لا يمكن أن تحدث ضرراً أكبر مما تحدثه الصناعة. إذا كان الخفاش حيواناً طبيعياً، فإن أكل الهامبورقر وباقي الفاست فود هو في الحقيقة المرض الحقيقي الذي أصاب إنسان العصر الحديث.
مع ذلك فالهجمة ضد الأطعمة المصنعة لم يبلغ مثل هذه الحملة الشعواء ضد أطعمة الصينيين الطبيعية جداً.
أتذكر أن مأمون حميدة وزير الصحة السابق قال بأن الضفادع غنية بالبروتينات، وقد هاجمناه هجوماً كاسحاً، من باب المناكفة السياسية فقط؛ لكن كلامه في الحقيقة صائب تماماً من ناحية صحية.
أتذكر أن أحدهم عزمني حماماً محشياً ولكن مشهد الحمام كان أقرب لمشهد الضفادع فامتنعت عن أكله. هذا لا يعني أن الحمام مقزز وفي نفس الوقت لا يعني أن لحم الضفادع ليس شهياً، كل المسألة أنني لم أتعود على ثقافة أكل الضفادع.
هناك أطعمة ومشروبات كنا نرفضها في الطفولة وأصبحنا نحبها في الكبر أو العكس، وهذا يعني أن المشكلة لا تتعلق بهذه الأطعمة بل على تغيراتنا الهرمونية وثقافتنا أيضاً. فالطبيعة ثابتة ونحن المتغيرون.
وكما أسلفت، فلا شيء في الطبيعة يضر بالإنسان إن لم يكُ ساماً، ربما لا يعلم الكثيرون أن (الباسم) أو النيفة أو رأس الخروف بداخله آلاف الديدان فهناك يرقات ذبابية تعيش داخل الجيوب الأنفية للخروف بل والأغنام كذلك. ومع ذلك فالبشر يأكلون النيفة ولعابهم يسيل من بين أشداقهم.
ورجال الصاعقة من ضمن تدريباتهم التخلص من مشكلة التقزز من أكل الحيوانات التي لم يعهدوا أكلها من قبل. حتى يواجهوا خطر الحصار العسكري، أو خطر مواجهة الجوع عند الضياع في الصحراء عند هروبهم من الأسر...الخ...فالإنسان مهما تقزز من الطبيعة ستحوجه الطبيعة يوماً إليها ليعترف بقيمتها عنده.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى