قصيدة المنفرجة.. لابن النحوي

تندرج " قصيدة المنفرجة " ضمن الشعر الديني السلفي، وهي قطعة في غاية الرقة والجودة والابداع، وتتميز بنفسها الصوفي العميق والحث على الصبر عند الشدة، والمثابرة على الزهد عند الحاح الرغبات، والاقتداء بسيرة السلف الصالح، وتسوق الكثير من الحكم البليغة والعميقة التي تدخل في باب الامثال السائرة، سماها الشيخ تاج الدين السبكي ( بالفرج بعد الشدة ) وقد تضاربت وتباينت حول نسبها الى ناظمها الاراء، اذ ترجعها بعض المصادر لحجة الاسلام الامام الغزالي، كما تنسبها مصادر اخرى للإمام الصوفي ابن النحوي الاندلسي، وللشيخ تاج الدين السبكي تارة اخرى.. فيما ترجح المصادر الادبية نسبها لابن النحوي التوزري المزداد سنة 1041، والمتوفى ببجاية في 1119 م ( 433 - 513هـ)، واسمه بالكامل: يوسف بن محمد بن يوسف التوزري التلمساني، ويكنى أبو الفضل المعروف بابن النحوي، مغاربي الاصل، توزري المولد وهي مدينة في أقصى إفريقية من نواحي الزاب الكبير. من قلعة بني حماد، قرأ علم الكلام وعلم اصول الفقه والنحو واصبح حجة فيه..
يرى المترجمون والشراح متفقين بأن ابن النحوي من العلماء الكبار ومن حفاظ الحديث تتلمذ على يد العديد من الشيوخ وعلماء الكلام، كما اشتهر بالفقه والتبحر فيه مع الزهد والتصوف، ولقد لقي المتاعب والمقاومة من الفقهاء والرؤساء، حيث خرج من بلدته توزر لاعتداء احد المتغلبين عليه واغتصاب أملاكه، وتوجه إلى الجزائر، وأقام بمسجد في قلعة بني حماد بالمسيلة، ونظم القصيدة مبتهلا بها إلى الله بعد أن دعاه متضرعا إليه في تهجده بقوله:
لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا = فقمت أشكـوا إلـى مـولاي مـا أجـد
وقلت: يا سيـدي يـا منتهـى أملـي = يا مـن عليـه بكشـف الضـر أعتمـد
أشكـو إلـيـك أمــورا أنــت تعلمـهـا = ما لـي علـى حملهـا صبـر ولا جلـد
وقـد مــددت يــدي بالـضـر مشتكـيـا = إليـك يـا خيـر مـن مــدت إلـيـه يــد
فرأى الوالي رؤيا أفزعته، ذلك انه رأى في منامه النبي، وهو يقول له: أبعث لأبي الفضل بن النحوي في المسجد المعروف بكذا في بلد الجزائر من يأتيك به، ويقضي مآربه، وكتب له معتذرا معترفا بذنبه، واعاد اليه أملاكه
فلما حضر بين يديه قال له:
ـ ما حاجتك يا أبا الفضل؟
فأخبره بأمره. فكتب له باعادة جميع ما أخبره به . ثم قال له:
ـ ما وسيلتك عند رسول الله؟
فأخبره بنظم هذه القصيدة .
و"قصيدة المنفرجة " من بحر الخبب وتفصيله فاعلن ثمان مرات وهي أربعين بيتا. لها شروح كثيرة قام بها العديد من الشيوخ، منها: ( اللوامع اللهجة بأسرار المنفرجة ) للشيخ محمد بن محمد الدلجي، و( الأضواء البهجة في إبراز دقائق المنفرجة ) للشيخ أبو يحيى زكريا بن محمد الأنصاري الشافعي، و( الأنوار البهجة في ظهور كنوز المنفرجة ) للشيخ عبد الرحمن بن حسن المقابري الشافعي، و( الأنوار المنبلجة في بسط أسرار المنفرجة ) للشيخ الفقيه أبي العباس أحمد بن الشيخ صالح أبي زيد عبد الرحمن النقاوسي البجائي، و ( التحفة البهجة في تضمين المنفرجة ) للشيخ أبي الفضل : محمد بن أحمد بن أيوب الدمشقي الشافعي، كما خمسها وشرحها اخرون بلغات اخرى، وهي ومن احب القصائد الدينية الى نفس المرحوم الحسن الثاني وقد غناها باداء جد جميل الاستاذ عبد الهادي بلخياط


من اختيار وتقديم اعداد نقوس المهدي / المغرب




قصيدة المنفرجة
لابن النحوي
اشــتــدي ازمــــةُ تـنـفـرجـي = قـــــدّ آذن لـيــلُــك بـالـبَــلــج
وظـــلامُ الـلـيـلِ لـــهُ ســـرجٌ = حـتـى يغـشـاهُ أبــو الـسُــرجِ
و سـحـابُ الخـيـرِ لــه مـطـر = فـــإذا جـــاءَ الإبّـــانُ تــجــي
وفــوائـــدُ مــولانـــا جـــمـــلٌ = لـسـروحِ الانـفـسِ والـمُـهـج
ولــهـــا أرٌج مــحـــيِ أبـــــداً = فـاقـصــد مَـحــيــا داكَ الارجِ
فـلـرُبـمــا فـــــاضَ الـمَـحـيــا = ببحـور الـمـوجِ مــن اللُـجـج
والخَـلـقُ جمـيـعـا فـــي يـــده = فـــذَوو سـعــةٍ وذَوو حَــــرج
ونــزولــهـــمُ و طـلــوعــهــمُ = فــإلـــى درِكٍ وعـــلـــى درج
ومـعـايـشـهــم وعـواقـبــهــم = ليسـت بالمشـي علـى عــوج
حكـمٌ نسـجـت بـيـدي حُكمت = ثــــم إنـتـسـجت بالمُـنـتـسج
فـإذا اقتـصـدتْ ثــم انعـرجـت = فـبـمـقـتــصــدٍ وبــمــنــعـــرج
شـهــدت بعجـائـبـهـا حــجــجٌ = قامـت بالأمـر علـى الحُـجـج
ورضـــاً بـقـضـاءِ الله حِــجــافـ = عـلــى مـركــوزتِــهِ فــعِـــج
وإذا انفتـحـت أبــوابُ هُـــدى = فـاعـجــل بخـزائِـنـهـا ولِــــج
فـــــإذا حــاولـــتَ نـهـايـتـهــا = فـاحـذرْ إذ ذاك مــن الـعَــرج
لـتـكـونَ مــــن الـسّـبــاق إذا = مـا جِـئـت إلــى تـلـكَ الـفُرج
فـهـنـاكَ الـعـيــشُ وبـهـجـتُـه == فـلـمـبــتــهــجٍ ولمنتهــج
فـهــج الأعـمــالَ إذا ركـــدت = فــإذا مــا هِـجــتَ إذن تـهُــج
ومـعـاصــي الله سـمـاجـتُـهـا = تـزدان لـذي الخُلـق السّـمِـج
ولـطـاعــتــه و صـبـاحـتــهــا = أنـــــوار صــبـــاحِ مـنـبــلــج
مـن يخطـب حُـور الخلـدِ بهـا = يـظـفــر بـالـحــور وبـالـفـنـج
فـكـن المـرضـيّ لـهـا بـتُـقـى = تـرضـاهُ غــدا وتـكـون نَـجـي
واتـلــوا الـقــرآن بـقـلـب ذي = حـزنٍ وبـصـوتٍ فـيـه شـجـي
وصـــلاةُ الـلـيـلِ مسـافـاتُـهـا= فـاذهـب بـهـا بالفـهـم وجـــي
وتــأمــلْــهـــا ومــعــانــيــهــا = تـــأتِ الـفــردوس و تَـفـتـرج
واشـــرب تسـنـيـم مفـجّـرهـا = لا مــمــتــزجــا وبــمـــتـــزج
مــدح الـعـقـل لأتـيــه هـــدى = وهــوىً مـتـون عـنـه هـجـي
وكــــتــــاب الله ريــاضـــتُـــه = لـعـقــول الـخـلــق بـمـنــدرِج
وخــيــار الـخـلــق هُـداتــهــم = وسِواهـم مـن همـج الهـمـج
فـــإذا كـنــت الـمـقـدامَ فــــلا = تجزع في الحرب من الرهج
وإذا أبـصـرت مـنــار هـــدىٍ = فاظـهـر فــرداً فــوقَ الـثـبـج
وإذا اشتـاقـت نـفـسٌ وجــدت = ألــمــاً بـالـشــوق المُـعـتـلـج
وثـنـايـا الحُـسـنـى ضـاحـكــة = وتمـام الضحـكِ علـى الفـلـج
وعـيـابُ الأســرار إجتمـعـت = بأمـانـتـهـا تــحــت الــسُـــرج
والـرفــقُ يــــدومُ لـصـاحـبِـه = والخـرقُ يصيـر إلـي الهـرج
صلـوات الله عـلـى المـهـدي = الهـادي النـاسِ إلــى النـهـج
وأبـــي بـكــرٍ فـــي سـيـرتــه = ولـــســـانُ مـقــالــتِــه اللهج
وأبــــي حــفــص وكـرامـتِــه = فــي قـصـة سـاريـة الـخُـلـج
وأبـــي عـمــر ذي الـنـوريـن = المستحـيّ المستحـيّ البـهـج
وأبـــي حـســن فـــي الـعـلــم = إذا وافــى بسحائـبـه الخـلـج
وعـلـى السبـطـيـن وأمـهِـمـا = وجـمـيــع الآل بــهــم فــلـــج
وعـلـى الحسـنـيـن وأمـهـمـا = وجـمـيــع الآل بــهــم فــلـــج
وعـلـى الأصـحـاب بجملتِـهـم = بذلـوا الأمــوال مــع المـهـج
وعـلــى أتبـاعـهـم العـلـمـاء = بــعــوارف ديـنـهــم الـبَــهــج
وأخـتــم عـمـلـي بخواتـمـهـم = لأكون غدا في الحشـر نجـي
يــــــارب بـــهـــم وبــآلــهـــم = عـجــل بـالـنـصـر وبـالـفــرج

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى