عبد الحكم بلحيا - يومَ نُزولِ جُثّتي إلى الأرض.. شعر

(لِلمَوْتِ أشكالٌ شَتَّى؛ الحَياةُ أحَدُها)

في مِثْلِ هَذا اليَومِ.. مُتُّ -ولَمْ أكُنْ قَبْلًا أَمُتُّ إلَى الحَياةِ- علَى يَدِ امْرأةٍ، بِوَسْمِ إِلَـهَةٍ.. كانَت تَخِيطُ لِجُثّتِي قَبْرًا علَى جِسْرِ الهَباءْ
ثَكْلَى.. وما تَنْفَكُّ تَنْثُرُ سَلّةَ القُبُلاتِ فَوْقي، فَوْقَ ما تَخْتارُ من جَسَدي، ومِن أَبَدِي.. لِكَيْما تَسْتَرِدَّ غدًا دُيُونَ الوُدّ ضِعفًا في مَزاداتِ الوَفاءْ
كانت تُعِدّ قِيامةً صُغرَى لِهَذَا الطِفْلِ.. تُنْشِئُ بَرْزَخًا.. لِيَمُرّ بعضُ دُعائِها في رُوحِهِ، أو حُلْمها في مُقْلَتَيْهِ.. عَسَى يَنُوشُ لَها فَرادِيسَ السَّماءْ
كانتْ.. وكانتْ... جَنَّةً، وسَقَطتُ مِنها.. كَوْكَبًا وانْجابَ عَنّي.. لا نَباتَ يَخُونُني، في ظلّها، لا شَمْسَ تَلْفَحُني، وتُحْصِي لَذّتِي.. بِاسْمِ العَطاءْ
في مِثْلِ هَذا اليَومِ؛ كنتُ خَرَجْتُ من ضِلْعِ امْرِأَةْ..
وظننتُني -فيما يُقِلُّ خَرائبِي طُوفَانُ عَبْرَتِها المُتَوَضِّئَةْ-؛
أنَا مَن حَبَاها الوَهْجَ كَي تَحظَى بِمِنْسَأةِ البَقاءْ!
ويَصُبُّ صَوتَ اللهَ في أُذُنِي؛ أبٌ صَعبٌ.. يُلَقِّنُني كِتابًا في اليَقِينِ.. فأنْتَشِي بِخُزَعبَلَاتِ الشَّكِّ في رَأسِي، وأَفْتَأُ عابِثًا مُتَفَكِّهًا بِرُؤايَ في عَمَهِ الشَّقاءْ
يَومٌ كلَا حدَثٍ.. وَقَعتُ.. بلا مَراسِيمٍ تُرافِقُ حَيْرَتي، لا رِيحَ تَعزِفُ لِي، ولا أزْهارَ تَفتَحُ كَيْ تَمَصَّ حُشاشَتِي، لا نَعْيَ يُسْمِعُني ارْتِطامِي، لا جَنازةَ، لا رِثاءْ
"لُغْزٌ..هُوَ المِيلادُ"؟ أمْ مَوْتٌ يُجَدّدُ في دِمَانا لُعبَةَ الرُولِيتِ؟ ماذا بَعْدُ؟ نقْفِزُ بَيْنَ هاوِيَةٍ وأُخْرَى.. نَسْتَقِلُّ مَجَرّةً، فنَغُلُّ في ثُقْبٍ سَوادٍ.. لا أمامَ ولا وَراءْ!!
في مِثْلِ هَذا اليَومِ.. جِئْتُ.. ولَمْ تَشَأْ لِي حِصّةُ الفُقَراءِ مِن قَدَري المُطَرّزِ بِالأمانِي المُستَحِيلَةِ والنَّحِيلةِ.. أَنْ أصِيحَ، وأنْ أصِيرَ، وأنْ أطِيرَ... كَما أَشاءْ
وطَفِقتُ أَصرُخُ.. كَيْ أصُونَ أَقَلّ ما لي مِن حُقُوقٍ: في المُحَالِ من الكَلامِ، وفي الحَرامِ من النِّضالِ، وفي الشَّهِيِّ مِن الغِوايَةِ والغِناءْ
أنا لَمْ أقُلْ: "إنّي الوَحِيدُ، أو الفَرِيدُ".. ولَمْ أقُلْ لِلكَوْنِ: "كُنْ، لِأَكُونَ".. يَكْفِينِي مِنَ الأرضِ: السَّلامُ الحُرُّ، مِن قَلْبِ الحَياةِ: الدِفْءُ، مْن دَربي: العَماءْ
في مِثْلِ هَذا اليَومِ مِنْ أبْرِيلَ.. أَجّجَ ثَوْرةً حُرِّيّةً أسْلافُ قَلبِي الثائرُونَ علَى طُفَيْلِيّاتِ تاريخِي المُعَـبَّأ بِالتَوَثُّبِ والتَّقَلّبِ والتَّغَرُّبِ والعَناءْ
في مِثلِ هَذا اليَوْمِ؛ يَومِ وِلادَتي.. ما قُلْتُ: "شُكْرًا" لِلسَّماءِ، ولَمْ أُوَلِّ الأرضَ ظَهْرِي.. بَلْ، جُزافًا، هَكَذَا.. اسْتأنَفْتُ خُطوَتِيَ المُرِيبَةَ في غَيَاباتِ الفَناءْ
في مِثلِ هَذا اليَومِ.. كُنتُ علَى شَفِيرِ نِهايةٍ.. خالَ الرواةُ حُرُوفَها الأُولَى انطِلاقةَ رِحلَتِي.. لَكِنّها؛ لَمْ تَعْدُ رَجْفةَ كاتِبٍ.. قَرَعَ الدَّوَاةَ علَى يَراعٍ.. في الهَواءْ...
.......................
2019- 04- 9/8

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى