مولود فرعون - الراعيـات.. قصة - ت: العيد دوان

إنها الراعية. لها معزة تحبها حبا جما. كل الراعيات في الحقيقة، متعلقات بمعزاتهن، وهن جميعا. بمعزاتهن يشكلن قطيعا يتنقل بين التلال المعشوشبة، حيث تنعدم أشجار التين والزيتون وحيث تكثر مختلف أنواع النباتات العطرة الشوكية وغيرها. ففي الغابة. يشعر الجميع بالراحة. والوقت هناك يمر بسرعة، تتفسح وتمرح تقفز وتتمنى العودة بسرعة إلى الديار..

والمعزة، بالنسبة لنا. ليست بقرة الأغنياء كما يقال، بل هي بقرة كل الناس. الجميع تقريبا يملك واحدة على الأقل في المنزل، فهي في المنزل لا تزعجنا إذ تكتفي بالقليل كي تعيش أما في الخارج. وإن كانت قادرة على كسب قوتها. فهي ولوعة بأشجارنا المثمرة وجريئة عليها ولقد تشكلت في معظم القرى عدة قطعان إنها بمثابة ديمقراطيات معزية بها مس من الشيطان كل مواطنة بها تتمتع بكل الحقوق. وعليها نفس الواجبات كل مالك يتكلف بحراسة القطيع ثم يستريح عدة أيام، وهكذا تنجو أشجاره من شر معزته ومعزات غيره. إلا أن القطيع كما هو شأن كل ما هو ملك عام. يتعرض للإهمال. ولا أحد يشكو من ذلك والمكان الذي يقاد إليه القطيع، غالبا ما يكون أفقر الأماكن من حيث الكلأ، بعد أن مرّ عليه الماعز عددا من المرات. فقد تعود المعزات في المساء جوعانة. بعد أن خاضت معارك مدهشة إثر تزحلق ممتع وسط سحب من الغبار بعد مداعبة الجديان وأبنائهن الذين سيصبحون آباءهم قريبا. والذي يحب معزته، ينصح بألا يتركها مع القطيع !

وهناك قرى أخرى لم تخطر ببالها فكرة القطعان ذلك أن أهلها يملكون متسعا من المساحات الصالحة للكلأ، النباتات والأعشاب متوفرة في أراضيهم وهؤلاء. كلهم رعاة. بالمناسبة. والمعزة تعرف الجميع.
عندما يدعوك رب العائلة إلى إتباعه وهو يمد لك يده البخيلة، مانحا لك بعض حبات التين. تعرفين يا معزة: أنه لن يسمح لك بالقفز هذه المرة. لم يبق لك سوى أن تهرولي وراء دابته لأنك. ما أن تصلين الحقل، يربطك الأب إلى أحد أعمدة السياج قرب مجموعة من شجيرات الشوك، وغير بعيد منك، يربط الحمار ويذهب إلى عمله. وفي المساء سيكون لك الحق في بعض البراعم وبضعة حبات التين الفاسدة.

في بعض الأحيان. ترافقين الأم عندما تذهب لتفرغ سلة الفضلات التي جمعتها من مربطك تتبعينها بكل سرور لأنها لطيفة، وتحبين صوتها الحنون أنت تدركين أنك معزتها قبل أن تكوني معزة الآخرين مع العلم أنها خانتك يوم خرجت معها فقبل أن تعبري السياج. ربطتك بحزامها إلى أحد الأعمدة، بسبب أشجار التين طبعا ولكن هذا لم يمنعك من احترامها عند العودة إلى المنزل.

في أيام العطلة المدرسية، ينتظرك الفتى الصغير أمام عتبة الباب بجيوب مليئة بالتين الجيد هذه المرة، قد تبتعدان كثيرا. ويمكنك أن تجري كما يحلو لك لن تكونا وحدكما بل سيكون معكما معزات وفتيان آخرون. ستنزلون إلى الوادي، وسيكون النهار جميلا وسيتوفر “الأكل والشرب”.
بعد وقت قصير. يركن الفتيان إلى المرح فينسونكن وقد تخطئ بعضكن فتتبعها الأخريات فيؤدي ذلك إلى فوضى عارمة. هنا تبدأ الأحجار في التساقط على الرؤوس والرقاب وعندما يلعبون بالمزامير تتشوقن كثيرا. إلا أنهم في بعض الأحيان. يفضلون أن يلعبوا معكن يمسكونكن من القرون ويركبون فوقكن؛ وما أمامكن سوى الصراخ والتمرغ والتخبط. وفي المساء تستقبلهم أمهاتهم بالابتسامات وهن يجهلن كل ذلك طبعا.
أي مغفلة تتردد في اختيار الفتاة كرفيقة دائمة؟
والفتيات ألطف من الفتيان، هذه حقيقة تنقصهن الجرأة لا شك في ذلك ولكنهن فطنات يعرفن أحسن الأماكن ولا يترددن في الذهاب إليها. يدركن جيدا أنهن هناك من أجل ملء البطون. لا من أجل اللهو واللعب. وعندما تفتح الشفاه وتحضر الشهية تحوم المعزة حول باقة بعيدة المنال؛ هل يدرك الفتيان ذلك؟ أما الفتاة فتسارع لنجدتك وتتدلى بجسمها الخفيف على غصن الشجرة فتنزله نحو الأرض تقضمين شعرته بسرعة فائقة، ولا تنسى أن تشكرك وتداعبك.

يمكن للمعزات أن يعوّلن على راعياتهن التي لا ينشغلن إلا بملأ البطون. فهل بقي للذئب مجال للطمع؟ لا. مع البنات. لم يبق أمل لديه.
ومفخرة الفتيات تكمن في حامية الحليب يقمن بالمقارنة فيفرحن أو يحزنن يدور الحديث بينهن حول خصال معزاتهن أكثرهن تكبرا يظهرن كأنهن يبحن بأسرار بالغة الأهمية، مرفقة ذلك بدعاء حذر:

– أخواتي معزتنا حفظها الله تحلب ثلاثة لترات أمر منعتني أمي من البوح به انظرن ضرعيها، كأنهما ضرعا بقرة ولداها كأنهما أرنبان في الرشاقة، الله..

ذات يوم، قالت لي إحدى الراعيات، أصبحت ربة عائلة، تتذكر صديقة لها كانت لا تقبل المناقشة:

“كنا نخرج معا، وكانت تحب معزتها حبا جما، كما كنت أنا أحب معزتي. بيد أني، كنت شديدة الحياء وكنت أتأثر بسهولة كانت دائما تحدثني عن معزتها وتستخف بمعزات غيرها؛ الله يبارك هنا والله يبارك هناك، وما كان عليّ إلا أن أوافق ماذا تريد؟ في النهاية، تبنيت أنا أيضا، صيغتها. وأصبحت أقول: “معزتك، يبارك الله، كذا أو كذا”. فلم تكن لدي الشجاعة كي أستعمل هذه الصيغة عند الحديث عن معزتي، ولو أن بداخلي، كنت أفعل ذلك، وصديقتي لا تدري وإذا فطنت لذلك، أكون قد أضفت لها سببا لاحتقار معزتي فيما بعد، لاقيت في مناسبات كثيرة، أناسا يقولون: “معزتك يبارك الله كذا أو كذا”، أما هم فيقولون بكل برودة: “معزتك، هي…”، ولا يخصصن البركة إلا لأمر يمسهم من قريب أو بعيد.
قلوب الفتيات الكبيرة، تبقى كل تلك السنوات، سنوات التسكع، غنية بالذكريات فلا يمكن أن تنسى أحسن الحيوانات وألطفها والتي استولت على قلوب الناس تبقى هيأتها ورأسها وشكل قرونها عالقة بالأذهان، إنها صور حميمة تذكر بأوقات اللامبالاة، تلك الأوقات التي يمنح فيها الطفل نفس الروح للناس وللحيوان ولنفسه، كما يحب معزته كثيرا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى