حامد فاضل - خيال الكاتب.. خيال القارىء

لأني أطمحُ أنْ أكونَ مَعْلَماً، وليس اسماً في طريق الابداع القصصي والروائي الجميل المُعّذِبْ، المزدحم بالسائرين، المسرعين منهم والمبطئين، المتنافسين للوصول إلى مصطبة زقورة هذا الضرب من فنون الأدب.. ولأن ذلك السمو، يتطلب الاستعداد النفسي، ويستدعي المخيلة الخصبة، ونصاعة الفكر النيّر، وسعة الأفق، وثقافة الانتقاء، ولكي تهتز بقعة الخيال وتربو، لتُنبت بذرة الكتابة الابداعية، التي إذا ما استوت على ساقها. أورقت، وأزهرت، وأثمرت. فإنَّ ذلك يستدعي القراءة الشاملة المفتوحة على آفاق المعرفة الانسانية، التي لا تقيدها أوتاد الزمان ولا تفصلها حدود المكان.. فقد ينتقل قارئ الى القطب المنجمد الشمالي، فترعبه أصوات العواصف الثلجية، وتغشي وجهه ثياب الغيوم، وتحط على أكتافه طيور الصقيع، وقد يفاجئه منحدر ثلجي، فيجلد كلاب زلاجته مرعوباً، وهو جالس في متنزه صيفي، وبين يديه كتاب (تحت سماء الجليد) لجاك لندن.. ذلك لأننا كقراء، عندما نصل الى عتبة القراءة، وندخل في حضرتها، تفصلنا طاقية قبتها عن الذين لا يقرأون، تُخفي صور الآخرين عن أعيننا، فلم نعد نبصر إلا ما في سطور الكتاب، وقد ندخل في آلة اختراق الزمن، فنبصر الماضي بأعيننا، ونحن نقرأ كتب التأريخ القديم، ونستشرف المستقبل ببصائرنا، أو نقرأ قصص وروايات الخيال العلمي. أو نحشو عربات قطار الحاضر بالقصص والروايات المعاصرة، ونتركه ليسير على سكة الذاكرة.. تلك هي طقوس القراءة، التي إذا ما وصلنا إلى حالة التهجد والاندماج بها، تَحَوّل الكتاب الى بساط سحري، وحملنا إلى عالم العقل والكتابة الخلاقة.. ولكوني أجرب حظي في الكتابة المكانية، ولي محاولات متواضعة في هذا الميدان، كتلك الأمكنة الظاهرة المنظورة الخارجية الاستقبال التي تجلت في كتابي (مرائي الصحراء المسفوحة) ضمن نطاق التصنيف الأرسطي للحواس، والأمكنة المخفية الداخلية الاستقبال، التي لا تتجلى الا بعملية تنقيب في دواخلنا، أي أننا نحتاج للوصول إليها إلى إزميل المخيال، ورفش المشاعر، وزنبيل الأحاسيس. وأحسب أني قد فعلت ذلك في كتابيّ (ما ترويه الشمس ما يرويه القمر) و (ألف صباح وصباح) .. لذا فأني ميال إلى قراءة الكتب، والدراسات، والمقالات، التي تعنى بالمكان بكل صنوفه، التي اتفق عليها كتاب فلسفة المكان كالظاهراتي الشهير غاستون باشلار. وقد استفدت في كتابة روايتي (بلدة في علبة) من دراسة عن شعرية المكان، بعنوان الظاهراتيّة الباشلارية، أو حيوات الصورة الشعرية، لسعيد بو خليط، تشير إلى أن مفهوم حلم اليقظة الباشلاري، يتمثل في أمكنة الألفة، مثل بيت الطفولة الذي كلما ابتعدنا عنه استعادته ذاكرتنا



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى