روضة السالمي - لمحت ظلاّ من النافذة.

كنت أنظر إلى السقف، أحاول تذكّر أغنية قديمة كانت تردّدها أمي، عندما تنتهي من أشغالها المنزلية وتتفرّغ للاعتناء بي. فتغنيها بصوتها الهامس وكأنه هسهسة الزبد يعانق الرمال، يهدهدها برقّة، ويهمس لها بالألحان العذاب، ويحنو عليها حتى تنام.
تسرّبت بعض كلمات الأغنية إلى ذاكرتي في إيقاعها الخفيف والمرح.
كنت أنظر إلى السقف، أتذكّر الأغنية عندما لمحت ظلاّ يتحرّك خلف زجاج النافذة، وسمعت نقرات خفيفة على لوح البلور الذي يفصل غرفتي عن الشارع.
أمعنت النظر إلى حيث مصدر الصوت، فبدا لي وكأن ذبابة كبيرة كانت تريد أنت تدخل. كان صغير الجسم، لا يتجاوز حجم كفي، صدره أحمر، ويميل رأسه وظهره وذيله إلى اللون البني، أما بطنه فبيضاء بلون الحليب.
وددت لو استطعت الوقوف أمام النافذة ورسمت بأنفاسي الحارقة أشكالا على الزجاج البارد الشفاف. لو كنت وقفت أمام النافذة لمددت أصابعي مثل كفيف يقرأ السطور، ومرّرت على جسمه الصغير بأناملي العطشى لأتحسّس دفء ريشه الناعم.
وددت لو فتحت له النافذة ودعوته ليحلّق في سقف غرفتي، وليحطّ على وسادتي.
وددت لو أتركته ينقر فتات الخبز فوق مائدتي.
فقط لو كان لي خبز، وبقي منه بعض الفتات.
لو كان لي مائدة أضع فوقها خبزي وبعض الزاد، أو وسادة عليها أضع رأسي وأزرع الأحلام. لو كان لي غرفة بنافذة، ولو كان للغرفة سقف وجدران.
لو كان لي أصابع ولو كان لي قدمان لو كان لي شعر مسدل على كتف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى